الفيضانات والجفاف بالمغرب.. عوامل دخيلة تسرع وثيرة التقلبات وتزيد من حدتها

تيل كيل عربي

خديجة قدوري-صحافية متدربية

يشهد المغرب في السنوات الأخيرة تقلبات مناخية حادة تتراوح بين موجات حر شديدة وجفاف ممتد، وأحيانا عواصف مفاجئة وأمطار غزيرة تتسبب في فيضانات مدمرة. وفي هذا السياق، شهدت مناطق مثل ورززات وأزيلال وفكيك وبولمان والرشيدية وميدلت وتنغير تأثيرات هذه التقلبات، حيث اجتاحت أمطار عاصفة تلك المناطق مما أدى إلى سيول جارفة وخسائر مادية كبيرة.

التقلبات المناخية.. تأثيرات عالمية وواقع مغربي هش

وفي هذا السياق قالت أميمة خليل الفن، باحثة مختصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة أن  "المناخ دائم التغير ولا يشهد استقرارا، والجديد اليوم هو وجود عوامل دخيلة تسرع وثيرة التقلبات وتزيد من حدتها. والعامل الرئيسي في ذلك هو الانبعاثات الغازية التي تؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، مما يتسبب في تغيرات مناخية وارتفاع درجة حرارة الأرض. هذا الارتفاع يؤثر على النظم الإيكولوجية ويؤدي إلى اضطرابات في الطبيعة، مما يزيد من تطرف الظواهر المناخية".

وأضافت الخبيرة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة أن "الفيضانات والأمطار الغزيرة وارتفاع درجة الحرارة هي ظواهر طبيعية. إلا أن ما يثير القلق هو شدة هذه الظواهر منذ الثورة الصناعية، بعد أن شهدت الانبعاثات الغازية ارتفاعاً كبيراً، وخاصة في المغرب، مما أثر بشكل مباشر على الغلاف الجوي والمناخ. ويجب أن ندرك أن هناك ترابطاً وثيقاً بين التغير المناخي العالمي والوضع في المغرب، حيث يتميز البلد بمناخ هش نتيجة تنوعه المناخي".

وتابعت قائلة: "إن أسباب التغيرات المناخية تعود بالأساس إلى هشاشة البنية التحتية، حيث أن كل ظاهرة مناخية متطرفة تتسبب في خسائر كبيرة على المستوى البشري والمادي".

من جهته، أوضح المهندس محمد بن عبو، خبير المناخ والتنمية المستدامة، أن "التقلبات المناخية هي ظاهرة تؤثر على كوكب الأرض بأسره، حيث تتعرض بعض الدول لأضرار أكبر مقارنة بدول أخرى، مثل دول شمال إفريقيا وبالأخص المغرب، الذي يقع في منطقة مناخية تشهد تغيرات مناخية سريعة. وأن حوض البحر الأبيض المتوسط يشهد تزايداً مستمراً في هذه التغيرات، والتي يفوق تأثيرها ما يحدث في القطبين الشمالي والجنوبي، ويعود ذلك أساساً إلى ارتفاع درجات حرارة البحر والأرض في هذه المنطقة."

وأضاف الخبير: "كما يعاني المغرب حالياً من ظاهرة الجفاف، فإن دولاً أخرى مثل إسبانيا وعدة دول أخرى تواجه نفس التحديات. هذه الظاهرة تؤثر على العديد من الدول عالمياً، مع تأثر بعض المناطق بشكل أكبر مثل جنوب شرق آسيا، ودول القارة الإفريقية، وأمريكا اللاتينية، ودول البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك جنوب أوروبا وشمال إفريقيا".

وأكد قائلاً: "صنّف العلماء ظاهرة التغيرات المناخية على أنها نتيجة رئيسية للأنشطة البشرية، مثل التصنيع الذي بدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر واستمر حتى اليوم. العديد من الغازات الدافئة، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، تنبعث من الصناعة، الزراعة، ومكبات النفايات، مما أدى إلى تسخين الغلاف الجوي".

