دخل المصطفى الرميد، الوزير السابق في العدل والحريات، والقيادي السابق بحزب العدالة والتنمية، والمحامي بهيئة الدار البيضاء، على خط أزمة المحامين، جراء التدابير الجديدة التي حملها مشروع قانون مالية سنة 2023، داعيا إياهم إلى العودة إلى المحاكم.
وقال الرميد في كلمة بمناسبة انعقاد الجمعية العامة لهيئة المحامين بالبيضاء، بتاريخ 21 نونبر 2022، إن "الحكومة أخطأت، وهي تلقي بحزمة ثقيلة من الإجراءات الضريبية جملة واحدة، وكأن التشريع الضريبي يبدأ بسنة 2023 وينتهي بها"، معتبرا أنه "كان حريّا بها، أن تتدرج فيما ترى ترتيبه على الفئات، خاصة فئة المهنيين، ومنهم المحامون".
وتابع أن "السياسة حكمة وبيداغوجيا، وحسن تدبير، وهو ما كان يفرض على الحكومة تفادى إثقال كاهل المهنيين، ومعهم زبناءهم، جملة واحدة، بالرفع من الضريبة على القيمة المضافة، والخصم من المنبع، ثم تضيف إلى ذلك أداء تسبيق ضريبي بالنسبة للمحامين، وبعد أقل من شهر، تفرض المرسوم رقم 2.22.858 بتطبيق القانون رقم 15.98 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، والقانون رقم 15.99 بإحداث نظام للمعاشات الخاص بفئة المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا فيما يتعلق بالأشخاص الذاتيين الذين يمسكون محاسبة، وذلك دون أي تشاركيّة أو تشاوُر في وضع هذا التشريع، كما جرت على ذلك العادة مع باقي المهنيين".
ولفت الوزير السابق إلى أن "المحامين يتحمّلون جزء من المسؤولية في تفرّد الحكومة بالتشريع في هذا الصدد؛ لأنهم لم يستوعبوا حجم التحولات الجارية حولهم، وأرادوا أن يفرضوا على الدولة خيارهم، غير عابئين بدعوتنا، مرات عديدة، للمؤسسات المهنية، بوجوب التواصل مع الحكومة، للبحث عن حلول وسطى، وعدم التعصب للتعاضدية، باعتبارها الخيار المهني الأوحد، وها هي الحكومة، بدورها، تفرض خيارها الأوحد، دون تواصل مع المؤسسات المهنية، ووسط هذا التوتر السائد، والتجاهل المتبادل، ضاعت وتضيع حقوق المحاميات والمحامين".
وأكد الرميد أنه "كان حريّا بالحكومة، لو تمتّعت بقليل من الحكمة، أن تجعل من هذه السنة، سنة تسجيل جميع المهنيين في الجدول الضريبي، إما بتكثيف المراقبة، وترتيب الجزاءات على أي إخلال بذلك، كما يقضي بذلك القانون، أو وضع قانون يمنع تسلم الإدارة لأي وثيقة صادرة عن مهني، دون نصها على رقم التسجيل بجدول الضريبة، وكان ينبغي أن تجد الحكومة كل الدعم في ذلك من قبل الهيئات المهنية، باعتبار أن التمتع بالحق يقابله أداء الواجب، مع العلم أن بعض المهن تفرض على منتسبيها قبل التسجيل بلوائحها، الإدلاء بتعريف ضريبي، كما هو الحال بالنسبة للخبراء المحاسبين، على سبيل المثال".
وأضاف وزير العدل والحريات السابق: "وقد تضيف في هذه السنة، وضع المرسوم رقم 2.22.858 الخاص بنظام المعاشات المشار إليه آنفا، بعد التشاور والتوافق الضروري مع الهيئات المهنية للمحامين، باعتباره مشروعا وطنيا لا مفر منه"، مشيرا إلى أنه "بالرغم من إحالة مشروع قانون المالية، في 20 أكتوبر، فإن هيآت المحامين لم تصدر أي وثيقة توضيحية وترافعية بشأن ما يرفضه المحامون، وما يقترحونه من تعديل في الوثيقة التشريعية المقترحة، ما عدا وثيقة واحدة صدرت عن نقيب هيئة البيضاء، بعد أكثر من عشرين يوما من إحالة مشروع القانون على البرلمان، وبعد مصادقة مجلس النواب على تعديلات جوهرية على المشروع، غير أن الوثيقة المذكورة أجابت عن المشروع كما أحالته الحكومة، دون التعديلات المنجزة؛ مما جعلها وثيقة متجاوزة، وبالتالي، ليس لهيآت المحامين وثيقة تبين موقفهم وتنتصر له، وهو وضع غير مقبول من فئة نذرت نفسها لتدافع عن الكافة بالحجة والبرهان، وليس لها اليوم ولا لهيآتها حجة ولا برهان واضح ومضبوط".
