أفاد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، خلال تقديم مشروع القانون التنظيمي 97.15، المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، يوم أمس الثلاثاء، بأنه "منذ إيداع مشروع القانون لدى البرلمان، بتاريخ 6 أكتوبر 2016، لم تستطع الحكومة برمجة مناقشته، لدواعي متعددة؛ منها، على الخصوص، غياب دينامية الحوار الاجتماعي، وعدم إشراك الشركاء الاجتماعيين خلال مرحلة إعداده قبل إيداعه بالبرلمان".
وفي عرضه، ذكر السكوري بمحطات الحوار الاجتماعي، التي ميزت نصف ولاية هذه الحكومة، وتوجت بالتوقيع على ميثاق وطني لمأسسة الحوار الاجتماعي، لضمان انتظاميته، واتفاقين اجتماعيين تاريخيين أكدا ضمن الالتزامات الواردة فيهما على إخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب إلى حيز الوجود، حيث نص الاتفاق الاجتماعي لـ29 أبريل 2024، الذي جاء لتنفيذ الالتزامات المتبقية من الاتفاق الاجتماعي لـ30 أبريل 2022، على برمجة مناقشة مشروع هذا القانون والمصادقة عليه، خلال الدورة البرلمانية الربيعية لسنة 2024، والتوافق حول المبادئ الأساسية المؤطرة لممارسة حق الإضراب، لاسيما "ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور ومع التشريعات الدولية المتعلقة بممارسة حق الإضراب"، و"تأطير ممارسة حق الإضراب، سواء في القطاع العام أو الخاص، بما يضمن التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل"، وتدقيق مختلف المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب"، بالإضافة إلى "ضبط المرافق التي تستوجب، بالنظر لطبيعتها وخصوصيتها الحيوية، توفير حد أدنى من الخدمة، خلال مدة سريان الإضراب"، و"تعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضة في حل نزاعات الشغل الجماعية".
ومن هذا المنطلق، وبنفس الرغبة والإرادة، يضيف الوزير، "استطاعت هذه الحكومة أن تفي بالتزاماتها القاضية بإجراء مشاورات مع الشركاء الاجتماعيين بشأن مشروع هذا القانون، حيث تم عقد سلسلة من اللقاءات التشاورية تعدت 20 شهرا من النقاش البناء داخل مؤسسة الحوار الاجتماعي، همت 50 لقاء، منها 30 لقاء مع الشركاء الاجتماعيين، و20 لقاء مع القطاعات الحكومية المعنية"، مبرزا أن "هذه المشاورات مكنت من الوقوف على مجموعة من الملاحظات والاقتراحات الناتجة عن الممارسات العملية للإضراب".
وأكد السكوري أن "هذه المشاورات لا زالت مستمرة مع الشركاء الاجتماعيين من أجل السعي إلى التوافق، بعدما بلغنا مراحل متقدمة ساهمت، بشكل إيجابي، في تقريب وجهات النظر بشأن مشروع هذا القانون".
وكشف المسؤول الحكومي عن الخلاصات الأولية الناتجة عن مختلف اللقاءات السالفة الذكر مع الشركاء الاجتماعيين، والتي تشمل، أساسا، "ضرورة تخصيص مادة في بداية المشروع القانون التنظيمي تؤطر وتذكر بالمرجعية الدستورية والحقوقية، وفي احترام للتشريعات الدولية، وتثمن الرصيد النضالي للحركة النقابية"، و"تبني مقاربة حقوقية، والانتقال من قانون يغلب عليه طابع المنع إلى قانون ذي صبغة إيجابية"، بالإضافة إلى "ضرورة وضع تعريف شامل للإضراب يتوافق مع أحكام الدستور، ويتلاءم مع المعايير الدولية، ويتماشى مع منظومة الحقوق والحريات، في إطار مقاربة حقوقية، لكي تكون في مستوى الرهان التاريخي، حيث يعتبر الشركاء الاجتماعيون من غير المقبول صدور قانون يكبل الحرية والحق في ممارسة الإضراب، أو يمنع بعض أنواعه"، فضلا عن "إعادة النظر في تحديد الجهة الداعية للإضراب بشكل يضمن للجميع ممارسة حق الإضراب، ولاسيما عندما يتخذ قرار الإضراب من طرف الجمع العام، الذي ينعقد وفق شروط تعجيزية تستحيل معها ممارسة هذا الحق، حسب الشركاء الاجتماعيين. كما يجب تحديد دقيق لمستويات ممارسة حق الإضراب والتمييز بين الإضراب الوطني والإضراب القطاعي والإضراب في القطاع العام والقطاع الخاص والإضراب على مستوى المرفق العمومي وعلى مستوى المقاولة أو المؤسسة".
