الصديقي لـ"تيلكيل عربي": إنشاء المقاولات يعكس ديناميكية اقتصادية ويجب تفكيك اقتصاد الريع والامتيازات

خديجة قدوري

أعلن المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية عن تسجيل 68.263 مقاولة جديدة بالمغرب خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024.

وفي السياق ذاته، أفاد عبد السلام الصديقي، الخبير الاقتصادي والوزير السابق، أن البيانات المنشورة من طرف مكتب الملكية الصناعية والفكرية بشأن إنشاء الشركات خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية تعكس وجود ديناميكية حقيقية في النشاط الاقتصادي.

وأشار الصديقي إلى أنه ورغم هذه المؤشرات، ينبغي التعامل مع هذه البيانات بعمق ومنهجية تحليلية دقيقة. وفي هذا السياق، يتبين أن أكثر من 70 بالمائة من هذه الإنشاءات تتعلق بالمقاولات الصغيرة جدًا، بل تشمل أيضًا المقاولين الذاتيين، في حين أن الشركات ذات المسؤولية المحدودة التي تضم أكثر من شريك لا تتجاوز نسبتها 28 بالمائة.

ونبه الصديقي، إلى ضرورة التركيز على طبيعة الأنشطة المزمع مزاولتها، مشيرًا إلى أن القطاعات الإنتاجية، مثل الصناعة بما في ذلك الصناعة التقليدية والفلاحة، لا تتجاوز نسبة 8.86 بالمائة من إجمالي الأنشطة المسجلة.

ولفت إلى أن الحصة الأكبر تعود إلى أنشطة الخدمات غير المنتجة وغير المساهمة في خلق القيمة المضافة، وهي أنشطة تساهم في تعزيز التخلف بدلًا من تحفيز ديناميكية التنمية والتقدم.

وأضاف الصديقي، أن هذا التوجه نحو إنشاء الشركات لا يعكس بالضرورة تحولًا ثقافيًا، بل يُعد بمثابة محاولة إنقاذ من قِبل الشباب الذين يعانون من وطأة البطالة، كما أوضحت ذلك نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى.

واسترسل قائلا: إن "معدل البطالة وصل إلى 21 بالمائة، وفقًا لتصريحات الأشخاص المستجوبين، وهو أمر لا يدعو للاستغراب في ظل الركود الاقتصادي وضعف القدرة على خلق فرص العمل".

إكراهات النمو أمام المقاولات المغربية

في هذا الإطار، أشار الصديقي، إلى أن العديد من هذه المقاولات تختفي قبل أن تتحقق فعليًا أو تبدأ في إنتاج السلع والخدمات. وأضاف أن نسبة كبيرة أخرى تواجه نفس المصير بعد بضع سنوات، في حين ينجح عدد قليل للغاية في الصمود وتحقيق الاستمرارية على المدى الطويل.

واستطرد قائلاً إن المقاولات المغربية، وخاصة الصغيرة جدًا والمتوسطة، تعاني من قصر عمرها الافتراضي وفقًا للملاحظات والدراسات المتعددة. وأرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل، أبرزها صعوبة الحصول على القروض البنكية، والعوائق التي تواجهها عند دخول السوق، مثل الاحتكارات والحواجز التي تعيق الولوج.

ولفت الصديقي، إلى أن تحسين مؤشر "ممارسة الأعمال" ومناخ الاستثمار يعود بالنفع أساسًا على الشركات الكبرى ورؤوس الأموال الأجنبية، بينما تجد الشركات الصغيرة نفسها غارقة في التعقيدات الإدارية والإجراءات البيروقراطية.

دعم المقاولات الصغيرة وتغيير قواعد اللعبة الاقتصادية

في هذا الصدد، نوه الخبير الاقتصادي، إلى أن الحكومة معنية بشكل جاد بدعم المقاولات التي تم إنشاؤها حديثًا، وخاصة المقاولات الصغيرة والمتوسطة. إلا أن الميثاق الجديد للاستثمار لم يُفعّل بعد بالنسبة لهذه المقاولات.

وبين الوزير السابق، أن الحكومة لا تولي نفس الأهمية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة كما تفعل مع الشركات الكبرى، مشيرًا إلى ضرورة تسريع نشر النصوص التنظيمية وتوفير الدعم المناسب لهذه المقاولات، مثل إنشاء بنك خاص بها وتخصيص جزء من الطلبات العمومية لصالحها.

وأفاد الصديقي، أنه من الضروري إنشاء وحدة للدعم والإرشاد، لأن ليس كل من يرغب في أن يصبح رائد أعمال قادر على تحقيق ذلك. فالمقاولة، كما أشار شومبيتر بشكل دقيق، هي حالة ثقافية وليست فطرية.

واختتم الصديقي، حديثه مؤكدًا أنه يجب على المغرب أن يغير قواعد اللعبة بشكل جذري من خلال تفكيك اقتصاد الريع والامتيازات، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين.