كانت السياحة الصدر الرحب الذي تلقى الضربة القاسمة مقارنة بجميع القطاعات الاقتصادية الأخرى، ونجح تسلل فيروس غير مرئي في شلها. فقد حطت الطائرات بعدما أغلقت الأجواء فهجرت الفنادق وأفرغت المسابح، فجف أحد منابع تدفق العملة الصعبة للبلاد، عطل ما يزيد عن نصف مليون منصب شغل مباشر.
تساهم السياحة بنسبة تقارب 7 في المائة من الناتج الإجمالي للمغرب، ولا يقتصر الشلل على فترة الحجر الصحي، بل يتوقع المهنيون أن يستمر الضرر لثلاث سنوات، فبين الضبابية التي أنزلها فيروس "كورونا" على مستقبل إقلاع كل القطاعات الاقتصادية، يعود السائح المغربي لدائرة الضوء بقوة، ليكون طوق النجاة، وسندا لسياحة تعاني في زمن الجائحة؟ خاصة وأن السياحة الداخلية تحقق رقما معاملات سنويا يفوق بقليل 41 مليار درهم.
رصد قبل الإقلاع وعيون على السائح الوطني
كشفت وزيرة السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي نادية فتاح العلوي عن إطلاق عملية رصد وتقييم لجمع البيانات ورفع التقارير إلى لجنة اليقظة الاقتصادية، وأضافت أمام لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب يوم الاثنين 4 ماي، أن لجنة اليقظة الاقتصادية مدركة لضرورة البدء في الاشتغال على خطط إعادة إحياء النشاط السياحي والنقل الجوي، وحسب الوزيرة فإن هناك رهانا كبيرا على السياحة الداخلية، وإطلاق حملات رقمية للصيف، في حال رفعت حالة الطوارئ الصحية.
بالنسبة لعرض الوزيرة، فإن خطة الحكومة لإقلاع سياحي جديد تعتمد على ثلاثة محاور؛ أولها تقديم الدعم لتفادي إفلاس الشركات ولإنقاذ 550 ألف منصب شغل مباشر، وإنعاش السياحة الداخلية، من خلال إطلاق حملات ترويجية رقمية ودعم المهنيين من أجل الولوج إلى الخدمات الرقمية، ثم ضرورة المساعدة على إعادة عودة الحياة إلى النقل الجوي.
وتوقعت الكونفدرالية الوطنية للسياحة أن يتأثر القطاع السياحي المغربي خلال ثلاث سنوات المقبلة، بسبب الجائحة التي ضربت المغرب والعالم، وقدرت حجم الخسائر بحوالي 138 مليار درهم، وأن تتراجع المداخيل بـ74 في المائة خلال العام الجاري، بينما تشير أرقام مكتب الصرف إلى أن هناك 200 ألف مغربي يسافرون سنويا إلى الخارج، وينفقون ما يزيد عن 23 مليار درهم، مع العلم أن مداخيل السياحة بلغت العام 2019، 73,19 مليار درهم، أي بعد خصم إنفاق المغاربة على السياحة في الخارج بالعملة الصعبة، فإن ميزان الأسفار، يستقر في حدود 54,33 مليار درهم. فكيف يمكن جذب هؤلاء إلى سياحة بلدهم في زمن الوباء؟
حجر سياحي عن الخارج أم عطلة بعد الوباء؟
يعتبر الخبير الاقتصادي والمالي المهدي فقير أن الصعوبة اليوم تكمن في الضغط على احتياطي العملة الصعبة، وبالتالي فإن على هذه الشريحة أن تمارس نوعا من السياحة الوطنية هذا العام.
بالنسبة لفقير، فإنه في حال عودة الحياة إلى النشاط السياحي في البلاد في فصل الصيف المقبل، فإنه لن يكون مقرونا بفتح الأجواء الجوية، وهو ما سيدفع كثيرين برأيه إلى المنتوج السياحي المحلي.
ويقول الخبير في استراتيجيات تدبير المخاطر، لـ"تيلكيل عربي"، إن الحكومة مجبرة على اتخاذ إجراءات نوعية، وأن الاعتماد على السياحة الداخلية ليس الجل الوحيد، لكنه سيقلل من الآثار السلبية، وأن على السياحة المغربية إعادة تدوير منتوجها، ويضيف "سيلزم وقت طويل لهذا القطاع حتى يتمكن من العودة إلى سابق عهده. اليوم على الجميع أن يساهم في إعادة البنى التحتية للقطاع، وأن تجري الاستفادة من الأخطاء. الأهم أيضا أن الأزمة ضربت الجميع، وليست أزمة محلية فقط، فمصير الأسواق أن تعود إلى طبيعتها يوما ما".
في ظرفية اقتصادية واجتماعية يطغى عليها الوباء والحجر وحظر التجوال والإغلاق العام، وتوقف آلاف المقاولات عن العمل، هل يمكن للمغربي أن يفكر في السفر واستهلاك منتوج سياحي مغربي؟
يتفق الفقير مع أن القدرة الشرائية للمواطن المغربي لا تسعفه على السفر أو السياحة، لكنه في الوقت ذاته يرى أن ظروف الحجر الصحي لشهرين خلق ضغوطا نفسية كبيرة على المواطنين وهو ما سيخلق دافعا للإقبال على السفر في الصيف إن انتهت حالة الطوارئ الصحية.
ويضيف "اليوم على الفاعلين السياحيين أن يجتهدوا ويبتكروا عروضا للمستهلك المحلي، فأكيد أن الرغبة في الحياة الطبيعية والراحة بعد عيش تجربة نفسية واجتماعية غير مسبوقة سيطغى في النهاية، أما بالنسبة لمن ألف السياحة في الخارج، فعليه أن يملأ الفنادق المغربية هذا العام، ويفكر في عدم استهلاك العملة الصعبة".
