الراشدي يطالب بتطوير التشريعات الجنائية لمكافحة الفساد

خديجة قدوري

أكد محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في كلمته التي ألقاها خلال اليوم الدراسي حول مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتعديل وتغيير القانون رقم 22.01 الخاص بالمسطرة الجنائية، أن الهيئة تعتبر قانون المسطرة الجنائية أداة إجرائية مهمة تهدف إلى تنفيذ قواعد التجريم والعقاب. معتبرا هذا القانون، بالإضافة إلى دوره المحوري في تفعيل السياسة الجنائية ومكافحة الجريمة، وسيلة أساسية للحد من الفساد ومعاقبة مرتكبيه، مما يضمن عدم إفلاتهم من العقاب.

وأوضح الراشدي، أن الهيئة تُثمن مراجعة القانون رقم 22.01، مؤكدًا على أهمية الاستجابة لمطلب مواكبة تطور الأساليب الجرمية، خاصة تلك المتعلقة بأفعال الفساد. كما شدد على ضرورة التفاعل مع التجديدات في الآليات الجنائية التي أوصت بها مجموعة من المعاهدات والصكوك الدولية ذات الصلة، والتي اعتمدتها العديد من التشريعات الدولية.

وتابع الراشدي، أنه تثمينا لهذه المراجعة، وبناءً على قناعة الهيئة بأن قانون المسطرة الجنائية مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمكافحة الفساد، من خلال استيعابه للإجراءات اللازمة لمكافحة هذه الجرائم وضمان محاكمة عادلة، فقد حرصت الهيئة على إبداء رأيها في مشروع القانون المتعلق بمراجعة المسطرة الجنائية. وأوضحت الهيئة موقفها، تفعيلًا لصلاحيتها في إبداء الرأي بمبادرة منها، في المسودة الأولى لهذا المشروع تحت رقم 01.18، وقد تم رفع هذا الرأي إلى الجهات المعنية بالتزامن مع نشر تقريرها السنوي لعام 2021.

واستطرد قائلاً: "ومواصلة لهذا المسار، وبعد مصادقة المجلس الحكومي في 29 غشت 2024 على الصيغة الجديدة لمشروع القانون رقم 03.23، توجهت الهيئة، بمبادرة منها، نحو إجراء قراءة تفصيلية لهذه الصيغة. فتبيَّن لها أنها تتجاوب مع توصية واحدة من توصيات الهيئة، إلا أنه تأكد لها، في المقابل، أن باقي المواد التي كانت موضوع ملاحظاتها وتوصياتها في تقريرها الموضوعاتي المشار إليه لم تشهد أي تغييرات. كما رصدت الهيئة، في السياق ذاته، ثلاثة مقتضيات تم إدراجها في الصيغة الجديدة للمشروع، والتي أثارت لديها مجموعة من الملاحظات والتوصيات".

في السياق ذاته، أفاد الراشدي أن قرار مجلس الهيئة استقر على اعتماد تقرير محدث يتضمن، إلى جانب الملاحظات والتوصيات الواردة في التقرير الموضوعاتي لعام 2021، الملاحظات والتوصيات المتعلقة بالمواد الثلاثة الجديدة التي تضمنتها الصيغة المعدلة.

وأضاف المتحدث أن الرأي الذي قدمته الهيئة، من زاوية اختصاصاتها، بخصوص مشروع القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، يستند إلى مجموعة من المحددات المرجعية التي تركز على إدراج مراجعة هذا القانون ضمن منظور المشرع الدستوري الذي أبرز أهمية ومحورية تخليق الحياة العامة، والحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد بكل تمظهراته، وهو ما يتطلب تعديل القانون بما يواكب هذه المبادئ الأساسية لتحقيق العدالة الفعالة.

وذكر أن ذلك يشمل التجاوب مع الالتزامات الدولية للمغرب في إطار مصادقته على الاتفاقيات الدولية والإقليمية، وما يقتضيه ذلك من تفاعل إيجابي مع رهانات هذه الاتفاقيات والتوصيات الصادرة بهذا الخصوص، سواء في إطار تقارير الاستعراض التي خضع لها المغرب أو في إطار تقارير التقييم المنجزة من قبل خبراء دوليين.

وتابع الراشدي أن الهيئة تؤكد على ضرورة الانفتاح على توجهات التشريعات الجنائية الحديثة التي اعتمدت آليات مسطرية متطورة في التبليغ، والبحث، والتحري، والتحقيق، فضلاً عن تعزيز التعاون الوطني والدولي في مكافحة جرائم الفساد. كما شدد على أهمية استحضار خصوصية وخطورة هذه الجرائم، بما يستدعي تأطيرها بآليات جنائية مسطرية تتناسب مع التطور الملحوظ في آفة الفساد.

وفي سياق متصل، قال إنه استنادًا إلى هذه المحددات المرجعية، اعتمدت الهيئة في تقديمها لمنظورها بخصوص مراجعة قانون المسطرة الجنائية مقاربة تهدف إلى اختبار واستشراف قدرة الإجراءات المسطرية المعتمدة على تطويق جرائم الفساد واقتياد مرتكبيها نحو المحاكمة القضائية وترتيب العقاب المتناسب.

وأضاف أن هذه المقاربة تسعى لتحقيق التوازن بين الفعالية المطلوبة وضمانات المحاكمة العادلة، مع الحفاظ على حقوق المعنيين، وذلك وفق منهجية تقوم على التحليل الموسع والتقعيد الموضوعي للتوصيات المقدمة. وقد انطلقت الهيئة من المرجعيات المذكورة أعلاه لطرح المقتضى المقترح وفق صيغته القانونية المناسبة، بهدف تسهيل إدراجه في المسار التشريعي المعتمد من طرف الجهات المعنية.

وأفاد المتحدث أنه وفقًا لهذه المقاربة، استهدفت توصيات الهيئة بشكل عام إرساء المقومات التي تضمن النهوض بآليات التبليغ والكشف عن جرائم الفساد، مع تحصين الضمانات اللازمة، وتعزيز التعاون المؤسساتي وتكامل جهود البحث والتحري. كما أكدت على ضرورة إذكاء الدينامية في ملاحقة جرائم الفساد ومتابعتها، مع تحقيق التوازن بين ضمانات الأشخاص ونجاعة إجراءات البحث والتحري باستخدام التقنيات الحديثة. وأشار إلى أن الهيئة سعت أيضًا إلى تيسير بلوغ جرائم الفساد إلى القضاء، وضمان الشفافية والنجاعة القضائية في معالجة هذه الجرائم.

واختتم كلمته قائلاً إن الهيئة تتطلع، من خلال الرأي الذي قدمته بخصوص هذا المشروع في إطار إحالة ذاتية، إلى تكامل جهود كافة الجهات المعنية من أجل إرساء إطار قانوني يوفر المقومات الإجرائية الضامنة لاحترام حقوق الأفراد وصون الحريات، وتحصين براءة الأشخاص، وتثبيت توازن الأطراف من جهة، مع الحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام وحق المجتمع في معاقبة مرتكبي الجرائم من جهة ثانية. كما أكّد على أهمية توفير مستلزمات النجاعة والفعالية في إقرار العدل والإنصاف، وإعادة الحقوق إلى أصحابها وإلى نصابها الحقيقي، من جهة أخيرة.