الكاتب جعفر لعزيز الباحث في بلاغة الخطاب قال في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، إنه "في إطار استثمار التأسيسات النظرية والبناءات المعرفية لمقاربة بلاغة الجمهور التي أسسها الباحث المصري "عماد عبد اللطيف"، رأينا أنّ ألتراسات كرة القدم العربية أصبحت تنتج مدونة لا نهائية من الخطابات البليغة التي تعبّر فيها عن دورها الهام في إحداث تغييرات في المجتمع، حيث أضحت في أغانيها وأناشيدها وبلاغاتها ولافتاتها وتيفوهاتها تحتضن الواقع وتصوره وتنتقده، وتسخر منه وتزدريه".
وأضاف لعزيز، "تسعى دائما لتكون البديل الاستراتيجي للفضاءات العمومية، لحمل هموم الشعوب المقهورة والمظلومة، وهذا ما تحقق من خلال تتبعنا لمظاهر حضور القضية الفلسطينية في خطاباتها بعد واقعة طوفان الأقصى، وتبدى أنّ كرة القدم شكلٌ من أشكال المقاومة، إذ جعلت الألتراسات العربية في شمال إفريقيا والمشرق العربي القضية الفلسطينية مبدأ من المبادئ المقدسة التي ينبغي الحديث عنها وتصوير مآسيها وأحزانها ومفاجعها للعالم، والوقوف ضد كل المجازر والمذابح الصهيونية، ومن ثمة، فقد سخرت شعبيتها لنقل أشكال الظلم والقهر والقتل والإبادة التي تحدث في غزة، وفيها تعبير عن دور جماهير كرة القدم في محاربة الظلم والقهر".
وأوضح الباحث في بلاغة الجماهير، "أن المقاومة في أرض فلسطين ليست وليدة طوفان الأقصى بل هي مرتبطة بالأرض في حد ذاتها، مرتبطة بجذور تاريخية قديمة منذ عهد الرومان والصليبين إلى الآن، وكانت المقاومة على شكلين، المقاومة في شكلها السياسي العسكري، وفي شكلها الثقافي والأدبي، والمقاومة الثقافية والأدبية والفكرية هي الأقرب إلى التحليل البلاغي والمقاربة النقدية والتأويلية واللغوية، وهو ما جلعنا ننفتح على الكثير من الخطابات المرتبطة بالبعد الثقافي بغية تحليلها وبيان ما تكشفه من تضليلات عن الخطابات المضللة والكاذبة، وما ينتج عنها من ردود وانتقادات واستجابات بليغة وغير بليغة".
وتابع لعزيز، "تحضر هذه الاستجابات المقاومة في الخطابات الافتراضية، وتتبدى واضحة في المنصات الرقمية والتغريدات والمنشورات والأغاني ومشاركة المقاطع المرئية والصور والهاشتاغات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي القنوات التليفزيونية والصحف والجرائد، وخلق سلوكيات جماعية مظهرها مقاطعة البضائع الداعمة للمحتل، والمطالبة الشعبية بقطع العلاقات العربية معه، والخروج في مظاهرات واحتجاجات، والتعبير عن السخط في الشوارع ومختلف المنصات جراء ما يقع من الجرائم في غزة".
وأضاف: "فالجماهير لها دور مهم في الدفاع عن القضايا العربية، وقد سمعت ما يفوق أكثر من ثلاثين أغنية أصدرتها ألتراسات كرة القدم عن القضية الفلسطينية، وخاصة طوفان الأقصى، وأبرزها ألتراسات شمال إفريقيا في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر، وفيها موضوعاتها الكثير الاستجابات البليغة المصورة لما يقع في غزة، واتخذ خطاب المقاومة ثلاثة أنواع، منها خطاب الصورة الظاهر في التيفوهات والصور واللافتات، والخطاب الشفهي ويظهر في الأغاني والأناشيد التي أصدرتها مجمل الفصائل العربية والمغربية التي تفوق خمسين فصيلا، ثم الخطاب المكتوب، والمتجلي في البلاغات التي أصدرتها الألتراسات عبر صفحاتها الرسمية على الفايسبوك".
وأشار جعفر لعزيز إلى أنه "يمكن دراسة هذه الخطابات المنتمية إلى المقاومة الخطابية دراسة لغوية وأسلوبية صرفة، ودراسة تداولية تظهر المقامات والسياقات التداولية للخطاب، ومعرفة الوجوه الأسلوبية التي منحتها قوة خطابية بليغة، ودراسة سيميائية أيضا، من خلال تحليل العلامات، والتوجه البلاغي القادر على بيان وجوهها البليغة هو توجه بلاغة الجمهور، بوصفه توجها يدرس الاستجابات الجماهيرية البليغة ويحللها ويكشف ملامحها البلاغية والثقافية، مع الاستناد كذلك إلى مقاربة التحليل النقدي للخطاب، من خلال استحضار الكثير من التوجهات التي ستمكننا من إيضاح القدرات البلاغية البليغة التي تحويها خطابات الألتراسات العربية وبيان أبعادها الدلالية، واستخراج موضوعاتها، وتحديد أهم المغالطات التي تبددها وتكشف عنها".