القمة الإفريقية.. ردود فعل غاضبة من اتهامات الجزائر وتساؤلات تحاصر طبيعة وفدها

أحمد مدياني

أحمد مدياني - أديس أبابا

من رأى وسمع ليس كمن سمع فقط. ويختلف النقل بالسمع أيضا، عن تأليف مضامين من وحي الخيال، يعتقد من جاء ببدعها أنه يسهل تصديقها.

هنا بمقر الاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، أبدع المغرب بالإضافة إلى الممارسة الدبلوماسية والسياسية وفق قواعد الشفافية وبعيدا عن شراء الذمم، (أبدع) في إكرام ضيوفه الذين توافدوا بالآلاف منذ بداية الأسبوع الجاري على خيمة ضيافته، أمام الملأ، وليس سرا.

أبدعت المملكة في جعل الخيمة القريبة من النافورة التي يزينها الزليج المغربي، محجا للجميع، بمن فيهم الجيران.

يوم الأربعاء الماضي، توجه نائب السفير الجزائري بأديس أبابا، نحو طاولة الكرم المغربي، طلب "كاس تاع أتاي"، ثم ألح على حصته من "كعب غزال". لم يكن الأخير موضوعا على الطاولة، لكن الضيف الجزائري يعلم جيدا أن المغاربة يحتفظون دائما بالمميز في مكان ما، ولم يكن المميز هنا غير حلوياته الأصيلة، وليس "حقائب الظهر الحديثة" التي عوضت "الحقائب السوداء" عند أبناء وطنه.

تابعت منذ يوم أمس الخميس، حملة تنم عن ضعف الموقف لا غير. وتؤكد مرة أخرى انتحار المهنية في حضرة الإعلام الجزائري الرسمي.

في هذا المقال، سنطرح بعض الأسئلة لا غير، ونبسط معطيات تميز، لمن يرغب فعلا في التمييز، الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال.

منذ القدوم إلى أديس أبابا، أكدت جميع البعثات والوفود التي تحدثت إلى مسؤولين منها وأيضا عدد من الزملاء الأفارقة، أن المغرب يحرص على جعل لقاءاته الثنائية وفق قواعد الفعل الدبلوماسي والسياسي المؤسساتي.

أحد هؤلاء سألته مازحا صباح اليوم الجمعة: "هل وصلك نصيبك من الحقائب".

وكان جوابه بسخرية مماثلة: "لم نر منكم هنا غير كؤوس الشاي والحلوة اللذيذة".

حسب ما أعاينه بشكل يومي، حضور المغرب بالقمة الإفريقية، وقبلها اجتماعات المكتب التنفيذي للاتحاد، يقتصر على عدد من الموظفين هنا بالسفارة، ومن رافق وزير الخارجية ناصر بوريطة من ديوانه والوزارة.

وأؤكد أن فريق العمل الذي يتحرك أمامي، يوميا وعلى مدار الساعة، مكون كله من شباب لا تتجاوز  أعمارهم الثلاثين سنة.

هؤلاء، وعكس الكهول في الجهة الأخرى، يصعب اتهامهم بأنهم يتقنون شيئا آخر غير لغة الدبلوماسية.

ماذا عن الضفة الأخرى؟

بحكم العلاقات التي أحرص على نسجها دائما، خارج دائرة ما جئت للعمل من أجله، طلبت من أحد الأصدقاء الإثيوبيين هنا، معلومة عن عدد الغرف التي يحجزها الوفد الجزائري الذي قدم "للمشاركة" في القمة.

تقدمت بالطلب يوم الأربعاء الماضي، وجاءني الرد أمس الخميس.

الجزائر، وقبل وصول رئيسها ليلة الخميس/الجمعة، حجزت في فندق "هيلتون" لوحده 75 غرفة، بالإضافة إلى الأجنحة. أعدت سؤال الصديق: هل زاد العدد بعد قدوم رئيس الجيران؟

أجاب بنعم. ثم اجتهد دون طلب ذلك، وكشف لي أنه بالإضافة إلى الغرف والأجنحة الراقية، هناك الشقق أيضا.

بالنظر إلى هذا الكم من حجوزات الإقامة، هل يمكن تصديق أن الجميع جاء لممارسة الدبلوماسية في العلن!

هذا جيش وليس وفدا دبلوماسيا مدنيا.

ما جاء به الإعلام الجزائري الرسمي، هو في حد ذاته اتهام لبلدهم. كيف؟

لأنه يواصل تكريس صورة أن "الأفارقة يبيعون كل شيء بالمال ويشترون به".

سمعت اليوم من أعضاء عدد من الوفود الصديقة للمغرب، ردود فعل غاضبة من الاتهامات التي وجهتها الآلالة الإعلامية الجزائرية للكل، بدون دليل.

أحدهم علق قائلا: "من يتحدث عن توزيع الحقائب... إذن يعرف هو قبل الجميع كيف توزع وأين... تواجده قديم هنا... ويبدو أنه يرغب في أن نستنسخ كلنا سلوكاته كي لا يستمر في الشعور بالحرج... إفريقيا تغيرت كثيرا أخي".

فعلا، إفريقيا تغيرت كثيرا. ويمكن أن تتغير نحو الأفضل إن سحب من حذائها حجر تكريس الإنقسام واحتراف تفتيت الشعوب وتوفير شروط السطو على سيادتها وأراضيها.