العنف الجنسي.. لماذا تلتزم النساء الصمت؟

تيل كيل

منذ 10 فبراير الجاري، شرع ائتلاف "ماسكتاش" في نشر شهادات نساء ضحايا العنف الجنسي على الشبكات الاجتماعية. فبعد مرور سنتين على اعتماد القانون "103-13" المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء، أخذ الحديث حول هذه الظاهرة المستشرية والتابو في الآن نفسه، في التحرر شيئا فشيئا، بيد أن الطريق المؤدي إلى القضاء بهذا الخصوص مازال مليئا بالكثير من العراقيل.

"مغتصبي اسمه يبتدئ بـ"أ. س". عائلته تملك واحدة من أكبر المجموعات العقارية في البلاد. حادثة الاغتصاب وقعت لما كان عمري 15 سنة". بهذه العبارات تبتدئ واحدة من الشهادات المجهولة العديدة المنشورة منذ 10 فبراير الجاري على صفحة الفيسبوك التابعة لائتلاف "ماسكتاش".

ويندد هذا الائتلاف، الذي أنشئ في 2018، بكل أشكال العنف التي تتعرض له المرأة ويستنكر "شرعنة" ثقافة الاغتصاب في المغرب. ويعتبر في ندائه المنشور على الشبكات الاجتماعية، أنه من الضروري تحرير الكلام وتشجيع الضحايا على الحديث والفضح، "لأن الخوف يجب أن ينتقل إلى المعسكر الآخر، ولأن تقديم الدلائل على الاغتصاب والاعتداءات الجنسية غالبا ما يكون صعبا جدا(...) فلتفضحن هؤلاء المفترسين الذين يمارسون هذه الجرائم بدون عقاب، نتيجة لصمتكن" يقول ائتلاف "ماسكتاش".

وتأتي هذه المبادرة الجديدة بعد بضعة أيام فقط على وضع شكاية لدى ولاية الأمن بالدار البيضاء تتهم فيها صحافية فرنسية مستشارا رقميا لدى "التجمع الوطني للأحرار" باغتصابها. ولكن هذا الأخير الذي يوجد رهن الاعتقال الاحتياطي، ينكر الاعتداء الذي تقول المشتكية إنه جرى في شتنبر الماضي ونقلت على إثره إلى المستعجلات.

"عندي جميع الدلائل والحجج لي كتتبث البراءة ديالي من الادعاءات الكاذبة الموجهة إلي" قال المدعي عليه في تدوينة طويلة على صفحته بالفيسبوك، منددا بما اعتبره "مؤامرة" تروم "تشويه سمعتي".

وإن كانت المشتكية قد انتظرت عدة شهور قبل اللجوء إلى القضاء، فالسبب هو "ترددها" في الاتصال بالشرطة، حسب أحد المقربين منها بالموقع الإخباري "Yabiladi "(...) والحال أن هذه الصحافية الفرنسية ليست الضحية المفترضة الوحيدة للاعتداءات الجنسية التي تظل سجينة الانتظار لشهور بل ولسنوات قبل أن تقرر رفع دعوى أمام القضاء.

وحسب نتائج البحث الوطني الثاني لـ"المندوبية السامية للتخطيط" حول انتشار العنف ضد المرأة – المنشور في دجنبر الماضي – فإن قليلا جدا من النساء ضحايا الاعتداءات الجسدية أو الجنسية يجرأن على فضح المعتدي عليهن، إذ أن 10.5% فقط من ضحايا العنف تقدمن بشكوى (18% منهن بخصوص العنف الجسدي، وأقل من 3% من أجل العنف الجنسي) في الـ12 شهرا الماضية. ورغم ضعف هذه النسبة فإنها تمثل تحسنا طفيفا مقارنة مع تلك المسجلة قبل عشر سنوات، إذ لم تكن تتجاوز 3% في 2009.

صعوبات جمة

لقد وضعت "فيدرالية رابطة حقوق النساء" الأصبع على صعوبة وصول النساء إلى القضاء في دراسة حول نجاعة تطبيق المحاكم لقانون "103-13" المتعلق بالعنف ضد المرأة الذي تمت المصادقة عليه في فبراير 2018.

