محمد زيتوني
النموذج الباسكي.
تقع بلاد الباسك في الشمال الغربي لإسبانيا وأقصى الجنوب الغربي لفرنسا.
وتشمل أجزاء من إقليم الباسك الإسباني ونافارا بالإضافة إلى إقليم الباسك الفرنسي. وتعرف المنطقة بثقافتها الفريدة ولغتها الخاصة، وهي اللغة الباسكية (Euskara)، التي تعد واحدة من أقدم اللغات في أوروبا ولا تربطها أي صلة باللغات اللاتينية أو الجرمانية.
و لها تاريخ طويل في النضال من أجل الاستقلال، وتعرف بتقاليد غنية في الفنون والموسيقى والرياضة الشعبية مثل رياضة “بيلوتا”. و عاصمتها السياسية هي فيتوريا-غاستيز، إلا أن المدن الأكثر شهرة وإشعاعا هي بلباو وسان سباستيان، التي تتميز بمهرجاناتها الثقافية وأهميتها الاقتصادية.
وتعرف المنطقة بجمال طبيعتها الجبلية والساحلية، وهي وجهة سياحية بارزة لمحبّي الثقافة والطبيعة والطعام، حيث تشتهر بمطبخها الفاخر الذي يضم العديد من المطاعم الحائزة على النجومية العالمية.
تعتبر جهة الباسك من أكثر الجهات الاسبانية تصنيعا وتتوفر على بنيات تحتية ومالية جد متطورة،وتزدهر في أراضيها فلاحة غنية وتربية مواشي من الاغنى في القارة الاوربية.
ولأنها تتميز بثقافة غنية وفريدة ولغة لا تشبة اللغات اللاتينية والجرمانية والسيلتية الأخرى في أوربا، فهناك العديد من الدراسات الأكاديمية والجامعية التي اهتمت بما يمكن تسميته بالحضارة الباسكية.
وعرف تاريخ المنطقة رغبة كبيرة لدى الباسكيين في الاستقلال عن إسبانيا وفرنسا، و هذا يعود إلى الهوية الثقافية واللغوية الفريدة للمنطقة.
و تعود جذور القومية الباسكية إلى القرن التاسع عشر، حيث بدأت الحركات القومية في الظهور كجزء من التحولات الاجتماعية والسياسية في أوروبا. مع التصنيع وتغيرات الهياكل السياسية في إسبانيا، فبدأت تنمو مشاعر الانتماء القومي بين الباسكيين الذين كانوا يسعون للحفاظ على ثقافتهم وهويتهم.
و على مر التاريخ، تمتعت بلاد الباسك بدرجات متفاوتة من الحكم الذاتي في عهد الملكية و النظام الفيودالي الإسباني، ولكن تم تقليص هذا المكتسب بشكل كبير بعد الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) وصعود النظام الديكتاتوري بقيادة فرانكو، الذي قمع بقوة اللغة و الثقافة الباسكية.
وخلال منتصف القرن العشرين، تأسست منظمة “إيتا” (ETA) وهي حركة قومية مسلحة تطالب بالاستقلال الكامل لإقليم الباسك. بدئت كحركة ثقافية لكن سرعان ما تحولت إلى تنظيم تبنى الكفاح المسلح ضد الحكومة الإسبانية.
وتعتبر فترة السبعينيات والثمانينيات، من أعنف السنوات في التاريخ المعاصر لإسباني حيث نفدت العديد من الهجمات ضد أهداف حكومية، مما جعلها واحدة من أكثر الحركات المسلحة نشاطًا في أوروبا الغربية. ومع ذلك، تضاءلت شعبيتها مع مرور الوقت نتيجة للعنف المستمر وردود الفعل القاسية من الدولة.
و في 2011، أعلنت “إيتا” عن وقف نشاطها المسلح، وفي 2018 أعلنت حل نفسها رسميًا، ما أنهى فعليًا مرحلة من النزاع المسلح حول قضية الاستقلال.
و خلال الانتقال الديمقراطي في إسبانيا بعد وفاة فرانكو عام 1975، تم إنشاء نظام حكم ذاتي موسع لإقليم الباسك من خلال دستور 1978. هذا النظام يمنح الإقليم صلاحيات كبيرة في مجالات مثل التعليم، الضرائب، الشرطة، والصحة.
وتتمتع بلاد الباسك حاليا بسلام واستقرار تامين،وتنمية اقتصادية مشهودة ، وتقدم يقاس بتقدم الدول العظمى في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنتاج الطاقات المتجددة والتنمية الفلاحية والتصنيع وبنيات تحتية ومرافق الصحة والتعليم رائدة.