خلال أسبوع واحد، تفجرت بين يدي قيادات العدالة والتنمية قضيتان أخلاقيتان: الأولى تخص البرلماني نور الدين قشيبل الذي ضبطت بحوزته ثلاث هواتف نقالة، أثناء اجتيازه امتحانات البكالوريا، لتقرر وزارة التربية الوطنية حرمانه من اجتياز الاختبارات لعامين متتاليين، فيما تخص القضية الثانية هشام الحساني، عضو الحزب بمدينة سلا، الذي يظهر في شريط فيديو وهو يستمني، وهي القضية التي تحقق فيها الشرطة العلمية.
ماعاشه "البيجيدي"، خلال هذا الأسبوع، يتكرر بوجوه أخرى، وعلى فترات متباعدة، وبحيثيات مختلفة؛ إذ لا تزال عالقة في الأذهان قضايا مماثلة، سواء في الحزب أو وسط ذراعه الدعوي: قضية فاطمة النجار وعمر بن حماد بشاطئ المنصورية، وقضية خلع أمينة ماء العينين لحجابها في باريس، وزواج الوزير يتيم بمدلكته.. ملفات وأخرى يجد العدالة والتنمية نفسه فيها في موقع الدفاع، هو الذي ألف الهجوم، بعد أن حمل لسنوات لواء الدفاع عن الأخلاق، بل أنكر على خصومه حقهم في ما يسمونه "حرية شخصية".
هل هذه الحالات مستشرية في الحزب أم أنها استثناءات؟ وكيف تتم معالجتها؟ وهل يقف أعضاء الحزب وقياداته على قدم المساواة، عندما يتعلق الأمر بـ"خروج" على ما يسميه بعض أعضائه بـ"الضوابط الأخلاقية"؟ وهل كل ما يخرج للعلن من هذه الحوادث هو من فعل فاعل يستهدف "الحزب الإسلامي" أم أن الحزب يسقط في "شر أعماله" عندما يعزف على وتر الأخلاق؟
استثناءات ولكن...
يذهب المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، رئيس لجنة النزاهة والشفافية في حزب العدالة والتنمية، في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، إلى أن ما يروج أو يظهر، من حين إلى آخر، حول "شبهات" قد تطال أعضاء حزبه، سواء تعلق الأمر بمهامهم أو حياتهم الخاصة، "تبقى محدودة، ولا يجوز عزلها عن ما قد يحدث في جميع الأحزاب السياسية الأخرى وباقي التنظيمات، والتي بدورها تعرف بروز سلوكات غير مقبولة من طرف المجتمع أو تخل بالمسؤوليات التي يتقلدونها".
هذا الطرح يزكيه عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة للحزب، والرئيس السابق للجنة الشفافية، الذي يدعو إلى النظر إلى أعضاء العدالة والتنمية على أنهم "جزء من المجتمع المغربي"، الفرق أن "لهم التزام معنوي صارم اتجاه ما ينتمون إليه"، لكن هذا لا يعني أنهم لا يمكن أن يخطئوا، لكن أخطاءهم "ليست نهجا داخل الحزب، ولا تشكل أساسا، بل هي حالات استثنائية"، وعليه "لايمكن أن تضبط سلوكات الجميع".
إيمان اليعقوبي، البرلمانية الشابة داخل حزب العدالة والتنمية، والتي دافعت بشراسة عن البرلماني نور الدين قشيبل في قضية "الغش"، تدعو في حديث لـ"تلكيل عربي" إلى "ضرورة التمييز بين سلوك المؤسسة الحزبية وسلوك الأفراد"، وتضيف: "لم يسبق أن صدر عن حزب العدالة والتنمية كمؤسسة أي موقف يدعم السلوكات التي تخالف ضوابطه أو تخالف الأخلاق والمبادئ العامة المتفق عليها في المجتمع"، لكن في الوقت ذاته، ترفض البرلمانية ما تعتبره "توظيفاً" لمثل هذه الملفات في "مواجهة" حزبها.