وتقول الفيدرالية في هذه الدراسة التي نشرت في نونبر الماضي: " النساء في المغرب ما زلن يواجهن عراقيل تحول دون لجوئهن إلى السلطات المكلفة بإنفاذ القانون للتبليغ عن حالات العنف التي يتعرضن لها، تتعلق، أساسا، بالحق في الولوج إلى العدالة".

كما أشارت هذه الهيئة إلى أن عددا كبيرا من الشكاوى التي وضعت لدى مفوضيات الشرطة أو لدى مراكز الدرك أو لدى الخلايا المكلفة بالنساء المعنفات لا تصل إلى المحاكم، لأسباب عديدة: سحب الشكاوى، غياب الدلائل، إهمال المشتكيات لشكاواهن بسبب صعوبة الاستماع إلى الطرف الآخر...

إن هذه العراقيل القانونية، بالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية والنفسية والمسطرية، تدفع بتسع نساء من أصل 10 إلى عدم التبليغ. وتفصل مندوبية التخطيط أكثر في الموضوع قائلا إن "تسوية النزاع بالتراضي، وتدخل العائلة، والخوف من انتقام مرتكب أحداث العنف، والإحساس بالعار أو الحرج خصوصا عندما يتعلق الأمر بالاعتداءات الجنسية، كلها من الأسباب الرئيسية التي تم التصريح بها كعراقيل تحول دون وضع شكاوى لدى السلطات المعنية".

قانون مختل

وحتى لما تتدخل الشرطة في الموضوع، فنادرا ما تصل قضايا العنف ضد النساء إلى مكتب وكيل الملك. ولذلك تدعو المناضلات النسوانيات إلى تصحيح اختلالات القانون "103-13" حتى يسهل على النساء الوصول إلى القضاء عند تعرضهن للعنف وخاصة الجنسي منه. وتقول لطيفة بوشوى، رئيسة "فيدرالية رابطة حقوق النساء" بهذا الصدد: "طبقا لهذا القانون، على المرأة لوحدها رفع الشكوى وتقديم الإثباتات. ولا تستفيد من مجانية الإجراءات القضائية. علينا تحسين هذا القانون حتى يكون من حق النيابة العامة أو أحد أقارب الضحية المساهمة في رفع الدعاوى، ويكون من حق الضحية الاستفادة من خدمات المحامي بالمجان".

وفضلا عن التعقيدات القضائية والمالية والثقافية والاجتماعية التي تعترض سبيل النساء ضحايا العنف الجنسي، ترى بوشوى أن هناك عراقيل أخرى ذات طبيعة هيكلية. وتوضح هذا الأمر بالقول "طالما أن وضع المرأة في مدونة الأسرة لم يتم إصلاحه بناء على قاعدة الإنصاف والمساواة، ستظل النساء خائفات من نظرة المجتمع ونظرة عائلاتهن، ومن الطلاق، ومن الانتقام... إلخ. كل هذا يثنيهن عن التبليغ ضد المعتدي عليهن".

وتشاطرها الرأي، فوزية العسولي، الرئيسة الشرفية لـ"فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة"، التي ترى أن التمييز والنظام البطريركي هما مشتل العنف الجنسي. وتقول مستاءة إن "النساء لا يعتبرن لحد الآن مواطنات كاملة المواطنة، بما في ذلك على المستوى القانوني، بالرغم من أن الدستور ينص على المساواة بين الرجال والنساء. يجب على الدولة أن تكون واضحة بهذا الخصوص وتعمد إلى ملاءمة الإطار التشريعي، وإدانة أشكال العنف الجنسي غير المعترف بها اليوم مثل الاغتصاب الزوجي"، ثم أضافت "حين يضمن المشرع المساواة على كل الأصعدة، إذاك يمكننا أن نتوقع تحسنا في سلوكات كل الفاعلين المعنيين بمكافحة كل أشكال العنف ضد النساء: رجال الشرطة، رجال الدرك، القضاة ..إلخ.. ليس هذا هو الوضع القائم اليوم".

اللوم على الضحية !

وحتى في حال التقدم بشكوى، فإن التشكيك في رواية الضحية، وإمطارها بأسئلة متحيزة (ماذا كنتِ ترتدين؟.. ماذا كنت تفعلين في الشارع وحدك؟ هل لك سابق معرفة بهذا الرجل؟) يمكن أن يحرج المشتكيات كثيرا ويحسسهن بعدم الأمان.

