العباس الوردي
عرفت الساحة الدولية خلال هذه الألفية جملة من المتغيرات التي غيرت مسار جملة من القضايا ومن ضمنها تلك المتعلقة بالهجرة، ذلك أن تزايد الفقر وعدم تباث الدورة السياسية الدولية وخاصة في بعض دول الجنوب يؤشر على تعاظم وضع إنساني قاتم إنها ظاهرة الهجرة غير النظامية الغير شرعية.
يشكل المغرب أحد البلدان التي تقصدها فئة عريضة من الحالمين بالهجرة نحو أوروبا، وذلك اعتبارا من وضعه الجغرافي القريب من أوربا وخاصة إسبانيا وخاصة عبر الثغرين المحتلين سبتة ومليلية، غير أن المغرب واعتبارها من استشعاره للمسؤولية الملقاة على عاتقه في تدبير هذا الملف جنبا إلى جانب الفرقاء الدوليين، لم يضن جهدا في تنزيل ميكانيزمات بامكانها التخفيف من حدة ووطأة هذه الظاهرة التي تعصف بحق أساسي إنه الحق في الحياة.
علاوة على دوره الإستراتيجي في باب محاربة الهجرة غير النظامية إلى جانب حليفه الإستراتيجي الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، دشن المغرب منذ سنة 2014 سياسة جديدة لمحاربة هذه الطامة، إذ بنى سياسة هجرة جديدة عنوانها جعل المغرب بلد استقرار بدل أن يبقى بلد عبور، وفي تلكم إشارة واضحة بأن المملكة المغربية تساهم بذلك في إيجاد بدائل فاعلة في هذا المجال لا لشيء إلا أنها تستشعر ثقل المسؤولية ماديا ومعنويا من أجل المساهمة المباشرة في كبح جماح هذا الخطر الإنساني بالدرجة الأولى.
لقد تمكن المغرب من حصد إشادات دولية كاعتراف دولي لما تشكله تجربته من تفرد وتميز على مستوى المنظومة الدولية، ما مرجعه إلى محافظته على عهوده سواء أتعلق الأمر بالعلاقات العادية أو حتى تلك التي تمت محاولة تعكير صفوها من لدن طرف خارجي، ويتعلق الأمر هنا بالعلاقات المغربية الإسبانية التي تشهد أوجها في هذه المرحلة بالذات، مرحلة عنوانها الجديد التعاون والازدهار المشترك والبناء على أساس الثقة وحسن الجوار الذي ترجع جذوره إلى التسعينيات.
لقد ساهم تنامي النجاحات التي حققها المغرب في أبواب شتى إلى محاولة الطرف الخارجي زرع فتيل الأزمة بين المملكة وشريكتها الإيبيرية وذلك من قبيل كيل جملة من الاتهامات الغير مبنية على أساس كما هو الحال بالنسبة لأحداث مدينة مليلية المحتلة، أحداث تتوازى مع سرعة إخراج الطرف الخارجي لبيان معد بطريقة مسبقة فيه اتهامات لا يمكن أن تصدر عن أجهزة الدولة الرصينة، ضاربة بذلك عرض الحائط كل القوانين والأعراف الدولية التي تنحو نهج حسن الجوار وضرورة تقديم الدلائل قبل إصدار الأحكام، علما بأن الطرفين اللذين مسهما هذا الحادث الأليم لا زال إلا غاية كتابة هذه الأسطر يتحرون الحقيقة عن طريق ملامسة واقع الحال بالظروف المحيطة ومن ثمة الخروج بدلائل دامغة من أجل ترتيب المسؤولية.
لذلك فعلى من قدم صك الاتهام أن يأتي بالدليل، مهمة صعبة المنال وستؤثر حتما على الوضع الدولي والاعتبار للطرف الخارجي الذي أصبح ينصب نفسه مشاكسا للمملكة المغربية في أكثر من مناسبة، غير أن توجهاته قد عادت وستعود بالسلب على مكانته الدولية وخاصة فيما يتعلق بدرجة الثقة التي يحتل المغرب أعلى المراتب فيها.
ومن ثمة، واعتبارا الاتهامات التي وردت في صك الطرف الخارجي، فإنه من واجب المنتظم الدولي بكل مكوناته أن يضطلع بمسؤولياته في هذا الباب، وخاصة فيما يتعلق بالتحقيق في واقعة مليلية التي يجمع الكل على أنها دبرت بفعل فاعل، هذا الأخير الذي حان وقت محاسبته لأنه لم يعد يكترث للشرعية الدولية المتأسسة على القانون الدولي وأصبح ينصب نفسه محاميا للعالم من دون سند قانوني.
لذلك، وجب القول بأن السبب والمسبب والعلاقة السببية هي لازمة من الضروري أن تفكك المنظومة الدولية شفرتها وخاصة في الشق المتعلق بجنسيات 2000 مهاجر الذين حاولوا عبور السياج نحو مليلية المحتلة، من ساعدهم على الوصول إلى هذه المنطقة، من أطرهم ومن مولهم بالأسلحة البيضاء وغيرها، ذلك أن الأمر لا يتعلق بالأمن المغربي لوحده، وإنما يرتبط بالأمن الدولي برمته.