الصحراء.. سيناريوهات لقاءات جنيف بحضور الجزائر وموريتانيا

لقاء سابق بين كوهلر ومساعديه ووزير الخارجية ناصر بوريطة وممثل المغرب في الأمم المتحدة عمر هلال
موسى متروف

بعد موافقة المغرب، أعلن متحدث باسم الأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، أن الجزائر وموريتانيا و"البوليساريو" وافقت أيضا على دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء هورست كوهلر، للجلوس حول مائدته المستديرة في 5 و6 دجنبر المقبل في جنيف.

وتعود آخر جولة مفاوضات غير رسمية رعتها الأمم المتحدة إلى العام 2012، فما هي السيناريوهات المحتملة لـ"طاولة النقاش" هذه التي يرعاها كوهلر، الرئيس الأماني السابق؟

الجزار.. حالة وسيطة

يعتبر خالد الشيات، أستاذ القانون العام والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن مبادرة الأمم المتحدة، من خلال الأمين العام والمبعوث الشخصي للأمين العام الخاص، هي قديمة جديدة، حول المفاوضات التي نص عليها قرار مجلس الأمن.

ويعتبر المتحدث، في اتصال بـ"تيل كيل عربي"، أن هناك إشكالا "حول الشكل الذي يؤثر، في الحقيقة، حول مضمون هذه المفاوضات أو المحادثات أو المشاورات (ربما الصيغة النهائية غير واضحة للمتتبعين)، حول ضم جميع الأطراف المعنية بالنزاع أولا"، وأوضح  أن الطرفين الأساسيين في النزاع هما المغرب وجبهة "البوليساريو"، والأطراف الأخرى غير المباشرة هي الجزائر وموريتانيا (ونوعا ما إسبانيا)، والأمر الإيجابي بالنسبة إليه هو أن جميع الأطراف (في المنطقة) مستعدة للدخول إلى هذا النسق.

وأكد الشيات أن الأمر الذي يفرض نفسه الآن هو الصفات التي ستأتي بها كل دولة لهذه المشاورات، فـ"المغرب طبعا كان يلح دائما أنه إذا كانت الجزائر غائبة فلا طائل من هذه المفاوضات، لأن الجزائر هي التي صنعت البوليساريو، وبالتالي هل نتفاوض مع ظل الطرف الذي يجب أن يتم التفاوض معه؟".

وقال الباحث، في هذا الصدد "في إطار الشكل الذي يؤثر على المضمون، الجزائر الآن حاضرة ولكن ليس بالصفة التي يريدها المغرب؛ أي أنها طرف مباشر أو طرف أساسي أو غير ذلك". وزاد أن الجزائر دائما تلح في جميع تدخلاتها أنها غير معنية بهذا النزاع وأنها تدافع فقط عن تقرير مصير ما تسميه "الشعب الصحراوي"، والمغرب كان يلح طبعا على العكس، وعلى حضور الجزائر بهذه الصفة، ليخلص إلى "أننا نحن في حالة وسيطة، حيث حاولت أن تصل إلى مستوى وسط؛ أي أن تحضر أولا ولكن لا تحضر بصفتها طرفا مباشرا في النزاع".

هذا الإشكال يطرح تساؤلا حول المخرجات التي يمكن أن تؤول إليها هذه المشاورات، يقول الأستاذ الجامعي، "لأن الشكل يؤثر في المضمون، ولأن الجزائر إذا حضرت إلى طاولة النقاش هذه دون أن تكون فاعلا لإيجاد حل سياسي مقبول سيكون ذلك إضاعة للوقت وعبثا بالأطراف التي ساهمت في إيجاد هذه الصيغة من الحل".

وتساءل الباحث إذا كانت الجزائر مستعدة فعلا لكي تساهم في تجاوز الفكرة الأصلية لتقسيم المغرب إلى قسمين "دفاعا" عن ما تعتبره "تقرير المصير"، خصوصا أولا أن تقرير المصير هذا مرتبط بأشخاص موجودين في تندوف منذ عشرات السنين، وثانية لاستحالة الاستفتاء.

وأكد الشيات أن بعثة "المينورسو" هي طبعا بعثة لتنظيم الاستفتاء، وسبق أن واجهت هذه العملية كثير من العقبات وبالتالي هناك استحالة لتنظيمه، كما ذهب إلى ذلك الهولندي بيتر فان فالسوم، المبعوث السابق إلى الصحراء.

وخلص المتحدث، على هذا المستوى، إلى أن "مسألة الاستفتاء وغيرها من النقط التي تتشبث بها الجزائر، إذا بقيت في صيغتها الأصلية، بدون تطوير واجتهاد وبدون مبادرة، ستكون لقاءات جنيف هذه مجرد جلسات للاستماع وللتنفيس وليست جلسات لإمكانية إيجاد حل سياسي مقبول ومتوافق عليه من طرف جميع الأطراف المعنية بالنزاع، بما فيها الجزائر".

موريتانيا.. تعثر في الاستقلالية

وبالنسبة إلى مشاركة موريتانيا في المحادثات، قال الشيات إنه يصعب عليه أن يقول إن العلاقات المغربية الموريتانية في مرحلة أزمة، مؤكدا أن "موريتانيا تقرأ المحيط بشكل مناسب لمصالحها ولاسيما على المستوى الاجتماعي وعلى مستوى التأثير السياسي، ومرحلة التوازن التي كانت أكثر اتضاحا في مرحلة معاوية ولد الطايع بدأت تتخلخل للعودة إلى ما يمكن أن نسميه مرحلة المختار ولد دادة التي كانت فيها موريتانيا تحاول أن تضغط لإيجاد شيء مناسب لمصالحها في هذه القضية".