ترى مريم العزيزي، إطار بنكي في عقدها الثالث، أن تفضيل بعض المغاربة لقضاء عطلتهم بالخارج يعود بالأساس إلى التنافسية في الأسعار وجودة الخدمة المقدمة، وتقول "أنا من صائدي العروض السياحية عبر الإنترنت، فبميزانية 8 آلاف درهم يمكن قضاء أسبوع في فندق من 4 نجوم في البرتغال أو إيرلندا، وعندما تقارن مصاريفك فإنك ستجدها أقل من قضاء أسبوع في مراكش أو في إحدى مدن الشمال".
بالنسبة لعزيزي، فإن الحديث عن قضاء عطلة هذا الصيف يبقى أمرا سابقا لأوانه، لأنها ليست متيقنة من رفع حالة الطوارئ الصحية خلال فصل الصيف، لكنها في الوقت ذاته ترى أن الحاجة إلى العطلة هذا الصيف تبقى كبيرة بالنظر لما تعيشه اليوم من حجر صحي وتقول إنها تنوي زيارة مدينة الداخلة.
أما بالنسبة لأيوب أكوزول، المهندس في إحدى شركات صناعة أجزاء الطيران في منطقة النواصر، فإن أهم ما يشجع الشباب المغاربة من متوسطي الدخل على السفر إلى الخارج هي الحرية وانخفاض الأسعار.
ويوضح هذا الشاب الأعزب، البالغ من العمر 29 عاما، أن الحرية في العيش والابتعاد عن المراقبة والأحكام القبلية، عامل مهم في اختيار القبلة، ويقول "في المغرب لا يمكن أن أحصل على غرفة في فندق مغربي رفقة صديقة أجنبية، بينما لا يجبر الأجانب على الإدلاء بوثيقة الزواج في فنادقنا، هذا التمييز لا نجده في الفنادق الأوروبية. الكل سواسية ما دام الجميع يدفع فواتيره في النهاية، كما أن سعر الخدمة سواء في الفنادق أو في المطاعم يبقى معقولا، أما في المغرب فالأسعار مبالغ فيها بعض الشيء".
السياحة الداخلية وشيكات العطل
يدافع وزير السياحة السابق لحسن حداد عن السياحة الداخلية ويعتبرها العماد الأساسي، وأنها في الدول المتقدمة سياحيا تعتبر المتكأ القوي للسياحة الخارجية، كما أنها تسمح لك بوضع انتقائية واختيار مريح للسياح الأجانب، فهي المنطلق الأساس، وهذا ما لم يستوعبه المغرب في الوقت السابق.
بالنسبة لهذا الوزير السابق الذي كان أطلق مخططا يروم إلى تشجيع السياحة الداخلية سنة 2015، فإنه لا خيار للسياحة المغربية في هذا الوضع الراهن من غير الاعتماد والتوجه إلى السائح المغربي، لأن الوضع تغير، ويلزم العمل لتحقيق إقلاع سياحي ما بعد الوباء، ويقول "ليس لدى الجميع، سواء الحكومة أو الفاعلين السياحيين، الاختيار سوى الاعتماد على السوق الداخلية".
ويعتبر حداد أنه خلال فترة توليه حقيبة السياحة، كان اقترح على وزير المالية آنذاك حل "شيكات العطل"، وهي عبارة عن وصولات يساهم فيها المستخدمون أو الموظفون بنسبة وتساهم شركاتهم بنسبة أخرى، ويكون الاقتطاع شهريا، وفي نهاية العام يحصل المستخدم على شيك يخول له قضاء عطلته السنوية في إحدى المؤسسات السياحية الوطنية، وأن يجري هذا الأمر بالاتفاق مع هذه المؤسسات بطبيعة الحال، ويضيف "لقد كنت أعددت هذا التصور ويكفي تفعيله اليوم، على الفنادق والمؤسسات الفندقية والأبناك أن تجتهد أيضا لتقديم عروض مغربية وبأسعار معقولة".
ويضيف حداد، لـ"تيلكيل عربي"، أنه على قطاع النقل الجوي أن يدخل بدوره غمار الانفتاح على المستهلك المغربي، من خلال إطلاق عروض سفر مغربية، ولم لا يقلص الأسعار إلى النصف، وهذا سيسمح له بمعاودة النشاط، والانفتاح على جميع الجهات، وهو ما سيسمح بخلق دينامية سياحية متنوعة وموزعة على جميع جهات المغرب.
ويشير وزير السياحة السابق إلى ضرورة الانفتاح على الشرائح العمرية والاجتماعية المتعددة، والتفكير في عروض فندقية ابتداء من 150 درهما في الليلة، ويوضح "يجب الاشتغال مع أصحاب المطاعم، فهناك أثمنة مبالغ فيها لدى البعض تفوق أسعار مطاعم أوروبية، ولكن هناك اليوم ظرف خاص، لذا فعلى جميع المتدخلين في المجال السياحي أن يعوا المسألة، وأن يسعوا إلى ابتكار حلول عقلانية ومقبولة".
ويلفت حداد الانتباه إلى تضرر قطاع ثان مواز للسياحة، وهو الصناعة التقليدية، ويضيف "هنا تبرز من جديد دعوة كنت أطلقتها في وقت سابق، ومفادها ضرورة قيام شراكة بين قطاع البناء والصناعة التقليدية، إذ على كل مشروع سكني أن يقتني تجهيزات من الصناعة التقليدية سواء للأثاث أو للزينة.
ويشدد حداد أيضا على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار بالمخاطر الصحية، والتركيز على النظافة والوقاية، لأن عصر السياحة ما بعد "كورونا" غير مفاهيم كثيرة.