محمد زيتوني
وراء الصراعات التي يعرفها العالم، والتجاذبات والتطاحنات ، توجد صراعات ومسابقات فكرية ونظرية تحتضنها قوى كبرى للدفاع عن مشاريعها ومصالحها.
و تعرف الساحة الدولية خلال السنوات الأخيرة بزوغ نظريتين ، كبيرتين :
نظرية غربية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وهي نظرية جائت بعد مسلسل من الإفرازات الفكرية ، اهمها ، نظرية العالم الحر والحرية، ثم نظرية الفوضى الخلاقة وأخيرا نظرية توحيد الديانات الإبراهيمية ،الإسلام والمسيحية واليهودية.
وفي المقابل هناك نظريتان مناقضتان للنظريات الفكرية الغربية ، ويمكن تحديدهما في النظرية الصينية المتمحورة حول الانفتاح على العالم بتبني طريق الحرير الجديد والحزام الاقتصادي، ونظرية أخرى أكثر فكرا وأوسع نطاقا وهي النظرية السياسية الرابعة أو الأوراسية عند فيلسوفها الروسي ألكسندر دوغين.
منذ عقود، ومنذ بدايات الحرب الباردة والجامعات ومراكز الأبحاث الغربية تعمل بلا هوادة على إنتاج نظريات و أنساق فكرية مناقضة ومناهضة للنظريات الاشتراكية والنزعات الشمولية ،دفاعا عن ما تسميه بالفكر الحر والعالم الحر.
واستطاعت بذلك أن تساهم في انهيار المنظومة الاشتراكية في أوربا والأنظمة المبنية على حكم الحزب الواحد.
وعلى الرغم من أن النظرية الاشتراكية ساهمت في تراجع المد الرأسمالي والحد من توسعه الامبريالي،فإن الغرب اسطاع أن يبدع في أساليب نظرية مكنته من الاستمرار فيهيمنته على الساحة الدولية ثقافيا وجيوسياسيا.
نظرية الفوضى الخلاقة:
يعود أصل هذا المفهوم إلى المؤرخ الأمريكي آلفريد ثايير ماهان Alfred Thayer Mahan، منذ سنة 1902، ليتوسع أكثر ويأخد مسارا أكثر أكاديمية ، بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، مع مايكل ليدين ، ويصبح نظرية التدمير البناء.
ولكن أكثر المفكرين الذين طوروا هذه النظرية ،هو الأمريكي اليميني صامويل هنتنجتون ،Samuel Huntington صاحب نظرية صراع الحضارات.
وقد تبنت عدة مراكز الأبحاث والدراسات، هذه النظرية الأمريكية ،هذه النظرية وأغنتها وطورتها ،لتصبح جاهزة لاعتمادها من طرف الخارجية الأمريكية وحلفائها الغربيين.
ومضمون هذا التصور هو أنه لضمان بناء صحيح لمجتمعات بقيت حبيسة التخلف والتحجر واستحالة النهوض،يجب تدمير كل شيء وإعادة بنائه على أسس متينة وسليمة،لضمان سيرورة التقدم والحرية.
وهذا ما نهجته السياسة الخارجية الأمريكية ، خاصة عندما ساهمت بشكل مباشر عندما ،هجمت على العراق وأطاحت بنظامه الوطني ، بذريعة محاربة الارهاب والأنظمة الشمولية .وساهمت بشكل غير مباشر في ما سمي "بالربيع العربي" الذي زعزع استقرار عدة دول ،في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ووجب التذكير بأن كتاب ميخائيل غورباتشوف (البيرسترويكا) والذي يعني إعادة البناء ،والذي أطاح بالاتحاد السوفياتي وفكك كيانه ،ولازالت تداعياته تؤثر على العلاقات الدولية إلى يومنا هذا، وأن هذا التصور لا يختلف كثيرا على نظرية "التدمير من أجل البناء".
وتهدف هذه النظرية بلى شك إلى التأثير على سياسات دول آسيا والعالم الإسلامي ،التي تحكم غالبيتها ، أنظمة شمولية وأصولية.
الأوراسية أو النظرية السياسية الرابعة:
يمكن تلخيص هذه النظرية في كتاب "النظرية السياسية الربعة" لصاحبها المفكر والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، الذي يريد الجمع بين القارة الآسيوية وبعض الدول الاوربية حول مشروع تقارب المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية، لمناهضة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.
والتي يطرحها المفكر الروسي كبديل للنظرات الثلاثة السابقة : الليبرالية والفاشية والاشتراكية.
وتعتمد هذه النظرية على نقض المفاهيم القيمية للغرب كمفهومها" لحقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الشمولية والفردية".
ويرى ألكسندر دوغين بأن المنطقة الأوراسية تزخر بقيم انسانية نبيلة تضمنها العقائد الدينية المتجذرة في المنطقة ،كالأورثدوكسية المسيحية والديانة الإسلامية ، وكذلك الإبداعات الفكرية والأدبية التي أنتجتها المنطقة.
ويرى الكثير من المتتبعين أن هذه النظرية هي التي تؤثر على سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من خلال مناهضته للسياسات الغربية ، واقترابه من السياسات الآسيوية.
يتضح جليا أن كلتا النظريتان ، نظرية الفوضى الخلاقة والنظرية الاوراسية ،تهدف إلى استعاب القارة الآسيوية ، الصين والهند والعالم الإسلامي وغيرها وضمها إلى صفها ،لتكون قادرة على التموقع بقوة في السياسة الدولية والتأثير بشكل كبير على مجرياتها.
لكن هل ستعمل خصوصيات دول المنطقة، الشرق أو آسيا ودول اوربا الشرقية والعالم الإسلامي ،على إفراز وقائع مختلفة قد تبين عجز النظريتين المتناقضتين:" الفوضى الخلاقة والنظرية الأوراسية او النظرية السياسية الرابعة"؟