وأضاف الشيات "لا أقول إن الدور الموريتاني هامشي ولا أقول بأنه مؤثر جدا، ولكن، مع ذلك، موريتانيا التي تقف في موقف وسط وموقف إيجابي لإيجاد حل مقبول ستكون هذه الموريتانيا التي نريدها ولا نريدها أن تدعم لا الموقف المغربي ولا الموقف آخر"، مؤكدا أن "هذا سيكون إيجابيا بالنسبة للمغرب". ويعتقد المتحدث أن موريتانيا "تحاول الآن أن تجد هذه الصيغة ولكن ربما بشكل متعثر لأن القرار السياسي ربطها بالمصالح الجزائرية وهذا أمر أثر على استقلال القرار النهائي".

وأوضح في هذا الصدد أن "المغرب سعى نحو إفريقيا وكان لابد أن يمر عن طريق موريتانيا، فسعت الجزائر إلى قطع هذا الطرق على المغرب، على الأقل في المستوى البري، ونجحت إلى قدر معين في هذا الاتجاه"، مشددا على أن "موريتانيا عندما ستعي بكل هذه التحديات ستنجح في علاقاتها مع المغرب والجزائر وستساهم في بناء اتحاد مغاربي مندمج ومتكامل ومتعاون في آخر المطاف".

دور أمريكي قوي

وحول العودة القوية لجون بولتون في الدبلوماسية الأمريكية، بعد أن أصبح مستشارا للأمن القومي، وعودة شبح مخطط جيمس بيكر، أوضح الشيات أنه في فترة بيكر "كان الموقف بخلفية مصلحية صرفة ولم تكن مبدئية، ولكن على أي حال يمكن أن تتوافق الرؤى مع الجزائر في زمن جون بولتون وحتى مع وزير الخارجية مايك بومبيو ولاشك أن للولايات المتحدة وزن في العالم وفي قضية الصحراء، وسيكون ذلك مؤثرا، ولكن السؤال هو: إلى أي درجة؟".

وأجاب الأستاذ الجامعي في القانون الدولي أن "المغرب استطاع أن يمتص كل الأزمات والضربات التي حاولت أن تفرض حلا على حساب المصالح الأساسية للبلاد، ومرحلة بيكر كانت تعبيرا صارخا عن هذا الأمر وأنا أقول إنه فشل"، مؤكدا أن أنه لا يعتقد أن "إعادة الكرة بصيغة أخرى" سيؤدي إلى شيء لأن هذا النزاع ليس بالأهمية القصوى للولايات المتحدة التي من خلالها يمكن أن تضحي بالدور المغربي في سياستها الخارجية على المستوى الأمني، مؤكدا على "أن هذا الأمر سيكون مكلفا لها".

واستدرك أنه "ربما من الناحية الطاقية والمصلحية والاقتصادية قد تكون هناك تقاطعات مع الجزائر، ولكن إذا كان هناك أشخاص على رأسهم إدارة معينة داخل الإدارة الأمريكية لا يعني ذلك أن هذه الإدارة تسير كلها في اتجاه واحد، وفي نسق واحد".

وأضاف أنه، من ناحية أخرى، "تبين بالنسبة إلى هذا النزاع أن هناك توازنات أخرى على المستوى الاستراتيجي بالنسبة إلى القوى الإقليمية التي هي ليست في حجم الولايات المتحدة، ولكنها مؤثرة، كما هو الحال بالنسبة إلى فرنسا"، ليستنتج أن "هذا الأمر قد يؤدي إلى نوع من التوازن، لأنه في آخر المطاف هذه المشاورات يجب أن تظل في إطارها العام الذي هو الأمم المتحدة، ولا يمكن فرض أي حل على المغرب بأي طريقة، وبالتالي أعتقد أنه سيكون نوعا من العبث أيضا، لأنه لن يؤدي إلى أي نتيجة، سواء تعلق الأمر بالضغط على المغرب أو بالضغط بالطرق ذاتها على الأطراف الأخرى". وفي هذا الصدد، أوضح المتحدث أن "الأطراف ذاتها تمتلك قدرا من الاستقلالية وفرصة لكي تتوافق حول شكل معين لحل النزاع بشكل مقبول، بدل أن تعوّل على المنح والهدايات للقوى العظمى لكي تصل إلى ما تريد"، وأعطى مثال "النموذج الأبرز وهو النموذج السعودي الذي ضخ حوالي تريليون دولار للولايات المتحدة"، دون النتائج المرجوة.

وقال إن "ماقامت به الجزائر في ردهات القوى المؤثرة في القرار السياسي في الولايات المتحدة بدعمها ماليا لن يؤدي إلى أي نتيجة. ما يمكن أن يؤدي إلى نتيجة هو العقلانية والقدرة على تجاوز هذا المشكل بطريقة شجاعة من جميع الأطرف. المغرب وضع إطارا متقدما هو الحكم الذاتي ويمكن أن يكون هناك نقاش في هذا النسق أو في أنساق مشابهة وهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى نتيجة"، على حد تعبيره.