تتخذ الدبلوماسية الرياضية أبعادا مختلفة في التعريف بالأهمية التي يوليها المغرب للدول الإفريقية، بهدف تعزيز سمعته على المستوى الدولي، وتقديم رؤى جديدة ومختلفة عن الطريقة التي ينظر بها المغرب، عبر أطره ومؤسساته، إلى دول القارة، ولعل الإطار الوطني رشيد الغفلاوي أحد الوجوه الرياضية الرائدة في هذا المجال.
من خلال نشاطه المستمر في الساحة الدولية، وداخل "أدغال إفريقيا"، سعى الغفلاوي إلى تسليط الضوء على المغرب كوجهة رياضية، بالإضافة إلى كسب إشادة عدد من الأطر والمؤسسات بمجهوداته الكبيرة، وهو ما يعد أداة قوية لتعزيز الانفتاح الوطني وتغيير بعض الرؤى تجاه المغرب.
في هذا العدد من مجلة "TEL SPORT"، يطلعنا المدرب الحالي للجمعية السلاوية، والإطار الوطني الذي خاض تجارب كثيرة في دوريات القارة السمراء، على إنجازاته ورؤيته للرياضة المغربية مقارنة بنظيرتها الإفريقية، وكذا رؤيته للرياضة المغربية في ظل الاستحقاقات الكبرى التي تنتظر المغرب، وأبرزها كأس أمم إفريقيا 2025، وكأس العالم 2030.
انتقلت من مراكش لاعبا إلى إفريقيا مدربا لعدد كبير من الأندية، ما القصة؟
لعبت في الكوكب المراكشي من 1984 إلى غاية 1993 ضمن فريق الأمل، وبعد ذلك في فريق النسمة البيضاوية، ثم مولودية مراكش، لأقرر إنهاء مساري الرياضي كلاعب سنة 1997، ثم بدأت مغامرة التدريب.
ومنذ موسم 2000-2001، خضت تجارب مع الفرق المنتمية للهواة، وكانت أول فرصة أتيحت لي لولوج عالم الاحتراف في التدريب في موسم 2014-2015، وبالضبط مع أحد أكبر الأندية النيجيرية "الساحل النيجيري"، حينئذ، وجدت فارق النقاط بينه وبين المتصدر 11 نقطة، وتمكنت من احتلال المركز الأول بفارق نقطة عن الفريق العسكري النيجيري.
شاركت لأول مرة في كأس الاتحاد الإفريقي، وواجهنا في دور الـ16 نادي مولودية الجزائر، الذي كان يشرف على تدريبه البرتغالي أرثر جورج، المتوج بثلاثة ألقاب في عصبة الأبطال الأوروبية، تعادلنا خلال المباراة مع الفريق الجزائري ذهابا وفزنا إيابا، لنحقق أفضل إنجاز في تاريخ الكرة النيجيرية، والتتويج بكأس السوبر لهذا البلد.
كيف تفاعل الاتحاد النيجيري لكرة القدم مع هذا الإنجاز؟
طبعا، هذا الإنجاز فتح الباب أمام القائمين على كرة القدم النيجيرية، وقدموا لي عرضا لتدريب المنتخب النيجري، وهو ما لم يتم بسبب خلافات وصراعات بين مسؤولي نادي الساحل النيجري والاتحاد النيجري، بحكم أنني كنت مرتبطا بعقد مع فريق الساحل.
ما خصوصية تحقيق أول لقب خارجي؟
منذ تولي مسؤولية الطاقم التقني للفريق الكونغولي "سانغا بلاندي"، دخلت غمار البطولة بشغف كبير لتمثيل أطر بلدي بشكل قوي. وهناك، حققنا المرتبة الثانية في الدوري، وكنا أبطال الخريف، في مفاجأة كبرى بحكم وجود مدربين كبار بأندية كبيرة مثل "فيتا كلوب"، و"تيبي مازيمبي"، و"دارينغ موتيمبا تيمبي"، وتمكنت من ضمان مشاركة إفريقية للنادي.
وخلال ذات الموسم، حصلت على لقب ثاني أفضل مدرب بعد كلود فيلود، الذي أحرز اللقب، وفلوران إيبينغي، المدرب الحالي للهلال السوداني، وهو ما دفع مكونات الفريق إلى تقديم عرض آخر لموسم ثان لدخول غمار المنافسة الإفريقية وملاقاة نادي المريخ السوداني في الدور الأول. لقد كانت تجربة رائعة خلدت فيها اسمي بحروف من ذهب.