واستدرك: "نعم، هناك وثائق صدرت عن محامين، لكن أغلبها ضعيف، أو به معطيات غير صحيحة أو غير محيّنة، مع الاحترام الواجب لكل جهد مبذول"، معتبرا أن "الحكومة قامت ببذل جهد ملحوظ في التجاوب مع مطالب المحامين، وإن بقي هذا التجاوب محدودا، وهو ما تدلّ عليه التعديلات التي أجريت على يد مجلس النواب، أو تلك المنتظر إجراؤها أمام مجلس المستشارين. وهكذا، فإن الاقتطاع من المنبع سيصبح بالنسبة لجميع المهنيين، ومنهم المحامون 10 في المائة، ولشركاتهم المهنية 5 في المائة. كما أن الأداء المسبق سيصبح كما هو معلوم، محصورا في أداء مائة درهم، مع استثناء المقالات المختلفة، والدعاوي المعفاة من الرسوم القضائية وغيرها، والأهم من ذلك كله، الإعفاء من الأداء المسبق الذي أصبح اختياريا، وبالتالي، أصبح هذا الإجراء أقرب إلى الصورية منه إلى شيء آخر".
وتساءل الرميد: "فهل يصح أن يستمر المحامون في المقاطعة التي كانوا يمارسونها قبل الإعلان عن هذه التنازلات، وكأنه لم يقع شيء؟ إنه كما قامت الحكومة ببعض التنازلات، وإن كانت محدودة، فقد وجب على المحامين أن يتنازلوا عن المستويات الاحتجاجية القصوى، والتي تجسدها المقاطعة، مع إمكان الاستمرار في باقي أنواع الاحتجاجات المشروعة قانونا، والتي منها الوقفات المؤقتة، سواء بالمحاكم أو خارجها".
ودافع الوزير السابق عن السلطات المعنية، بقوله إنها "تعاملت مع احتجاجات المحامين، خاصة منها المقاطعة، بنوع من التفهم والتجاوز؛ حيث أحجمت النيابات العامة عن الطعن في قرارات المقاطعة، باعتبارها باطلة، قانونا، بسبب التواطؤ على عدم مساعدة القضاء، كما أن الملفات التي تعالج غالبا بالتأخير، كل ذلك لن يدوم؛ حيث من المنتظر أن يقوم القضاة بالتعامل المسطري الصارم، والذي سيسفر عن الحكم في القضايا، وسيلحق الضرر الجسيم، لا محالة، بزبناء المحامين، وبالتبعية، بالمحامين، وخاصة حينما يتعلق الأمر بالقضايا التي سيتم الحكم بشأنها، استئنافيا. وهو ما سيؤدي إلى مشاكل لا حصر لها بين المحامين وزبنائهم".
وشدّد على أن "استمرار المقاطعة إن كان له من تأثير، فتأثيره على المحامين وزبنائهم سيكون أكبر وأصعب من أي تأثير آخر، وعلى أي جهة أخرى. والغريب أن يتصور البعض أن مقاطعة الصندوق له تأثير على مالية الدولة، مع أن عدم الأداء اليوم أو غدا، سيعقبه الأداء بعد غد، وبالتالي، لا تأثير لهذه المقاطعة إطلاقا، ولو صحّ أن هناك ثمة أثرا مهما، فإن الدولة بإمكانها حماية صناديق المحاكم، وبالتالي، الحفاظ على مداخيلها. أما مقاطعة الجلسات، فإن إدراج الملفات الجاهزة للمداولة في غياب المحامين، إن كان سيلحق الضرر بالعدالة، فإنه سيلحق بالغ الضرر بالمحامين وزبنائهم".
كما تساءل: "هل بالإمكان ليّ دراع الدولة وإخضاعها لإرادة المحامين؟ وإلى متى ستستمر المقاطعة؟ والجواب البديهي هو أنه بعد أن تبدأ المحاكم في إدراج الملفات للمداولة، سيجد الكثير من المحامين الحرج الشديد في الاستمرار في المقاطعة، وبالتالي، سيسود الخلاف صفوفهم، وستكثر النزاعات بينهم، وتفشل المقاطعة لا محالة، وستسفر عن وضع جديد بالنسبة لمهنة المحامين، وضع الفشل وذهاب الريح".
وختم الرميد كلمته باقتراح حلّ "التواصل مع الفرق البرلمانية، خاصة منها المعارضة، للطعن بعدم الدستورية في المقتضيات التي يمكن الطعن فيها، مع الاستمرار في كل الاحتجاجات المشروعة، والتواصل مع المؤسسات والهيئات لإقناعها بإنجاز كل التعديلات والتصحيحات الضرورية، باعتبار أن القانون المالي هو قانون سنويّ، وقابل للمراجعة المُمكنة".