سجل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، اليوم الأربعاء، بالرباط، أن العقوبات البديلة تمثل تحولا جوهريا في النظام العقابي التقليدي، بالنظر إلى ما توفره من بدائل واقعية وفعالة للعقوبات السالبة للحرية، وما تتيحه من فرص لإعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للمحكوم عليهم.
وأوضح الداكي، في كلمة ألقاها خلال افتتاحه أشغال يومين دراسيين حول العقوبات البديلة، تنظمهما رئاسة النيابة العامة، بشراكة مع مجلس أوروبا، وبتنسيق مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، أن هذا اللقاء يأتي في سياق الاستعداد لتفعيل مقتضيات القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، المقرر دخوله حيز التنفيذ في غشت المقبل، مشيرا إلى أن هذا الورش التشريعي يعكس توجها استراتيجيا لتجاوز محدودية العقوبات التقليدية، خاصة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، التي أظهرت التقارير الوطنية والدولية محدودية أثرها على السلوك الإجرامي، فضلا عن ما تخلفه من آثار اجتماعية واقتصادية سلبية، وتفاقمها لمعضلة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية.
واعتبر المتحدث نفسه أن القانون الجديد يشكل استجابة عملية للتوجيهات الملكية الواردة في خطاب 20 غشت 2009، والتي دعت إلى مراجعة السياسة الجنائية واعتماد عقوبات بديلة، مؤكدا أن هذا التوجه يجسد تطورا نوعيا في تصور الدولة لمفهوم العقوبة، من مجرد أداة للردع والزجر إلى وسيلة للإصلاح والتأهيل وإبقاء المحكوم عليه ضمن محيطه الاجتماعي والاقتصادي.
وينص القانون 43.22 على أربع صيغ من العقوبات البديلة، تشمل العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير علاجية أو تأهيلية، إضافة إلى الغرامة اليومية.
ويتيح هذا الإطار القانوني الجديد للقضاء إمكانية استبدال العقوبات الحبسية النافذة بإحدى هذه البدائل، في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها خمس سنوات.
وأشار الداكي إلى أن تنفيذ العقوبات البديلة سيخضع لتتبع دقيق من قبل الجهات القضائية والإدارية المكلفة، بهدف ضمان فعالية التطبيق وتحقيق أهدافه الإصلاحية، مبرزا أن النيابة العامة تضطلع بأدوار أساسية في هذا المسار، من خلال تقديم ملتمسات لاستبدال العقوبات السالبة للحرية، وإحالة المقررات إلى قضاة تطبيق العقوبات، ومواكبة إجراءات التنفيذ من بدايتها إلى نهايتها، مع الحرص على ضمان احترام حرية الأشخاص وتكريس العدالة.
وفي هذا الإطار، أصدرت رئاسة النيابة العامة دورية، بتاريخ 11 دجنبر 2024، تحت عدد 18/2024، دعت فيها قضاة النيابة العامة إلى الانخراط الجاد والفاعل في تفعيل مقتضيات القانون الجديد. كما شاركت الرئاسة، بفعالية، في أربع لجان موضوعاتية محدثة، بناء على مخرجات الاجتماع رفيع المستوى الذي ترأسه رئيس الحكومة، من أجل وضع مخطط وطني لتنزيل هذا القانون.
وتكلفت هذه اللجان بصياغة النصوص التنظيمية، وإعداد دليل استرشادي عملي لتيسير التنزيل القضائي للعقوبات البديلة، وتحديد نموذج تنفيذ عقوبة العمل للمنفعة العامة بمساهمة مختلف القطاعات المعنية، فضلا عن دراسة الإمكانات التقنية والبشرية والمالية لمواكبة تنفيذ هذه العقوبات، ولاسيما فيما يخص المراقبة الإلكترونية.
وتابع الداكي أن رئاسة النيابة العامة تشتغل، حاليا، على إعداد دليل عملي شامل لتطبيق العقوبات البديلة، سيتم تعميمه بعد صدور المرسوم التطبيقي، كما ستعمل على تنظيم دورات تكوينية لفائدة المكلفين بإنفاذ القانون، وعقد لقاءات تنسيقية مع المسؤولين القضائيين عند الحاجة لتدارس الصعوبات التطبيقية واقتراح حلول عملية لتجاوزها.
وختم بتأكيد التزام رئاسة النيابة العامة بالعمل في إطار مقاربة تشاركية مع مختلف المؤسسات، لاسيما المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمندوبية العامة لإدارة السجون، من أجل إنجاح هذا الورش التشريعي المهم، وضمان تنزيل سليم وفعال للعقوبات البديلة بما يعزز العدالة الجنائية ويستجيب لتطلعات المجتمع المغربي.