الحاجة لبوح الكحص وجرأة الرماني

أحمد مدياني
أحمد مدياني

الكتابة لا تحتاج إلى وقت محدد، لا تنتظر، بل لا تقبل أصلا، موعدا للنشر.

خلال شهر رمضان، ركزت على زاويتين فقط؛ الصفحة التي خصصتها يومية "الأحداث المغربية" للإبداعات المعرفية والثقافية، التي اقترفها لأجلنا جميعا أستاذنا محمد الكحص.

وما جاء من بوح لأجلنا جميعا، أيضا، على لسان "خونا الكبير" عبد العزيز الرماني على ظهر صفحات "الصباح".

يجب أن يركز من يريد الخير لهذا الوطن، إن أراد ذلك، على ما تضمنته الزاويتان الاستثنائيتان لأجل فهم ما نحن عليه، وما يجب أن يكون مستقبلا، مهما كانت الاختلافات حيث المنبع.

هناك فئتان تحاربان الكحص كما تكرهان الرماني. تتمنى لو انقرضت مثل هذه الشخصيات من المجتمع.

تجعلان من الشخصيتين "هالة ظلام" لمن لا يعرفهما عن قرب. رغم أن جلسات الكواليس، خلف الأضواء، دون حضور "بوز الميكرفون" الذي يستفز "الشجاعة السياسية". يُهاب الاقتراب من استفزاز بوحهما بكل شيء وأي شيء.

الكتابة والبوح عندهما يحملان الإرث الذي يجب أن ندرسه، وإن كنا غير صحافيين، بكل تجرد. لأن الذين يكرهون الكحص والرماني لا يطيقون الاجتهاد، يخافون الكتابة والخروج بالصوت والصورة بغير ما يألفه الجميع.

كما نحتاج إلى الكحص، نحتاج أكثر إلى الرماني. الأخير له شجاعة الفضح على طول دون فواصل، ودون انتظار الرضا من أحدهم. والأول يعرف جيدا قيمة الصمت، وحين يتكلم يوجع.

أتذكر أنني كنت أول من أنطق الكحص بعد عزلته. التقيته حين كنت أشتغل في مجلة "مغرب اليوم". قال كل شيء. وطلب باحترام نشر البعض منه. اسألوا مدير نشر المجلة، حينئذ، مصطفى ابن الرضي!

اختار مدير نشر مجلة "مغرب اليوم"، ذات يوم، عنوان إخراج كلمات الكحص بمضمون أن الرجل لن ينتهي.

لأن ما باح لنا به، حينئذ، كاتب الدولة الأسبق لدى الوزير الأول المكلف بالشباب كان الكثير، واحتراما لكل ما رافق اللقاء الاستثنائي معه، نشرنا ما اعتبره هو فقط متاحا لتناوله، وكذلك كان.

مؤخرا، ناقش العالم بأكمله، حكاية صحافي أمريكي، وجد نفسه ضمن مجموعة دردشة خاصة، وصلته مخططات قصف وإبادة مدنيين. فقرر أن يلتزم الصمت. حتى تحقق بلاده الأهداف التي وجدت من أجلها قواتها المسلحة.

قبله، حين جاء إدوارد سنودن بكل الحجج التي تدين أمريكا بالتجسس على مواطنيها، احتاج كل صحافي وصحافية رافقوه لما يؤكد روايته بدون أدنى خطأ، ولو بصفر فاصلة صفر في المائة.

ما يقع عند الغرب نحاول أن يساوي ما لا نملكه. من يمهد لنا الفضح بكل حرية. ولكن لا يملك المدعون الصياح به دون توجيه!

الوطن، يحتاج أن نكون فقط على قدر مسؤولية الفضح دون أن يكون مدفوعا من أحد المستفيدين من ضروريات العيش اليومي بالريع والفساد وما يجاورهما، طولا وعرضا.

كتب الكحص عما كلف به من مهام لأجل الشباب والتعليم  والمعرفة، انتقد نفسه قبل غيره.

قص الرماني عما أسند إليه من مهام من طرف فؤاد علي الهمة ولم يقلل من قدر إدريس البصري.

نحتاج إلى المزج بين الحاجة إلى بوح الكحص وشجاعة الرماني.