لا يكف أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، عن التعبير عن عدم رضاه عن الوضع الاقتصادي في المغرب، إلى درجة الصدح بمخالفته للسياسة الاقتصادية الحالية، حيث يدعو إلى الخروج من القيود المرتبطة بتوصيات صندوق النقد الدولي، من أجل ضخ نفس جديد في الاقتصاد، الذي يجب يكون مؤطرا بنوع من التخطيط الاستراتيجي الذي يفضي إلى تنسيق السياسات العمومية وتحديد الأدوار، ضمن رؤية تعتمد على الوطنية الاقتصادية، التي تبقى مشروطة بميثاق وطني.
التفكير خارج الصندوق
في الندوة الصحفية التي عقدها الثلاثاء بالدار البيضاء، من أجل الحديث عن وضعية الاقتصاد الوطني في العام الحالي، وآفاق تطوره في العام المقبل، أعاد الحليمي التشديد على ضرورة التخفف من القيود التي ترتبط بتوصيات صندوق النقد الدولي، حيث يؤكد على أنه لا يجب لوم الصندوق، بل المسؤولين الذي يتقيدون بتعاليمه، معتبرا أن العلاقة مع الصندوق، تحددها الجدية والخلفية الاقتصادية، التي يفترض أن تؤشر على آفاق تطور واعدة في المستقل.
يبدي، عكس العديد من أصحاب القرار السياسي والاقتصادي بالمغرب، ضيقه من التعاليم الدوغمائية التي تفرض حصر عجز الميزانية في حدود 3 في المائة، والتضخم في حدود 2 في المائة، والمديونية في حدود 60 في المائة.
يؤكد الحليمي على أنه يمكن السماح بتجاوز العجز مستوى 3 في المائة، والسماح بتضخم لا يتقيد بسقف 2 في المائة، علما أن التضخم لن يتعدى 0,8 في المائة في العام الحالي، ما يعتبره بمثابة " فضيحة"، فهو يرى أن الدراسة المقارنة، تشير إلى أن العديد من البلدان تسمح بتضخم يصل إلى 7 في المائة.
ويتصور أن المغرب في حاجة إلى ما سبق له أن سماه بالتضخم " الجيد"، الذي يمكن أن ينعش الاقتصاد، بل إن ذلك التضخم سيتيح للدولة الوفاء بالدين الداخلي للخزينة، الذي يمثل أكثر من 51 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
ويعتقد أن الدين الداخلي، بالنظر للمستوى الذي بلغه، يشكل عامل إزاحة، بالنسبة للقطاع الخاص، الذي يتعذر عليه الحصول على السيولة، في الوقت نفسه الذي لا يرى أي مانع في الاستدانة من الخارج، مادام ذلك الدين لا يمثل سوى 13 في المائة من مديونية الخرينة، غير أنه يؤكد على ضرورة توجيه الدين الخارجي نحو الاستثمار، الذي يمكن أن يساهم في إضفاء حركية جديدة على الاقتصاد الوطني، بما له من تداعيات إيجابية على مستوى الموارد الجبائية.
يدعو الحليمي إلى التفكير من خارج الصندوق، ويحيل على تصريحات أوليفيي بلانشار، كبير الاقتصاديين السابق، بصندوق النقد الدولي، الذي لا يرى أي ضير من الخروج عن الوصفات الصارمة التي تدعو لها المؤسسة المالية الدولية، ويعتبر أن الاستدانة سلوك محبذ، كما يطالب بمراقبة سلوك كريستين لاغارد، المديرة العامة السابقة للصندوق، التي أضحت محافظة للبنك المركزي الأوروبي، حيث يتوقع أن تسخر آليات من أجل بث نفس جديد في اقتصاد الاتحاد الأوروبي المتباطىء نموه.
السيارات لا تكفي
عاد الحليمي ليرفع شعار "الوطنية الاقتصادية"، بعدما رسم صورة غير مطمئنة لأداء الاقتصاد العالمي، ما سينعكس سلبا على الطلب الخارجي الموجه للمغرب، خاصة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي في فضاء الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر الشريك الرئيسي للمملكة، في الوقت نفسه، لا يدفع أداء الاقتصاد الوطني، المحكوم بضعف وهشاشة النمو الاقتصادي، خبراء المندوبية السامية للتخطيط إلى زف أخبار سارة للأسر المغربية، ما دام النمو الاقتصادي سيتراجع إلى 2,7 في المائة في العام الحالي و3,4 في المائة في العام المقبل.