وتقول سناء العاجي، مؤلفة كتاب "الجنسانية والعزوبة بالمغرب" (2018) إن "رجال الشرطة والدرك ليس لديهم دائما التكوين الملائم الذي يخول لهم مواكبة هؤلاء النسوة. كما أن هذين المجالين تسود فيهما نوع من الذكورية. نحن فعلا في حاجة إلى تغيير البنيات الذهنية للسلطات المكلفة بإنفاذ قوانين هي في حد ذاتها غير كافية".

فضلا عن هذا، فإن ذلك الإحساس بالذنب والعار، الذي ينتاب عادة كل امرأة ضحية للعنف الجنسي، قد تعاظم مع هيمنة الشبكات الاجتماعية. " بدلا من أن يقتصر العار على محيط محدود (العائلة، الحي، القرية)، فإن أي امرأة تقوم اليوم بفضح حالة اغتصاب والجهر بها قد تصبح عرضة للسخرية من طرف رواد الإنترنيت الذين سيطعنون في شهادتها، وسيسخرون من شكلها وسنها، معتبرين أنها ليست صغيرة ولا جميلة بما يكفي حتى تجذب أنظار الرجل !" تقول العاجي(...)

لا ملاذ

تتمثل الصعوبة الأخرى التي تأتي على ذكرها المحاميات والمنتسبات للجمعيات النسائية، اللواتي اتصلت بهن "تيل كيل"، في نقص البنيات الخاصة بإيواء النساء ضحايا العنف الجنسي والتكفل بهن. وتأسف فاطمة الزهراء الشاوي، رئيسة "الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء"، أن "القانون 103-13 لم يأت بالشيء الكثير على هذا المستوى. اكتفى فقط بمأسسة خلايا الاستماع واستقبال النساء ضحايا العنف. وهذه الخلايا توجد لدى الشرطة، وفي المحاكم، ولدى الدرك، وفي المستشفيات. ولكن لا يتم التواصل بشأنها كما أن ظروف الاستقبال بها لا تكون ملائمة لوضع النساء المعنفات. مثلا، القليل من الأطباء الشرعيين لديهم تكوين في كيفية استقبال ضحايا العنف الجنسي".

وتستقبل هذه البنية، التي أنشئت بالدار البيضاء منذ عام، حوالي مائة امرأة معنفة في الأسبوع. وتوجد بها "مستمعات" يأخذن منهن شهاداتهن قبل أن يوجهنهن إلى المصلحة القانونية والطبية والنفسية المختصة. "إن القانون لا ينص على تدابير لحماية النساء المعنفات، ومراكز الإيواء غير كافية وتفتقر إلى الموارد.. كل هذا قد يعرض المشتكيات إلى الخطر" تضيف الشاوي بنبرة استياء.

وقد تعرضت بالفعل شابة بسطات، في شتنبر الماضي، للطعن من طرف جارها الذي قدمت شكوى ضده بسبب التحرش. في ذلك الشهر ذاته، انفجرت قضية أخرى شغلت الرأي العام: قضية الصيدلي الذي قتل زوجته بالصخيرات لأنها رفعت دعوى ضده تتهمه فيها بالعنف. "خوفا من الانتقام، تُحْجم العديد من النساء عن اللجوء إلى القضاء" تضيف رئيسة "الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء".

ومن هنا تنبع ضرورة سلك سبل الوقاية والتحسيس والحماية، خاصة في صفوف الشرائح الأكثر هشاشة وفي المناطقة المعزولة، مع العلم أن العنف الجنسي يطال نساء مختلف الأوساط الاجتماعية. وفي تقدير لطيفة بوشوى، رئيسة "فيدرالية رابطة حقوق النساء"، فإن التحسيس يجب أن يكون متواصلا: "من الضروري أن تطلق اللجان الوطنية والجهوية والمحلية مخططات للتواصل والتحسيس المستمر" حتى تصل الرسالة إلى أكبر عدد ممكن من النساء.. وبالتالي يمكن كسر قانون الصمت الرهيب...

عن "تيل كيل" بتصرف