اكرام اقدار
تعتبر حرية الرأي والتعبير والحق في الوصول إلى المعلومة، من الحقوق الأساسية التي يفترض أن يتمتع بها كل فرد في المجتمع، والتي في السياق المغربي يضمنها القانون من خلال الدستور وعدد من القوانين التنظيمية.
حيث يؤكد الدستور المغربي في الفصل 25، على أن "حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها"، وأن "حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة". ويؤكد الفصـل 28 بدوره على أن " حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية".
وارتباطا بهذا، فالحصول على المعلومات يعد جزءًا لا يتجزأ من حرية الرأي والتعبير. حيث، يقر الفصـل 27 بأن "للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. ولا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد..."
وبالرغم من التقدم المحرز في السياق المغربي على مستوى تبسيط الولوج للمعلومة وتطور وسائل الإعلام الرقمية والخطوات المنجزة في اتجاه تعزيز حرية التعبير إلا أن التقارير تكشف تراجع مستوى حرية الصحافة؛ حيث كشفت دراسة حديثة تراجع تصنيف المغرب وفق مؤشر “Freedom Press Index”، محتلا الرتبة 144.
كما سجل المغرب ارتفاعا في عدد الملاحقات القضائية المرتبطة بحرية الرأي والتعبير، حيث وثقت منظمات حقوقية عشرات الملاحقات القضائية "بسبب النشر على وسائل التواصل الاجتماعي"، وخلصت إلى أن هناك "تراجعا حقوقيا كبيرا". وقد رسمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مؤخرا صورة "سوداوية" لوضع حقوق الإنسان والتعبير بالمغرب.
حرية التعبير عبر الفضاء الرقمي، في ظل "الجهل" بالضوابط والقيود القانونية.. كيف يؤثر؟
إن الحديث عن حرية التعبير ونشر المعلومة في الفضاء الرقمي، يحيلنا إلى الدينامية التي يعرفها هذا الفضاء في المغرب، والذي يعكس توجهات المجتمع وتحولاته الثقافية والسياسية. وما يتيحه من إمكانيات للتعبير وتبادل المعلومات، إلا أنه في الوقت ذاته يواجه تحديات في تحديد حدود الحق في نشر المعلومة والتعبير بحرية.
وعليه، فإن حرية التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل "الجهل" بالضوابط والقيود القانونية على حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومة، ساهم في انتشار ما يسمى بالجرائم الإلكترونية التي تتعلق بالتشهير أو نشر المعطيات الخاصة للأفراد وغيرها من الجرائم التي أصبح القانون الجنائي المغربي يعاقب عليها.
تبعا لهذا، ارتبطت العديد من القضايا التي تدخل ضمن الجريمة الإلكترونية في سياق حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومة، بأسماء صحفيين أو صناع محتوى (نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي) جرى توقيفهم أو اعتقالهم بسبب نشر معلومات خاصة بشخصيات عامة أو الخوض في التشهير ونشر معلومات زائفة.
يحلينا هذا الأمر على قضية اليوتوبر محمد رضا الطاوجني الذي تم اعتقاله فبراير الماضي بأكادير، وحكم عليه بسنتين حبسا نافذا وغرامة مالية، وذلك على خلفية تهم تتعلق حسب وسائل إعلام الكترونية، أساسا بـ"التشهيير وانتحال صفة مهنية ينظمها القانون، وإهانة موظف عمومي أثناء قيامه بمهامه، وبث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة قصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم، إضافة إلى تسجيل وبث صور شخص دون موافقته".
وفي سياق متصل، أدانت الغرفة الجنحية التلبسية بالمحكمة الابتدائية بسلا، فبراير المنصرم، أشرف بلمودن، بثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية، على خلفية شكاية ضده من طرف إدارة نادي الوداد الرياضي؛ حيث اتهم هذا الأخير "بالتشهير ونشر أخبار زائفة"، تبعا لتصريحات أدلى بها في إحدى فيديوهاته.