وأشار الخبير في المناخ والتنمية المستدامة إلى أن "الغازات الدافئة التي تصل إلى الغلاف الجوي تسبب استمرار ارتفاع درجات الحرارة. حالياً، تجاوزت درجة حرارة الكوكب 17.5 درجة مئوية على المستوى العالمي، بينما يجب أن تكون في حدود 15 درجة. هذا الارتفاع الكبير في درجات الحرارة يتسبب في ظواهر مناخية عنيفة، مثل الفيضانات والسيول التي نشهدها حالياً في الجنوب الشرقي للمملكة، وكذلك درجات الحرارة القياسية على المستوى الوطني."

وأضاف بن عبو: "في شهري يناير ومارس، وحتى يونيو ويوليوز، سجلنا درجات حرارة قياسية. هذا الارتفاع في درجات الحرارة هو نتيجة مباشرة للتغيرات المناخية التي يعاني منها المغرب حالياً. تساهم في هذه الظاهرة العديد من الدول المصنعة، مثل أمريكا والصين وكندا، التي تعتبر مسؤولة تاريخياً عن هذه الانبعاثات".

التقلبات المناخية وتأثيرها على الموارد المائية

 أوضح محمد بن عبو، فيما يخص تأثير التقلبات المناخية على الموارد المائية أن "التقلبات المناخية تؤثر بشكل مباشر على الموارد المائية، حيث تشهد هذه الموارد تراجعا ملحوظا بسبب عدم انتظام التساقطات المطرية والثلجية وتناقص المخزون في الفرشات المائية".

وأضاف أن "الاحترار العالمي وارتفاع درجات الحرارة يؤديان إلى زيادة في تبخر المياه، حيث نفقد يوميا من مليون إلى مليون ونصف متر مكعب من المياه، خاصة عندما تتجاوز درجات حرارة المغرب 40 درجة مئوية".

ومن جهتها أكدت أميمة أن "ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة تبخر المياه، بينما الأمطار الغزيرة توفر فرصة لتغذية الفرشات المائية، سواء الباطنية أو السطحية. وهذا يشير إلى وجود علاقة وثيقة بين التقلبات المناخية والموارد المائية."

وأضافت أنه من الضروري تسريع إنجاز مشاريع الربط المخطط لها في المملكة لضمان عدم فقدان المياه، بحيث يتم توجيهها إلى السدود بدلاً من أن تصب في البحر. وهذا سيساعد في استغلال هذه الكميات المفاجئة من المياه لتلبية احتياجات الماء الصالح للشرب، ولتوفير الموارد اللازمة للأنشطة الصناعية والزراعية.

التحديات المناخية والتمركز السكاني

أوضحت الخبيرة في مجال المناخ والبيئة أن "الأمطار الأخيرة التي شهدتها المنطقة الجنوبية تعتبر ضمن المعدلات الطبيعية وفقاً للسيناريو المناخي المغربي. لكن ما يميز الوضع الحالي هو التزايد الكبير في عدد السكان والتوزيع الديمغرافي في هذه المناطق".

 وأضافت أن "الوديان والسيول، على الرغم من أنها قد تجف لعدة سنوات، إلا أنها تحتفظ بمساراتها التاريخية. اليوم، ومع وجود تجمعات سكانية قريبة من هذه الوديان، يؤدي تجدد السيول إلى مشاكل وأضرار كبيرة على الصعيدين البشري والبنية التحتية".

وأشارت الخبيرة إلى أن هذه المناطق أكثر تعرضاً للأضرار بسبب هشاشتها المناخية والبنيوية، فضلاً عن غياب الإمكانيات الكافية لحماية المناطق السكنية من انجراف السيول.

وأكدت على "ضرورة احترام المجال الطبيعي للسيول والوديان"، مشيرة إلى أن "هناك ترسانة قانونية تمنع النشاط السكاني على ضفاف الوديان، لكن الواقع يشير إلى حدوث تجاوزات وغض نظر عن هذه القوانين، مما يتسبب في خسائر بشرية كبيرة".