الكندي: قرار "الطاس" مثير للجدل ولا يعكس موقفا محايدا

إدريس التزارني

قال الباحث في السياسات الرياضية حمزة الكندي، إن قرار محكمة التحكيم الرياضي (TAS) في واقعة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري، يظل مثيرا للجدل بعدما اعتبر أن ظهور خريطة المغرب التي تضم أقاليمه الجنوبية على قمصان نادي نهضة بركان يشكل دعاية سياسية، مستندة إلى أن هذه الخريطة تعبر عن إقرار بالسيادة على إقليم متنازع عليه دوليا ولم يتم حله بعد على المستوى الدولي. وعلى هذا الأساس، اعتبرت المحكمة أن القوانين الرياضية تمنع استخدام أي رموز تحمل مضامين سياسية، بما في ذلك القمصان الرسمية للاعبين، وفقا للوائح تجهيزات اللاعبين في CAF (المادة 1.03) وقوانين مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (IFAB) المادة 4.

وأضاف الكندي، في تصريح لموقع "تيلكيل عربي"، أن المفارقة الصارخة تكمن في أن المحكمة نفسها قد انزلقت إلى المربع السياسي الذي تدعي تفاديه، بل إنها مارست دورا سياسيا مباشراً حينما قررت أن سيادة المغرب على صحرائه غير محسومة دوليا، في تجاهل صارخ للحقائق السياسية والقانونية والتاريخية، بل وحتى للواقع الرياضي الذي تتحدث باسمه.

وتابع، أن قرار TAS يتناقض مع الواقع السياسي والقانوني لعدة أسباب جوهرية، أولها أن المغرب يمارس سيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية، ليس فقط من خلال إدارة المؤسسات المحلية، ولكن أيضا عبر تمثيل سكان هذه الأقاليم في البرلمان المغربي، وتنفيذ مشاريع تنموية كبرى ضمن النموذج التنموي الجديد للصحراء الذي أطلقته الدولة، مضياف أن هناك اعترافات دولية متزايدة بمغربية الصحراء، بدءا من موقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي اعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، مرورا بفتح قنصليات دول عديدة في مدينتي العيون والداخلة، وهو ما يعكس موقفا سياسيا ودبلوماسيا واضحا.

وأكد الكندي أن ما يعمّق التناقض في الحكم هو أن اللوائح الرياضية نفسها تعترف بالوحدة الترابية المغربية، إذ يعتمد الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) والفيفا نفس الخريطة التي أُدرجت على قمصان نهضة بركان، والأهم من ذلك، أن خريطة المغرب المدمجة بالصحراء معتمدة رسميًا من طرف الفيفا في تنظيم كأس العالم 2030 الذي سيقام في المغرب وإسبانيا والبرتغال، فكيف يصبح ما هو معتمد في أكبر حدث كروي عالمي مرفوضًا في مسابقة قارية؟ ومن غير المنطقي أن يتم استهداف ناد مغربي بسبب ارتدائه قميصا يحمل خريطة بلده، بينما توجد أندية رياضية تنشط في نفس الأقاليم مثل نادي شباب المسيرة، الذي يشارك في البطولات المغربية وهو معترف به من قبل الاتحاد الإفريقي والفيفا، بل إن لاعبيه يشاركون في منافسات إفريقية ودولية دون أي اعتراض على هويتهم المغربية.

وتساءل الباحث في السياسات الرياضية عن كيف يتم قبول مشاركة أندية من المنطقة في المنافسات القارية، ثم يتم الادعاء بأن وضع هذه الأقاليم ضمن الخريطة الرسمية للمغرب يحمل دلالة سياسية؟ إذا كان ظهور خريطة المغرب على قميص رياضي يحمل دلالة سياسية، فكيف يفسر وجود خريطة الجزائر التي تشمل الصحراء الكبرى على مواقع الأندية الجزائرية؟ ولماذا لا تُعتبر خريطة تونس أو مصر التي تشمل أراضي محل نزاع حدودي مع دول الجوار دعاية سياسية؟

وأوضح الكندي أن قرار TAS يؤسس لسابقة خطيرة، إذ يمنح نفسه صلاحية تحديد ما إذا كانت الدولة تمارس سيادتها على جزء من أراضيها أم لا، متجاوزًا بذلك صلاحياته كهيئة تحكيم رياضي. والأدهى من ذلك، أن المحكمة لم تعترض على الخريطة عندما اعتمدها "الفيفا" رسميًا، ولكنها اختارت التدخل في سياق أقل أهمية، مما يكشف عن وجود ازدواجية واضحة في التعامل مع القضايا المرتبطة بالوحدة الترابية للدول.

وأكمل أن قرار المحكمة لا يعكس موقفا محايدا، بل يجسد حكمًا سياسيًا مقنعًا بثوب قانوني رياضي، وإن رفض الاعتراف بالحدود المعتمدة دوليا، في ظل مواقف سياسية واضحة وداعمة للوحدة الترابية المغربية، يكشف أن التحكيم الرياضي ليس بمنأى عن التلاعبات السياسية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمصالح معينة داخل المنظومة الإفريقية والدولية.

وأشار الكندي إلى أن ما جرى ليس سوى محاولة بائسة لخلق نقاش حول قضية محسومة ميدانيًا وسياسيًا ورياضيًا. المغرب لم يكن بحاجة إلى حكم TAS ليؤكد سيادته على أقاليمه الجنوبية، فهذه السيادة تتجسد في الواقع المعيش، في مشاريع التنمية، وفي تمثيل سكان الصحراء في المؤسسات الدستورية، وفي حضور العلم المغربي في كل المحافل الرياضية الدولية. وإذا كانت المحكمة قد اختارت أن تنحاز، فإن التاريخ والواقع يؤكدان أن مغربية الصحراء لم تكن يومًا محل شك، ولن تكون.