في هذا الصدد صرح الصحافي و رئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان ابراهيم الشعبي، بأن حرية التعبير في الفضاء الرقمي أصبحت تثير نقاشا في الآونة الاخيرة خاصة، مع تعرض عدد من النشطاء للاعتقال في قضايا تتعلق بحرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي. موضحا أن "غالبية النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عموما، لا يدركون حدود حرية الرأي والتعبير في الفضاء الرقمي، ولا يحترمون بعض الضوابط الخاصة بالتعبير والنشر في هذا الفضاء".
ويضيف الشعبي في السياق ذاته، "أما بالنسبة للصحفيين فهم غالبا منضبطون لضوابط المهنة، ولحدود حرية التعبير، سواء في عملهم الصحفي أو في حضورهم على مواقع التواصل الاجتماعي".
واعتبر ابراهيم الشعبي أن "الجهل يالقانون لا يعفي من المتابعة لأن الجرائم الالكترونية مرتبطة بالقانون الجنائي، وهو أيضا لا يعفي احدا من المساءلة القانونية".
وفي المضمار نفسه، قال سعيد تمام، دكتور في القانون العام والعلوم السياسية إن "الملاحظ في استعمال وسائط التواصل الاجتماعي، عدم الإدراك الكافي لمبدأ "عدم التعسف في استعمال الحق"؛ حيث يسود إخلال فضيع بضوابط احترام العيش المشترك في بيئة حرة، وهذه الصورة هي نتيجة تلقائية لضعف التربية على استعمال هذه التقنيات والجهل بضوابط النشر والتعبير عبرها".
ويؤكد تمام أن "الجهل بهذه القواعد يكون أشد خطورة، وصعب التبرير، حينما يكون مصدر التعسف في استعمال حرية التعبير هم الصحافيين".
هل تقيد الضوابط القانونية للتعبير ونشر المعلومة الحق في حرية التعبير والحق في الوصول الى المعلومة؟
تنص المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بدورها على عدد من الضوابط القانونية التي تؤطر الحق في التعبير، حتى تتناسب الحرية مع المسؤولية في ممارستها. وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من القرارات في هذا الشأن، " تؤكد على أن نفس حقوق الأشخاص التي يجب حمايتها في المجتمع يجب أيضا حمايتها في الفضاء الرقمي". لهذا حظرت مراقبة الاتصالات واعتراضها خارج نطاق القانون وجمع البيانات الشخصية والتنصت واختراق الهواتف لأنها أفعال تنتهك الحق في الخصوصية وتتعارض مع مبادئ المجتمع الديمقراطي.
وبالتالي فحرية التعبير "مقيدة" حتى في القانون الدولي الذي يكرسها، لكن بشروط واضحة تنص على أن يكون هذا "التقييد" ضروريا "لحماية النظام العام والصحة العامة وأن يكون منصوصا عليه في القانون في إطار مجتمع ديمقراطي". وهذا معمول به في الدول الديمقراطية، ففي بعض الأحيان ينتهك بعض مستعملي الفضاء الرقمي القوانين الخاصة بحماية الخصوصية بسبب جهلهم بها أو لأسباب أخرى.
وتبعا لذلك، صرحت خديجة الرياضي الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بأن "القيود التي تؤطر حرية التعبير، عوض أن تستعمل لحماية حقوق الناس وخصوصيتهم، يتم استغلالها سياسيا من طرف السلطة لاعتقال المدونين المزعجين بدعوى المس بالخصوصية أو القذف بالأشخاص،حيث يتعرضون لاعتقالات تعسفية، دون احترام للمساطر القانونية ودون إثبات للتهم الموجهة لهم في محاكمة عادلة، رغم أن قانون الصحافة لا ينص على العقوبات السالبة للحرية، وهو القانون الذي يفترض متابعتهم به، بينما يتابعون غالبا بالقانون الجنائي".
