تفاوت السعة التخزينية للمياه بين الأحواض المائية في المغرب يعد من أبرز التحديات في إدارة الموارد المائية، إذ تتمتع بعض الأحواض بقدرة تخزينية عالية، في حين تعاني مناطق أخرى من محدودية في هذه السعة.
هذا التفاوت يؤثر بشكل مباشر على قدرة السدود على تلبية احتياجات مختلف القطاعات وضمان استدامة توفير المياه في البلاد.
في هذا السياق، تواصل موقع "تيلكيل عربي" مع محمد بازة، الخبير الدولي في الموارد المائية، حيث أفاد بأن العوامل المؤثرة في الموارد المائية تتسم في معظمها بطبيعة طبيعية. ويأتي في مقدمتها المناخ، وخاصة معدلات التساقطات المطرية، التي تلعب دورًا حاسمًا في تحديد وفرة المياه. كما أن طبيعة التقلبات المطرية عبر الزمان والمكان تُعد عاملًا مهمًا، إذ قد تكون هذه التقلبات حادة في بعض المناطق، بينما تظل ضئيلة في مناطق أخرى.
وأضاف أنه إلى جانب ذلك، يشكل حجم الحوض المائي عاملًا أساسيًا، إذ توجد أحواض مائية شاسعة توفر كميات كبيرة من المياه، في حين أن بعض الأحواض الصغيرة قد لا تكفي حتى لسد صغير. كما أن التموقع الجغرافي للحوض يؤثر على كمية المياه المتجمعة فيه، إذ قد تقع بعض الأحواض في مناطق ذات معدلات مطرية مرتفعة، بينما تتلقى أخرى كميات أقل، ما ينعكس مباشرة على مخزونها المائي.
وأوضح بازة أن التضاريس تلعب دورًا مهمًا في تحديد توزيع التساقطات المطرية، حيث إنه في غالب الأحيان، عندما توجد جبال عالية، كما هو الحال في الأطلس الكبير، تكون الأمطار أكثر. كما أن هناك عاملًا آخر يتمثل في ضرورة وجود مواقع مناسبة لبناء السدود. عادةً لا تكون هناك مشكلة في إيجاد هذه المواقع، لكن في بعض الأحيان يصعب العثور على موقع مناسب عندما تكون الأرض مبسطة، مما يجعل بناء السد في تلك المنطقة أمرًا معقدًا. فيما يتعلق بالعوامل التي تؤثر في تفاوت السعة التخزينية للسدود.
وفي رده على سؤالنا حول كيفية مساهمة الربط المائي بين الأحواض المائية في تحقيق الأمن المائي في المملكة، قال إن الأحواض تختلف في كميات المياه المتوفرة بها؛ فبعض الأحواض تتمتع بقدرة استيعابية كبيرة، بينما توجد مناطق أخرى بها كميات ضئيلة بسبب عوامل متعددة. ومن هنا، يظل التضامن بين المناطق أمرًا بالغ الأهمية، خاصة عندما تكون هناك وفرة في بعض المناطق ونقص في مناطق أخرى. وأوضح أنه بالنسبة للمغرب، كان التضامن دائمًا من الأولويات في إدارة المياه، لكن يبقى السؤال حول ما إذا كان هذا التضامن مستدامًا أم أنه مجرد حل ظرفي، وهو ما يستدعي نقاشا.
واستطرد قائلاً إنه في بعض الأحيان، عندما تكون هناك وفرة في المياه في بعض المناطق، يتم نقلها إلى أماكن أخرى، مما يضمن استمرارية التوزيع. لكن إذا كانت المياه شحيحة للغاية، فإن الربط بين المناطق قد يؤدي إلى تعميم ندرة المياه بدلاً من معالجتها، ولذلك يجب دراسة الوضع بعناية. وأوضح أن الحدود، وخاصة بسبب التغيرات المناخية، تظل غالبًا حلولًا ظرفية أو مؤقتة، وليست مستدامة على المدى الطويل، ولسوء الحظ، يبقى ذلك أحد التحديات الكبرى.
وأفاد أنه بطبيعة الحال، طالما أن هناك وفرة في بعض المناطق ونقصًا في مناطق أخرى، يتم تحويل جزء من المياه المتوفرة في المكان الأول إلى المكان الثاني. لكن إذا أصبحت الندرة عامة في المنطقتين، يبقى المشكل مطروحًا. وأكد على ضرورة أخذ ديمومة النقل بعين الاعتبار، وكذلك إمكانية عدم استدامتها، وهو أمر في غاية الأهمية.
وفي ما يخص الدور الذي تلعبه السدود في دعم قطاعات الزراعة والصناعة وتوفير مياه الشرب في المغرب، أفاد أن المغرب، مثل معظم المناطق في العالم، خاصة تلك التي تشهد تساقطات مطرية قليلة مثل شمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، يعتمد بشكل كبير على السدود. فكلما كانت هناك تساقطات مطرية قليلة وموارد مائية ضعيفة، تظل السدود ذات أدوار حيوية وأساسية.
وأوضح أن السدود تقوم بعدة مهام، أبرزها تخزين الموارد المائية المتاحة، وخاصة في حال حدوث تقلبات مطرية كبيرة. فعملية تخزين المياه في السدود تتيح للمملكة تأمين موارد مائية مستدامة على المدى البعيد.
وأضاف أن تنظيم أو ضبط التقلبات المناخية، خاصة عندما تتقلب كمية الأمطار من سنة إلى أخرى، يعد من المهام الأساسية للسدود. فعملية تخزين المياه في السدود تساهم في تنظيم هذه التقلبات وتخفف من آثارها السلبية على الموارد المائية، مما يتيح وفرة المياه على مدار الوقت. ومع ذلك، أشار إلى أنه يجب أخذ ذلك بعين الاعتبار، خاصة في سنوات الجفاف، حيث يجب أن نكون حذرين في التعامل مع مستويات المياه في السدود عندما يتم ملؤها في سنة معينة.
واختتم حديثه قائلاً إنه يوجد فهم خاطئ لدى البعض، حيث يعتقدون أنه بمجرد إنجاز السدود ستتوفر المياه بشكل دائم. وأوضح أنه يجب أن يكون واضحًا أن السدود لا تولد المياه، بل هي فقط تقوم بتخزين الموارد المائية المتاحة إذا كانت موجودة.
وأبرز أنه في المغرب، عندما ينقص الماء، تتم زيادة عدد السدود، ولكن يأتي وقت، حتى مع إضافة المزيد من السدود، لن تتم زيادة كميات المياه المتاحة. لذلك، يجب أن نعلم أن السدود لا تخلق المياه، ولا تولدها ولا تنشئها.