جاء الموقف البريطاني الأخير الداعم لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007 ليعزز الزخم الدولي المتنامي المؤيد للطرح المغربي من أجل تسوية نزاع الصحراء المغربية، في ظل تحولات لافتة في مواقف عدد من العواصم الغربية المؤثرة، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في دجنبر 2020. وقد تميز الإعلان المشترك المغربي البريطاني، الصادر أمس الأحد، بصيغة غير مسبوقة من حيث وضوح المواقف السياسية وتعدد أبعاد الشراكة الاستراتيجية التي جاء بها.
في عمق هذا التحول، يعتبر أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، أن الموقف البريطاني الجديد بشأن قضية الصحراء المغربية يشكل دعما صريحا وقويا لموقف المغرب ولمبادرة الحكم الذاتي، كما أنه يرد بشكل واضح على الخطاب التصعيدي الذي تبنته الجزائر وجبهة البوليساريو منذ دجنبر 2020، والداعي إلى العودة إلى العمل المسلح.
ويوضح الخبير في العلاقات الدولية، في تصريح لـ"تيلكيل عربي" أن البيان المشترك المغربي البريطاني تضمن رفضا صريحا لحل النزاعات عبر القوة، وهو ما يعد، في تقديره، رسالة سياسية مباشرة إلى الأطراف التي تراهن على العنف كوسيلة لفرض واقع ميداني، معتبرا أن هذه الإشارة القوية تعزز من شرعية المقاربة المغربية القائمة على الحكم الذاتي.
وأضاف أن مضمون الإعلان المشترك تجاوز الدعم السياسي التقليدي، ليؤسس لشراكة استراتيجية متعددة الأوجه تشمل الجوانب العسكرية والأمنية والاقتصادية، حيث تم الاتفاق على التعاون في مجالات التصنيع العسكري، والدفاع البحري، ومحاربة الطائرات بدون طيار، والأمن السيبراني، بالإضافة إلى التنسيق في مكافحة الإرهاب، معتبرا أن هذه المؤشرات تعكس ملامح تحالف متقدم قائم على المصالح الاستراتيجية والثقة المتبادلة.
وأشار إلى أن التزام بريطانيا، بصفتها عضوا دائما بمجلس الأمن، بدعم تسوية سريعة ونهائية لنزاع الصحراء، يحمل دلالة قوية، خاصة مع تركيز البيان على استعجالية التوصل إلى حل، في تناغم تام مع موقف المغرب الداعي إلى طي الملف داخل أروقة الأمم المتحدة.
إن توصيف لندن لمبادرة الحكم الذاتي المغربية بكونها الأكثر واقعية ومصداقية وقابلية للتطبيق، وفق المحلل السياسي، يعزز من مركزية هذا الخيار داخل النقاش الدولي، ويفيد، بمفهوم المخالفة، أن باقي المقترحات، وخصوصا تلك المدعومة من الجزائر، تفتقر إلى الجدية والواقعية والمصداقية.
ويعتبر المتحدث ذاته، أن هذا الإعلان لا يمثل مجرد موقف دبلوماسي، بل يعكس سلة متكاملة من المبادئ والالتزامات والمصالح المشتركة، تتقاطع في دعم واضح لمغربية الصحراء، مضيفا أن التعاون الاقتصادي في مجالات الطاقات المتجددة والنقل النظيف وتدوير النفايات والبحث العلمي يعزز هذا التوجه المستقبلي.
هذا الزخم الدولي، وفق نور الدين، ينبغي أن يواكبه تحرك مغربي فعال داخل اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، باعتبارها الفضاء الذي لا يزال يحتضن هذا النزاع، مؤكدا أن دعم الدول الصديقة، مهما كانت قوته، لا يعوض الفعل المؤسساتي المباشر داخل المنظومة الأممية، مشيرا إلى أن استمرار طرح الملف في اللجنة الرابعة يبقيه مفتوحا في التداول، في حين أن مجلس الأمن، نظرا لطبيعة التوازنات وآلية الفيتو، لا يحسم القضايا بل غالبا ما يجمدها.
ودعا إلى الدفع داخل اللجنة الرابعة نحو استصدار قرار أممي يعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، معتبرا أن هذا الحسم من شأنه أن يضع حدا للتداول الأممي المستمر للملف، ويؤسس لمرحلة جديدة تتجاوز إدارة النزاع إلى تسويته النهائية.
وخلص إلى أن الظرفية الدولية الراهنة تتيح فرصة استراتيجية نادرة، يتعين استثمارها من خلال مبادرة مغربية قوية على مستوى الأمم المتحدة، تنهي حالة المراوحة وتفتح أفقا سياسيا واضحا لحل النزاع.