تحركت السلع المقلدة أسرع من القانون، وشكلت اقتصادا خفيا يتسلل عبر الموانئ والمناطق الحرة، من دون أن تُرفع في وجهه راية قانون أو رقابة.
تقرير دولي جديد صادر في ماي الجاري، عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية (EUIPO)، يضع المغرب ضمن خريطة هذه الشبكات، ليس فقط كدولة عبور، بل كحلقة حساسة في شبكة السلع المقلدة، ما يطرح تساؤلات جوهرية: ما حجم الخطر؟ وأين تتقاطع التجارة، بالجريمة المنظمة، بالصحة العامة؟
اقتصاد بلا أصل
وكشف التقرير، الذي اطلع عليه "تيلكيل عربي"، أن التجارة في السلع المقلدة باتت تمثل 2.3 في المائة من إجمالي التجارة العالمية المسجلة عام 2021، بقيمة بلغت 467 مليار دولار أمريكي.
وتؤكد هذه الأرقام أن الأمر لم يعد يتعلق ببضائع مزورة على هامش السوق، بل بشبكة عالمية منظمة تتورط فيها دول المنشأ، والمستهلك، وأيضا دول العبور.
وشدد التقرير على أن هذه التجارة لا تقتصر على التقليد التجاري فحسب، بل تتضمن انتهاكات خطيرة لحقوق الملكية الفكرية، وتُشكل تهديدا مباشرا على سلامة المستهلكين، خصوصا حين يتعلق الأمر بالأدوية، ومستحضرات التجميل، وقطع غيار السيارات.
الممر غير المرئي
وأشار التقرير إلى المغرب كإحدى الدول التي تُستخدم كنقطة عبور للسلع المقلدة، خاصة تلك القادمة من الصين والمتجهة إلى أوروبا أو إفريقيا. ومن أبرز ما رصده أن بعض أنواع مستحضرات التجميل المزيفة كانت تمرّ عبر الأراضي المغربية قبل أن تصل إلى أسواق استهلاكية أخرى؛ ما يشير إلى استخدام المغرب كممر لوجستي، سواء بشكل مباشر، أو عبر عمليات تغليف وشحن وسيطة.
وسجل المصدر نفسه أن غياب بيانات دقيقة حول الكميات أو قيمة السلع المقلدة العابرة يجعل من الصعب تقدير حجم النشاط، لكنه يؤشر إلى ثغرات قائمة في منظومة الرقابة الجمركية والتتبع اللوجستي.
تهديد يتسلل
وتابع أن السلع المقلدة لا تمر فقط، بل تخلّف أثرا. وحتى وإن لم يكن المغرب السوق النهائية للعديد من المنتجات المزورة، فإن مجرد عبورها يفتح الباب أمام تسربها إلى السوق المحلية، إما عبر التهريب، أو من خلال تجار التجزئة غير النظاميين.
وأضاف أن مستحضرات التجميل، والهواتف، وملحقات السيارات، والمنتجات الصيدلانية منخفضة الجودة، كلها تترك آثارا سامة على المستهلك المغربي، سواء من حيث الجودة، أو الصحة؛ ما يستدعي مراجعة جادة لمنظومة الرقابة الداخلية.
اقتصاد الظل يتمدد
وأبرز التقرير أن التجارة في السلع المقلدة تعد أحد أشكال الاقتصاد غير الرسمي الذي يهدد بنية الاقتصاد الوطني، موضحا أن الخسائر في الضرائب، والمنافسة غير العادلة للمصنّعين المحليين، وتآكل ثقة المستثمرين، هي أبرز ما تسببه هذه التجارة غير الشرعية.
وفي حالة المغرب، يزداد الخطر بالنظر إلى محاولاته المستمرة لجذب استثمارات أجنبية في قطاعات الصناعة والتكنولوجيا، وهو ما قد يتأثر سلبا إذا استمرت صورته كـ"معبر غير آمن" تتردد في التقارير الدولية.
العبور بلا حراسة
ورغم الجهود المبذولة على مستوى الإدارة الجمركية، إلا أن التقرير لمّح إلى أن مناطق العبور الكبرى؛ كالموانئ والمناطق الحرة، ما تزال تُشكل بيئة رخوة لاختراق الشبكات المنظمة، مشيرا إلى أن ضعف التنسيق بين الأجهزة، وعدم توفّر أنظمة تتبع رقمية متكاملة، بالإضافة إلى نقص الكفاءات المتخصصة في رصد المنتجات المقلدة، كلها عوامل تساهم في إدامة المشكلة، وتمنح المهربين أفضلية ميدانية.
تحذيرات لا تُنفذ
ودعا التقرير الدول المعنية، ومنها المغرب، إلى تبنّي سياسات أكثر حزما، سواء على مستوى تحديث أنظمة الجمارك، أو وضع تشريعات صارمة تخص التجارة الإلكترونية التي باتت إحدى قنوات التهريب النشطة.
كما شدد على ضرورة التعاون مع الجهات الدولية في تبادل البيانات وتطوير القدرات التحليلية. ورغم أن المغرب يُعد من الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، إلا أن التطبيق العملي ما يزال دون الطموح، خاصة في ظل ضعف التوعية المجتمعية حول خطورة استهلاك السلع المقلدة.
المغرب بين العبور والمصير
ولم يدن التقرير المغرب، لكنه سلط الضوء على ثغرة استراتيجية، على بوابة جغرافية حساسة، تحتاج إلى يقظة أكبر، مسجلا أنه مع استمرار صعود التجارة المقلدة كقطاع غير رسمي عابر للقارات، سيكون على المملكة أن تحدد موقعها من هذه المعادلة: "إما أن تتحول إلى جدار صد لهذه الشبكات، أو تظل بوابة خلفية لمرورها".