عندما يسأل المندوب السامي في التخطيط عن مستوى الإدماج في الاقتصاد الوطني، يعود لتناول القطاعات التي يمكن أن تشكل مصدر للقيمة المضافة، ويركز على قطاعات مثل الطيران والسيارات، حيث يدعو إلى عدم المراهنة عليها كثيرا، رغم الامتيازات الكثيرة التي تمنح لها، في الوقت نفسه، يتصور أنه يمكن توجيه الاهتمام للقطاعات التي يتوفر فيها المغرب على خبرة كبيرة، والتي يمكن أن تشكل رافدا حقيقيا للنمو الاقتصادي.
وسبق للحليمي أن أوضح أن المغرب يتوفر على فرص كبيرة لتنويع منتجاته، بشكل يستثمر الإمكانيات التي تتيحها البنيات الاقتصادية الحالية، والتي تتوفر على إمكانيات للتنافسية، خاصة في السلاسل المستندة على الحبوب والخضر والفواكه والنسيج الصناعي والكيماويات، وصناعة الآلات والتجهيزات. تلك إمكانيات تفتح الباب أمام استغلال حوالي 3500 منتج، حسب تقديرات المندوبية السامية للتخطيط.
ويتصور الحليمي أن المقاولات الصغيرة والمتوسطة هي التي يجب أن يتاح لها التأطير والتمويل والتحفيزات الضرورية، من أجل الاستثمار في الفرص الكامنة في الاقتصاد الوطني، غير أنه، كما يتجلى من تحليلات سابقة للحليمي، لا تمثل المقاولات الصغرى والمتوسطة سوى 4,7 في المائة من الاستثمار الشامل، بينما تشكل 95 في المائة من النسيج الإنتاجي الوطني.
ويراهن الحليمي أكثر على المقاولات الصغرى والمتوسطة، لأنه يعتقد أنها ستساهم في تسريع النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل، والاستجابة للطلب الداخلي، الذي يستجاب له حاليا عبر الواردات، في الوقت نفسه، الذي ستتمكن من التصدير، بما يساعد على تقليص عجز الميزان التجاري وحاجيات تمويل الاقتصاد.
رسائل بدون صدى
عندما يتحدث الحليمي، الذي سبق له أن تولى وزارة الشؤون العامة في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، يفعل ذلك بنوع من الإحساس بالمرارة، ويقول إن الدراسات التي تنتجها المندوبية السامية للتخطيط، لا تحظى بالاهتمام المفترض، فقد ترسخ لديه اليقين بأنهم لا يستمعون له، لذلك يقول إنه "يمرر رسائل والله يتولى الباقي"، هو الذي يحرص على التذكير بتلك الآمال العريضة التي راودت قادة الحركة الوطنية بعد الاستقلال.
ورغم خيبة الأمل التي ترشح من حديثه، يشدد على ضرورة الانخراط في نوع من التخطيط الاستراتيجي، الذي يوضح الرؤية على المدى المتوسط والطويل، معتبرا أن كل سياسة اقتصادية، تتضمن تصورا لما يجب أن يكون عليه المجتمع، متمنيا أن يلتفت أصحاب القرار لأهمية التخطيط الاستراتيجي، بعدما دعا إليه، بدوره، مؤخرا والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري.
ليست تلك أبرز رسالة يبعث بها الحليمي، بل يشدد على ضرورة تنسيق السياسات العمومية وتوضيح الأدوار بين مختلف المتدخلين، ويضرب لذلك مثلا بالدور الذي لعبه والي محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، الذي تولي توضيح دواعي وأهداف تليين سعر صرف الدرهم، بينما يؤول ذلك الدور للحكومة، خاصة رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد والمالية، ويبدو غير مستسيغ للجوء وزارات إلى إنتاج إحصائيات حول القطاعات التي تشرف عليها، بينما يرى أن دورها ينحصر في وضع السياسات والمخططات وتطبيقها.