ترجمة: هيئة التحرير
كانوا على حق، كل هؤلاء الناشطون في الحراك.. سكان الحسيمة الذين هبوا للاحتجاج على الإخلال بالتزامات الدولة.. هؤلاء الريفيون الفخورون الذين تعرضوا للإهانة من طرف قادة أحزاب الأغلبية..هؤلاء النساء وهؤلاء الرجال المعتزون بأنفسهم، الذين تظاهروا طيلة أشهر مديدة، بكل هدوء ودون الانزلاق إلى العنف، باستثناء بعض الانفلاتات النادرة. لقد وعدتهم الدولة بالقمر والنجوم في إطار برنامج بقيمة 6.5 ملايير درهم. ولكن هؤلاء المواطنين لم يروا حتى طيف معظم تلك المشاريع.
يوم الثلاثاء 24 أكتوبر أكد إدريس جطو، الرئيس الاول للمجلس الأعلى للحسابات، هذه المظالم أمام الملك. وأصدر محمد السادس عقوباته. كم هم صغار اليوم كل أولئك الذين نعتوا المتظاهرين بالانفصاليين ووصفوهم بأعداء الأمة.
لقد قلناها سابقا، الحراك لم يكن قط ثورة تهدد الدولة، بل كان تعبيرا عن المواطنة، وضغطا ضروريا مارسه الشارع على الحاكمين.
قد نأسف لقسوة العقوبات التي تلت هذا الثلاثاء الاستثنائي. إذ وضع بلاغ طويل للديوان الملكي- الأطول في عهد محمد السادس- حدا لمسار بعض خدام الدولة السامين.. شخصيات ذات قمية عالية وآخرى نشعر اتجاهها بتعاطف كبير. فخدمة الدولة وظيفة قاسية في نظام سياسي مثل نظامنا. "عندما تحقق إنجازا مهما فهذا يحسب للملكية، وعندما تفشل فأنت وحدك المذنب. هكذا هي مهمة خادم الدولة". كما لخص لنا مسؤول هام الأمر في أحد الأيام.
بغض النظر عن هذه الاعتبارات، فالوقائع ثابتة وعنيدة، والمسؤوليات تم تحديدها بشكل واضح ومفصل من طرف قضاة المجلس الاعلى للحسابات. فالوزراء الذين نزل بهم العقاب لم يسرقوا ولا اختلسوا المال العام، ولكنهم مسؤولون عن التأخير الذي عرفته المشاريع وعن عدم إنجازها، وهم متهمون بمحاولة التملص من مسؤولياتهم بتمرير تلك المشاريع التي كانت تحت إشرافهم إلى وكالة تنمية أقاليم الشمال. "في ظل هذه الدربكة، وجدت هذه الوكالة نفسها تمنح من ثلاث إلى أربع صفقات عقود في اليوم.. بالله عليكم، كيف يكمن منح كل هذه الصفقات بشكل سليم؟ هذا أمر مستحيل" يقول مصدر قريب من الملف.
إذن، كان على محمد السادس أن ينزل عقابه. والرسالة قد وصلت بكل وضوح إلى المحكمة التي كانت تحاكم نشطاء الحراك.
سنكون واهمين إن اعتقدنا أن هذه العقوبات المعزولة ستكرس مبدأ "المحاسبة". وحدها دولة الحق وسمو القانون واحترام الممارسات الديمقراطية ستمكن من فرض هذا المبدأ في الوظائف العمومية.
لا شك أننا لم نبلغ بعد هذا المستوى، ولكن حالة الحسيمة دفعت الدولة إلى التململ. عليها الآن الذهاب إلى أقصى مدى في مسار إرساء هذا المنطق الجديد، أولا من خلال إعادة النظر في هذا البرنامج التنموي، وهو في الواقع ليس كما يدعي. إذ لم يكن منذ البداية متماسكا، والمشاريع المحددة بدقة ووضوح. و التي لها تمويل مضمون وعقار لا تشوبه شائبة، كانت قليلة للغاية.
إجمالا، يتعين إعادة النظر في "منارة المتوسط" على ضوء السؤال التالي: هل بإمكان هذه المشاريع الـ644 إرساء نشاط اقتصادي حقيقي وخلق مناصب الشغل؟ ليس مؤكدا. هذا على كل حال هو جواب المجلس الأعلى للحسابات.