حسمت الحكومة تصورها حول التوجه الذي ستتبناه في دعم السكن الاجتماعي بعد 2020، حيث ستعتمد مقاربة جديدة، قائمة على تقديم دعم مباشر للراغبين في شراء ذلك الصنف من السكن.
ويؤكد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، أن دعما مباشرا سيمنح للمقتنين للسكن الاجتماعي، دون المنعشين العقاريين الذي ستتم مراجعة استفادتهم من التحفيزات الجبائية.
وذهب بنشعبون، في لقاء مع الصحافة يوم الثلاثاء بالدار البيضاء، إلى أن القطاع الذي يعرف تراجع المبيعات، بسبب عدم وجود الطلب على السكن الاجتماعي، سيستفيد عندما يجري توفير دعم مباشر للمقتنين، على اعتبار أن الطلب سيرتفع، ما سينعكس إيجابا على نشاط المنعشين العقاريين.
ويشير بنشعبون إلى أن الدعم المباشر سيشيع إحساسا لدى المشترين المحتملين بأن الدولة تساعدهم مباشرة ضمن سياسة الدعم الاجتماعي، بينما سيتوفر المنعشون العقاريون على سوق، وعندما يربحون يجب عليهم أداء ضرائب للدولة.
تحفيزات إلى غاية 2020
وحددت الدولة، ضمن التدابير التي اتخذت إلى غاية 2020، سعر السكن الاجتماعي المتراوحة مساحته بين 50 و80 متر مربع، في 250 ألف درهم، دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
ويستفيد المقتني من دعم من قبل الدولة، محدد في قيمة الضريبة على القيمة المضافة، التي تصل إلى 40 ألف درهم، شريطة التزام المقتني باتخاذ العقار المقتنى سكنا رئيسيا لمدة أربعة أعوام.
ويتيح القانون للمنعشين العقاريين، الذين يلتزمون بإنجاز 500 وحدة سكنية بقيمة 250 ألف درهم، على مدى خمسة أعوام، الاستفادة من إعفاءات جبائية، تهم الضريبة على الشركات والضريبة الدخل وحقوق التسجيل والتنبر والرسم المهني والرسم على الأراضي والرسم على عمليات البناء.
ويتصور وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن النفقات الجبائية، التي تتخذ شكل تحفيزات وإعفاءات لفائدة المنعشين العقاريين لم تعد لها راهنيتها، علما أن العقار تراجع إلى المرتبة الثالثة ضمن القطاعات التي تستفيد من تلك النفقات حسب تقرير النفقات الجبائية الصادر بمناسبة عرض مشروع قانون مالية العام المقبل، حيث جاء بعد الأمن والاحتياط الاجتماعي وإنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز.
ويتجلى من بيانات تقريري العام الماضي والعام الحالي حول النفقات الجبائية، أن التدابير الاستثنائية من أجل تشجيع امتلاك السكن، تراجعت من 5,25 مليار درهم إلى 4,25 مليار درهم.
نقاش حول التحفيزات
وكان قطاع العقار من بين القطاعات التي أثيرت تساؤلات حول التحفيزات الجبائية التي يستفيد منها خلال المناظرة الوطنية للجباية، حيث توزعت الآراء بين قائل بتوجيه دعم مباشر للقطاع، وبين مدافع عن تخصيص دعم للقطاعات الإنتاجية التي توفر فرص عمل.
وقد أكد محمد برادة، رئيس اللجنة العلمية التي أشرفت على تنظيم المناظرة، على أن التحفيزات التي منحت للعقار ساهمت في هجرة المستثمرين للصناعة، مؤكدا على أن تلك التحفيزات يجب أن توجه للقطاعات الإنتاجية.