ماذا تشكل لك التجربة بعدد من دوريات إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالمغرب في ما يخص عالم التدريب؟
أكيد أنني أكن لدول جنوب الصحراء كل الاحترام والتقدير، فقد كان لها الفضل الكبير في بروز اسم الغفلاوي رشيد كمدرب محترف، يمثل الأطر المغربية ويجول داخل القارة السمراء، وهذا كله فتح شهية العديد من الأطر المغربية والعربية للعمل داخل القارة في دوريات لم نعهد فيها وجود أطر مغربية، وعلى سبيل المثال رشيد الطاوسي الذي يتقلد مهمة قيادة نادي عزام التنزاني، ولمياء بومهدي، مدربة نادي تيبي مازيمبي.
هل تقصد أن اسمك أصبح أكثر حضورا في دول جنوب الصحراء؟
نعم، إفريقيا تعرف الغفلاوي جيدا، ولها الفضل في ما أنا عليه الآن، كما أنني نسجت علاقات كثيرة في مختلف الدول، وتمكنت من دراسة عقلية اللاعبين والبطولات وخبايا كرة القدم الإفريقية بشكل عام.
لقد أكسبتني التجربة الشيء الكثير، كما أنني راض لأنني مثلت بلدي أحسن تمثيل وما زلت، لأن المغرب بلد إفريقي وسيظل كذلك نموذجا للتعاون، ويجب ألا ننسى أن خارطة الطريق التي رسمها الملك محمد السادس كانت نبراسا للأمل وشمعة تضيء طريق كل مغربي اختار العمل في أدغال إفريقيا.
حدثنا عن تجربتك في كوت ديفوار؟
لقد كانت تجربة مميزة جدا، فقد كنت دائما أرغب في تدريب فريق بهذا البلد الشقيق، فهو بلد شغوف بكرة القدم ويعتبر من أكبر الدول المصدرة للاعبين إلى مختلف بلدان العالم.
خلال هذه المرحلة، تلقيت عرضا من نادي "واك دابيدجان"، الذي كان يعاني بعد خروجه من دور المجموعات في عصبة الأبطال الإفريقية، واحتل الصف الأخير وكان قريبا من النزول للقسم الثاني. بدأنا العمل بكل جدية وحزم مع لاعبين كبار مثل سيرج غي، الذي انتقل لاحقا إلى روما، ولاسينال ديارا، الذي انتقل إلى فالنسيا، وأطوهولا، الذي يمارس حاليا في يونغ بويز، وبذلك تمكنا من إنقاذ هذا الفريق من النزول، وارتقينا به إلى الصف الثالث مناصفة مع أسيك ميموزا، كما أحرزنا لقب مرحلة الإياب بـ12 انتصارا وهزيمة واحدة، ما منحني احترام الجميع في هذا البلد الشقيق.
صنفت ضمن 10 مدربين واعدين، ماذا يعني لك ذلك؟
نعم، كان لي الشرف أن أصنف ضمن أفضل 10 مدربين واعدين من الجيل الجديد من طرف مجلة عربية. هذا يجعلني أكثر إصرارا واجتهادا في عملي، ويجب ألا أن ننسى الدور الكبير للإدارة التقنية الوطنية للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وعلى رأسها فتحي جمال، في تكوين جيل من المدربين الناجحين، سواء أكانوا مغاربة أو أفارقة من دول جنوب الصحراء.
المغرب مقبل على أوراش رياضية كبرى، كيف تقرأ هذه الاستحقاقات؟
كرة القدم المغربية تطورت بشكل كبير مقارنة بدول الجوار أو حتى على المستوى العالمي. فما حققه المنتخب المغربي في السنوات الأخيرة يعد مكسبا للقارة الإفريقية وإنجازا تاريخيا قل نظيره.
كل هذا أعطى للمغرب إشعاعا كبيرا وخول له شرف تنظيم تظاهرات عالمية وإفريقية. وهذا النجاح تحقق بفضل الرؤية الملكية، دون أن ننسى الدور الكبير لرئيس الجامعة، فوزي لقجع، وحنكته في الدفع بكرة القدم الوطنية نحو العالمية.
ما تقييمك لمستوى البطولة الوطنية خلال الموسم الجاري، في ظل النقاش الدائر حول التحكيم؟
مستوى البطولة الوطنية في تراجع كبير، والدليل على ذلك هجرة اللاعبين لدوريات أقل تنافسية. كما أن الأندية لم تعد قادرة على إنتاج لاعبين من الطراز الأول، وهو ما يتطلب إعادة النظر في المنظومة بأكملها.
أما في ما يتعلق بالتحكيم، فهناك جدل كبير، وعلى المديرية والهيئات المختصة أن تجد حلولا ناجعة لضمان تطور المنظومة الكروية وإعادة الثقة بين جميع المتدخلين في اللعبة.