كما تشمل الخلاصات، أيضا، "إعادة النظر في الأسباب الداعية للإضراب، خاصة وأن مشروع القانون التنظيمي المودع لدى البرلمان اقتصر فقط على الملف المطلبي، في حين أن الممارسة العملية أبانت عن وجود أسباب أخرى للإضراب، كالقضايا الخلافية الناتجة عن خلاف حول تأويل مقتضيات تشريع الشغل، إضافة إلى الامتناع المتكرر عن أداء الأجور، أو وجود خطر حال يهدد صحة وسلامة الأجراء"، بالإضافة إلى "مراجعة الآجال بشكل يتناسب مع السبب الداعي للإضراب، ومستوى تنفيذه، ويتعين أن تكون هذه الآجال آلية لضبط موازين القوى في العلاقات الشغلية، والتمييز بين الحالات حسب طابعها الاستعجالي والفوري"، و"مراعاة التوازن في حماية المضربين من العقوبات التأديبية، وضمان حرية العمل أثناء ممارسة حق الإضراب"، فضلا عن "ضرورة التنصيص على كيفية تحديد الحد الأدنى من الخدمة في المرافق الحيوية"، و"إقرار عقوبات تضمن احترام تطبيق أحكام هذا القانون، وتطبق بشكل متوازن على الأطراف، وذلك حتى لا يفرغ قانون الإضراب من محتواه، ويقتصر في العقوبات على الشغيلة دون المشغل".
وأضاف السكوري أن "مناقشة مشروع هذا القانون ستشكل فرصة سانحة للبرلمانيين للتفاعل مع آراء واقتراحات مختلف الفعاليات الوطنية والقوى الحية التي ستساهم، لا محالة، في إغناء النقاش حوله، للوصول لصيغة متوافق عليها تروم تعزيز وتوسيع مجال الحريات النقابية، استنادا إلى الدستور، وانسجاما مع المواثيق والمبادئ الدولية ذات الصلة، وتثمين الرصيد التاريخي للممارسة الوطنية في هذا المجال".
وسجل الوزير أن "من شأن القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب أن يضفي على بلادنا طابع التفرد في تقنين ممارسة هذا الحق، بشكل يساهم في تعزيز مسارها الحقوقي، وتحسين مؤشرات المناخ الاجتماعي ومناخ الأعمال، وتقوية جاذبية الاقتصاد الوطني في مجال الاستثمار وخلق الثروة المنتجة لمناصب الشغل اللائق".
وأشار السكوري إلى أن مشروع القانون المودع لدى البرلمان يتكون من 6 أبواب و49 مادة.
ويخص الباب الأول الأحكام العامة، ويتضمن ست مواد (من 1 إلى 6) تناولت، على الخصوص، "تعريفا عاما للإضراب"، و"تحديد مدلول بعض المصطلحات، مثل الأجير، والمشغل، والجهة الداعية إلى الإضراب (مستويات الإضراب واعتماد مبدأ التراتبية في القطاع الخاص والمرفق العمومي)، والمرافق الحيوية، والحد الأدنى من الخدمة"، فضلا عن "تحديد الأشخاص المعنية بممارسة حق الإضراب".