وتشدد المتحدثة ذاتها على أنها دافعت عن قشيبل، انطلاقاً من قناعتها بأن "البرلماني لم يضبط في حالة غش، بل هناك جهات تتعقبه واستغلت احتفاظه بهواتفه النقالة لحظة تواجده داخل القسم لاجتياز امتحان اللغة الفرنسية".
هل فعلا هناك استهداف للعدالة والتنمية باستعمال ورقة الأخلاق؟ سؤال يجيب عليه الرميد بالقول: "لا يمكن أن أجزم بأن هناك استهداف ممنهج، أو جهة معينة اتخذت قراراً باستهداف الحزب وأعضائه، لكن هناك استغلالا لكل قضية تتعلق بالأعضاء المنتمين للعدالة والتنمية، ويظهر هذا الاستغلال بشكل واضح من خلال المعالجة الإعلامية".
الأستاذ الجامعي والباحث في علم الاجتماع، محمد الناجي، يرى أن ما يتعرض له "البيجيدي" هو من جنس ما يقوم به. يقول الناجي في تصريح لـ"تيل كيل عربي": "حزب العدالة و التنمية يتعرض لعملية تعرية، وهذا طبيعي بالنسبة لحزب يدعو إلى الستر في كل حين، ولنكون أكثر رمزية، إلى الحجاب".
ويوضح المتحدث ذاته "أعضاء الحزب مراقبون في كل ما يتعلق بالجسد وطبعا كل ما هو مرتبط بالسياسة. كل سلوكات أعضائه موضوعة تحت المجهر. لسلطات تلعب هنا دور المتلصص ولا يهمها أن تكون الحرب نقية أو لا؛ إذ في كل دول العالم يكون المعارضون تحت أنظار السلطات القائمة، غير أن الحزب الإسلامي يُتَعقَّب هنا في ميدانه المفضل، ميدان حروبه خلال الانتخابات: الأخلاق".
الأخلاق سلاح ذو حدين
الرميد ينفي أن يكون حزبه أطلق في يوم من الأيام شرارة "الحرب الأخلاقية"، عندما يقول، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، بأن المؤسسة الحزبية للعدالة والتنمية "كانت ولاتزال ضد خوض الحرب من منطلق الأخلاق"، ويكشف كيف رفض شخصيا في وقت معين تسريب معطيات عن شخصيات تورطت أو وُرطت في فيديوهات جنسية".
من جانبه، أفتاتي يدعو إلى التمييز بين دفاع الحزب عن الأخلاق، وهي معركة لا يمكنه التنازل عنها، واستخدام ورقة الأخلاق لسن حروب على خصومه، وهي المعركة التي يزعم أن "البيجيدي" يتعفف عن خوضها، حتى وإن كانت مادتها الخام موجودة وبوفرة.
"حزب العدالة والتنمية، يقول أفتاتي، كان ولايزال مدافعاً عن الأخلاق انطلاقا من خلفيته المرجعية والتكوين على أساسها لأعضائه، وهذا الخيار لا يمكن التراجع عنه"، لكن بالمقابل يرفض الخوض في الفضائح الأخلاقية لخصومه؛ "هناك ملفات كثيرة نرفض الخوض فيها لأنها مرتبطة بالأعراض والحياة الشخصية للمسؤولين في الأحزاب التي تعارض البيجيدي. هل سبق واستهدفت شخصيات من وازع الأخلاق تنتمي للأحزاب السياسية المعارضة لنا؟ إذا قمت بذلك راه ما نساليش".
لكن قيادة "البيجيدي" ليست على قلب رجل واحد في هذا الموضوع، البرلمانية اليعقوبي ترى أن أعضاء من حزبها "يوظفون فعلا سلاح الحياة الشخصية والخاصة لخصومهم"، بينما هي "كانت ولا تزال مدافعة عن الحريات الفردية للأشخاص مادام أنها لا تؤثر على المسؤوليات السياسية لأعضاء حزبها والتزاماتهم التنظيمية".