وكان يوسف بمنصور، الرئيس السابق للفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، اعتبر في تصريح سابق، أنه لا يمكن المساس بالدعم الذي توفره الدولة للأسر من أجل اقتناء السكن، عبر تحمل الضريبة على القيمة المضافة، على اعتبار أن الدولة تتحمل حوالي 40 ألف درهم، معتبرا أنه يمكن توجيه الدعم الذي يستفيد منه المنعشون العقاريون لتحقيق هدف دعم الطبقات الوسطى من أجل اقتناء السكن، ودعم الفئات الفقيرة الراغبة في اقتناء السكن المنخفض التكلفة.
ويرى الاقتصادي إدريس الفينا، في تصريح لـ" تيلكيل عربي"، أن تقديم دعم مباشر للمشترين، مازال في مرحلة الإعلان، حيث يجب انتظار صيغته، قبل تقييم آثاره كما في الصيغة الحالية التي سينتهي العمل بها في العام المقبل، كما أنه يجب انتظار ما إذا كان ما ستقترحه الحكومة سيغري المنعشين العقاريين.
مخزون.. واختلالات
ويعتبر الفينا أن النظام الحالي، بغض النظر عن التحفيزات الجبائية التي منحت للمنعشين العقاريين، ساهم في امتصاص العجز على مستوى السكن، كما أفضى إلى توفير منتوج ساعد على محاصرة توسع دور الصفيح.
ويؤكد المنعشون العقاريون أنهم ساهموا في خفض العجز الذي كان مسجلا على مستوى السكن بنسبة 70 في المائة، كي ينتقل من 1,2 مليون وحدة إلى 400 ألف وحدة حاليا، مؤكدين على أن السكن الاجتماعي يمثل 80 في المائة من مجمل إنتاج السكن في المملكة.
ويرى الفينا، أن القطاع يوجد في وضعية ركود،مؤكدا على أن هناك فائضا في الإنتاج، ما يشكل رصيدا لدى المنعشين لم يتم تصريفه، بسبب عدم وجود طلب.
ويعزو المنعشون العقاريون توفر مخزون من المساكن غير المباعة ضمن برامج السكن الاجتماعي، إلى عدم ملاءمة العرض للطلب، بسبب عدم إنجاز دراسات مسبقة حول الانتظارات، وبفعل منح رخص استثنائية بطريقة غير عقلانية ومدروسة.
ويشير التقرير الاقتصادي والمالي المرفق بمشروع القانون المالية للعام المقبل، إلى أنه تم إنتاج 392878 وحدة في إطار السكن الاجتماعي بين 2011 و2018، أي ضعف الإنتاج في الفترة بين 2003 و2010.
ويؤكد التقرير على ما يعتبرها اختلالات شابت تنفيذ برامج السكن الاجتماعي، والتي تتمثل في الاستهداف غير الفعال للمستفيدين، والعوائق التي تعترض القضاء على السكن غير اللائق بسبب الممارسات الاحتيالية للمستفيدين، والاختلالات التي شابت استخدام العقار العمومي والذي تم تخصيص نسبة كبيرة منه في مجالات أخرى غير تلك المتفق عليها.
وعقد قبل أيام اجتماع بين وزيرة الإسكان والتعمير والسياسة المدينة، نزهة بوشارب، وممثلي الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، التي صرح رئيسها، كامل توفيق، بأن المستثمرين قدموا مقترحات حول مآل السكن الاجتماعي بعد 2020، وتمويل المستفيدين.
ويتساءل مصدر من المنعشين العقاريين، في ظل التوجه نحو الكف عن توفير العقار العمومي للمنعشين العقاريين في ضواحي المدن، وإذا ما جرى التخلي عن التحفيزات الجبائية للمستثمرين في السكن الاجتماعي، فهل سيبقى القطاع جاذبا لهم؟ وهل ستكون التدابير المواكبة للقطاع، إذا ما بلورت من أجله كفيلة بإعطائهم سببا للعودة للاستثمار بقوة في القطاع، خاصة في ظل توسع المدن وتوقع وزارة الإسكان ارتفاع الطلب على السكن الاجتماعي وسكن الطبقة المتوسطة؟