أما الباب الثاني، فيخص شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص، ويتضمن ثلاثة وعشرون مادة (من 7 إلى 29) تناولت، على الخصوص، "إجراء المفاوضات ومحاولات التصالح بشأن الملف المطلبي، وتحديد مدتها قبل ممارسة حق الإضراب"، و"منع عرقلة ممارسة حق الإضراب من قبل المشغلين ومنظماتهم المهنية والمنظمات النقابية للأجراء"، و"منع إحلال أجراء محل الأجراء المضربين خلال مدة سريان الإضراب، مع مراعاة بعض الاستثناءات"، و"منع اتخاذ أي إجراء تمييزي في حق الأجراء بسبب ممارسة حق الإضراب"، بالإضافة إلى "منع الإضراب بالتناوب وعرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب"، و"تحديد شروط وكيفية اتخاذ قرار الإضراب من طرف الجمع العام"، و"تحديد البيانات التي يجب أن يتضمنها قرار الإضراب"، و"إقرار مهلة للإخطار وشروط تبليغ قرار الإضراب والجهات المعنية بذلك"، فضلا عن "تحديد مهام الجهة الداعية للإضراب"، و"تدبير سريان الإضراب"، و"منع مناولة أو نقل أو ترحيل آليات وأجهزة المقاولة أو المؤسسة، كلا أو بعضا، خلال مدة الإضراب"، و"منع الإغلاق الجزئي أو الكلي للمقاولة أو المؤسسة، بسبب ممارسة حق الإضراب"، و"منع احتلال أماكن العمل خلال مدة سريان الإضراب".
وفيما يخص الباب الثالث، فيهُمّ شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع العام، ويتضمن أربع مواد (من 30 إلى 33) تناولت، على الخصوص، "تحديد مدلول القطاع العام"، و"إقرار مهلة للإخطار وشروط تبليغ قرار الإضراب والجهات المعنية بذلك"، و"تحديد الفئات التي لا يمكنها ممارسة حق الإضراب".
بينما يخص الباب الرابع أحكام خاصة بالإضراب في المرافق الحيوية، ويتضمن مادة فريدة (المادة 34) تناولت، على الخصوص، "تحديد لائحة المرافق الحيوية"، و"كيفية تحديد الحد الأدنى من الخدمة الواجب تأمينها بالمرافق الحيوية"، و"إمكانية تمديد لائحة المرافق الحيوية بقانون بعد استشارة المنظمات المهنية والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا".
ويتعلق الباب الخامس بالعقوبات، والتي تتضمن اثنا عشرة مادة (من 35 إلى 46) تشمل عدة أفعال؛ من بينها "عرقلة ممارسة حق الإضراب وعرقلة حرية العمل"، و"إحلال أجراء محل الأجراء المضربين"، و"اتخاذ إجراء تمييزي ضد الأجراء بسبب ممارستهم حق الإضراب"، و"رفض الأجير القيام بالخدمات الأساسية، وتوفير الحد الأدنى من الخدمة التي كلف بها"، فضلا عن "مخالفة الأمر القضائي القاضي باتخاذ جميع التدابير اللازمة للحيلولة دون عرقلة حرية العمل؛ بما في ذلك وقف الإضراب، وإقرار عقوبة حبسية وغرامة"، و"تحديد شروط توفر حالات العود"، و"تحديد الجهة الساهرة على ضبط المخالفات وتحديد مدة إحالة محاضر على النيابة العامة".
أما الباب السادس، فيخص أحكام مختلفة وختامية تتضمن ثلاث مواد (من 47 الى 49) تناولت، على الخصوص، "حفظ النظام العام وحماية الأشخاص والأموال والممتلكات"، و"تكييف طبيعة الآجال المنصوص عليها في مشروع القانون التنظيمي"، و"تاريخ دخول مشروع القانون التنظيمي حيز التنفيذ، بعد المصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية، مع نسخ كل الأحكام المخالفة".
وأكد المسؤول الحكومي، في نفس الكلمة، أن "بلورة مشروع القانون التنظيمي للإضراب تقتضي إجراء استشارات واسعة، والتحلي بروح التوافق البناء، والابتعاد عن المزايدات السياسية، بما يضمن حقوق الفئة العاملة، ومصالح أرباب العمل، ومصلحة الوطن".
يشار إلى أنه تم التنصيص على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، في أول دستور للمملكة، في سنة 1962، وكرسته جميع الدساتير اللاحقة، بما فيها دستور 2011، دون أن يتم إخراجه للوجود.
ومر مشروع القانون، قبل إيداعه، بتاريخ 6 أكتوبر 2016، لدى مجلس النواب، طبقا للفصل 86 من الدستور، بمرحلة تسليم مسودته إلى الأمانة العامة للحكومة، خلال سنة 2015، والتي أعدت صيغة جديدة لمشروع القانون، ثم تم تدارسه من طرف مجلس الحكومة، بتاريخ 28 يوليوز 2016، ومجلس الوزراء، بتاريخ 26 شتنبر 2016.