هذه التطمينات لاتقنع الناجي، الذي يرى أن "حزب العدالة والتنمية بدوره يعري ويفضح دائما من لا يصلون ولا يصومون رمضان، وأولئك الذين لا يلتزمون، حسبه، بتعاليم الله ورسوله، لهذا يسهل كثيرا أن يرتد ذلك في وجهه".
الحزب، يعتقد الناجي، "يكتشف أخيراً أن أعضاءه مثل باقي البشر لهم ميولات وقصص غرامية. والفرد هنا يخون الحزب بشكل ما، يخدش غطاءه الأخلاقي فلا يستطيع الدفاع عنه".
ويعترف الرميد بجانب مما يطرحه الناجي، لكنه يصر على التوضيح بأن "ما يصدر عن بعض أعضاء الحزب لا يمثل المؤسسة الحزبية، ويتم التنبيه له خلال اللقاءات التنظيمية وتوجيه أعضاء الحزب بضرورة الابتعاد عن الخوض في أعراض الناس"، مشيرا إلى أن "الحرب الأخلاقية في التدافع السياسي ليست من مصلحة أحد".
هنا يقدم الرميد مثالا برد فعل الحزب عندما راج حديث عن المثلية الجنسية لأحد المسؤولين، بالقول: "خلال تلك الفترة أتذكر أنه في أول اجتماع للفريق البرلماني مع افتتاح الدورة التشريعية، تناولت الكلمة في البداية، وكنت حينها رئيسا للفريق، وقلت إن أي حديث في الموضوع يعتبر خوضاً في أعراض الناس وهو أمر غير مقبول، وأي تصريح سوف يصدر عن أي عضو في العدالة والتنمية سيكون محط إدانة من المؤسسة الحزبية ولن نتساهل معه".
ويقدم الرميد مثالا آخر شبيها بما وقع مع عضو الحزب الذي ظهر في فيديو جنسي. يقول وزير الدولة "عندما كنت وزيرا للعدل والحريات ورئيسا للنيابة العامة، عرضت علي ملفات لشخصيات عامة تعرضت لنفس الأمر، منهم من قبل دفع المقابل المادي لكي لا تنشر فيديوهاتهم، ومنهم من اختار سلوك مسطرة المتابعة القضائية، وكنت أرفض بشكل قاطع تسريب أي معطيات أو خبر حول هذه الحالات، لأن هذا السلوك، كما قلت في السابق، يعتبر خوضا في أعراض الناس، وهو سلوك مرفوض".
المرأة الحلقة الأضعف
قضية أمينة ماء العينين مثال صارخ على ما يطرحه الناجي: لماذا تمت معاملتها بطريقة مختلفة عن الطريقة التي تم التعامل بها مع الوزير محمد يتيم؟ هل الأمر علاقة بتمييز إضافي ضد المرأة، التهمة التقليدية ضد الإسلاميين؟
أفتاتي يعتبر أن هذا الطرح "لا أساس له من الصحة"، ويقول إن لكل قضية سياقها وملابساتها وحيثياتها المختلفة.
في قضية الوزير، يقول أفتاتي "يتيم عضو في المجلس الوزاري وفي المجلس الحكومي، أصدرت في حقه حركة التوحيد والإصلاح بلاغاً، وقدم اعتذاراً رسمياً لأجهزة الحزب حول ما أثير عن خطيبته وطلاقه من زوجته"، والحزب "وجد نفس مضطراً لاحترام التراتبية في مسؤوليات الوزير يتيم؛ إذ لا يمكن أن تتخذ الأمانة العامة في حقه أي قرار وهو عضو في المجلس الوزاري".
أما في قضية آمنة ماء العينين، فيعترف أفتاتي بأن الأمر كان أكبر من اتخاذ قرار في هذا الشأن، ويعبر عن ذلك بالقول: "ما استهدف أمينة كان هادراً، بل حملة لا يمكن مواجهتها، كما أن الصورة لم تكن واضحة منذ البداية ولم نتوصل بالمعطيات بشكل دقيق وصريح".