تقول الرياضي،في نفس السياق، إن "هذه الأمور تبين أن عددا من النشطاء في المغرب كانوا ضحية لقيود حرية التعبير، من طرف السلطة. مما يعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان في الفضاء الرقمي. لهذا يمكن القول أن ما يهدد حرية التعبير هو سوء استعمال تلك القيود من طرف السلطة واستغلالها سياسيا".
تضيف المتحدثة نفسها"أما الحق في الوصول إلى المعلومة فهو منتهك بشكل عام وليس فقط في المجال الرقمي. ثم إن الهيمنة التي تفرض على الفضاء الرقمي من طرف السلطة بمختلف الوسائل، هي ما يشكل قيودا لحرية التعبير في الفضاء الرقمي. وقد حاولت الحكومة وضع المزيد من القيود خلال مشروع قانون 22 ـ 20 خلال سنة 2020 لكن تم التصدي له في الفضاء الرقمي بحملة واسعة وتم التراجع عنه، ولزالت التهديدات مستمرة من طرف الحكومة بالمزيد من التضييق على حرية التعبير في الفضاء الرقمي".
ومن جهته، يذهب رئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان ابراهيم الشعبي، إلى أن "الضوابط القانونية لحرية التعبير والحق في الوصول الى المعلومة يفترض أن تكون (وهي كذلك بالفعل) منظمة لحرية الرأي والتعبير من حيث المبدأ، ولا يجب ان تكون قيدا على الصحافة والصحفيينوالتنظيم ضروري على اعتبار أن السب والتشهير …ليس حرية تعبير، ويضيف الشعبي، " هذا لا ينفي أن بعض المصطلحات القانونية هي فضفاضة غير صريحة وعامة وبالتالي قد تسيء لحرية التعبير؛ فلا يعرف المواطن أو الصحفي اين تبدأ الحرية وأين تنتهي وحدودها ومجالاتها".
ويؤكد دكتور القانون العام والعلوم السياسية سعيد تمام ارتباطا بالموضوع، "أن وضع القيود على الحق في الحصول على المعلومات هو بشكل تلقائي تقييد للحق في التعبير".
ويفسر ذلك بأن "القاعدة الأساسية للمواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، لاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تؤكد على أن حرية التعبير، مهما كانت الوسيلة المستعمَلة، لا يمكن تقييدها إلا بموجب القانون، وتأسيسا على ذلك، فالحرية هي الأصل وتقييد هذه الحرية هو الاستثناء".
بين هذا وذاك، إن وضع حرية التعبير في الفضاء الرقمي، يتعين البحث له عن مدخل تنظيمي لضبطه، لاسيما في مجال الصحافة والإعلام، عبر ميثاق أخلاق مهنة الصحافة وذلك بوضع ضوابط يكونُ الخيط الناظم لها هو تنظيم النشر الشخصي للصحافي على شبكات التواصل الاجتماعي، لحماية ضمير المؤسسات الصحافية وصورة الصحافي وشرف المهنة من بعض الممارسات التي تتم دون مراعاة للوضع الاعتباري لهذه المهنة.
وعليه، يبدو أن حرية التعبير في الفضاء الرقمي تضيق في كثير من الحالات حيث يواجه الصحافيون أو المدونون المساءلة القانونية، بسبب ممارسات أصبحت تسمى بـ"الجرائم الإلكترنية"، والتي يعاقب عليها القانون، هذا الأخير الذي يضمن الحق في الوصول إلى المعلومة، والحق في الرأي والتعبير بحرية وفق ضوابط.
وبالنظر لما تعرضه النصوص القانونية المرتبطة بالحريات العامة والحق في التعبير، يتبين أن حرية التعبير في الفضاء الرقمي، يجب أن تمارس باستحضار الاعتبارات القانونية بما يحفظ الحياة الخاصة للأفراد وحقوقهم ومبادئ المجتمع الديمقراطي.
ورغم ذلك فإن السياق اليوم لا يسمح باستغلال القيود والضوابط بمختلف أنواعها، للتضييق على حرية التعبير عبر أي شكل من الأشكال.