الكندي يفكك الغاية من الرياضة التنافسية الأولمبية.. ويؤكد: الهزيمة مصدر للعار

إدريس التزارني

أرخت النتائج السلبية التي حققتها الرياضة الوطنية خلال دورة الألعاب الأولمبية التي اختضنتها العاصمة الفرنسية باريس، بظلالها على النقاش العمومي بالمغرب، وصل حد المطالبة برحيل وجوه رياضية ساهمت في تدبير المرفق الرياضي لعقود.

وفي هذا السياق، أكد حمزة الكندي، الباحث في السياسات الرياضية، أن شعار "المهم هو المشاركة" أصبح مرادفا لخيبة الأمل وتبديد المال العام وتكريس الفشل والتطبيع مع الهزيمة، حتى أصبح يتخيل بعض المسؤولين عن الجامعات الملكية المسؤولة عن تنظيم الرياضة وتدبيرها باعتبارها نشاط مرفقيا، أن الغاية من الرياضة بشكل عام هو المشاركة، دون الإشارة إلى البون الشاسع بين المشاركة المشرفة والمشاركة السيئة، وقد يرتبط الأمر بلبس في المفاهيم.
وشدد الكندي في حوار مع "تيلكيل عربي" على يقينه التام من أن الهدف من مثل هذه التصريحات هو الهروب من المساءلة الشعبية والمحاسبة المؤسساتية فيما يخص الفشل الذريع الذي تجنيه الرياضة المغربية.

وأشار إلى إن التطبيع مع فكرة أن الأهم هو المشاركة، يعني ببساطة أنه لا ينبغي لنا أن نفكر في الفوز، على الرغم من أن البعض قد يقول إن معناها هو أننا بحاجة إلى التعلم من الهزائم، وهذا التفسير في حد ذاته حماقة مدوية.

هل تعتبر المشاركة في الرياضات التنافسية هي الأهم؟

لقد كان الفوز دائمًا هو هدف أولئك الذين كرسوا أنفسهم للرياضة التنافسية منذ الألعاب الأولمبية الأولى، بالنسبة لليونانيين، الفوز يعني المجد أمام الآلهة والحشود، كان المثال الهوميري لتيموس، المتمثل في حب الذات والفخر، هو فرض الذات والتفوق على الآخرين، وكانت القوة البدنية هي الفضيلة الأولى للنبلاء. ومن القوة يأتي الشرف والمكانة.

هذا لا يعني أن القوة وحدها كانت كافية، بل كانت هناك حاجة إلى الشجاعة، والشجاعة هنا تعني عدم الخوف من الموت، لذلك، كان الفوز هو إظهار القدرات الجسدية والمعنوية والفكرية التي يتم قياسها من خلال الفوز على الخصم، وكما كان النصر علامة على الشجاعة، كانت الهزيمة مصدرا للعار.

لقد أوضح سولون، أن الرياضة ليست أكثر من إعداد افتراضي وفاضل يهدف للحرب، الفوز فيها يعني العيش والانتصار، والخسارة تعني الموت والخضوع للذل، فبالنسبة لليوناني، كان الفوز في الرياضة مسألة حياة أو موت، لأن الرياضة أعدتك للقتال من أجل وطنك والموت من أجله إذا لزم الأمر، لذلك فالشيء المهم في الرياضة هو الفوز، لأن الفوز يعني البقاء على قيد الحياة من خلال هزيمة خصومك.

لماذا اعتمدت هذا الطرح أساسا؟

قد يرى البعض أن الانطلاق من هذا الطرح خارج السياق والتاريخ، لكن كنت أعتقد دائما كما لا زلت أعتقد أن البصمة الرمزية التي تمثل ميلاد الرياضة التنافسية، هو كونها نشاط ولد في زمن الحرب، وكانت الألعاب الأولمبية القديمة تشكل فترة للهدنة، لكن الهدنة لا تعني السلام.

إن الأمر سيكون أكثر وضوحا حتى من خلال الألعاب الفردية التي ننافس فيها اليوم، فبالنسبة لليونان، كانت أعمال الفرد البطل هي التي أحدثت الفارق النهائي في الحروب التي خاضتها.

ولهذا السبب، كانت الرياضات اليونانية فردية فقط، وكانت تحاكي تلك الفضائل والأفعال الجسدية التي كانت أساسية في الحرب، المسايفة بالخوذة والدرع، المصارعة، الملاكمة، القتال المختلط الذي يمزج بين الملاكمة والمصارعة، رمي الرمح ورمي القرص، السباق مع الخيول... بل إن تجليات الحرب والرياضة بمفهومها في الألعاب الرياضية الحديثة، قد تكون واضحة من خلال الفصل بين المنافسات النسوية والمنافسة بين الرجال، فالرياضة حينها كالحرب كانت مسألة تتعلق بالرجال فقط.

ما هي دلالات وأبعاد شعار "المهم هو المشاركة"؟

إن الشيء المهم ليس هو الفوز بل المشاركة، تلك الكلمات التي قالها بيير دي كوبرتان، عالم التربية والمؤرخ الفرنسي، ومؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة، وحقق من خلالها نصرا شخصيا بإعادة تنظيم الألعاب الأولمبية في شكلها الحديث، مستلهما فكرته من الألعاب الأولمبية القديمة التي توقف تنظيمها في القرن الرابع ميلادي.

أصبح هذا الشعار في مغرب اليوم، مرادفا لخيبة الأمل وتبديد المال العام وتكريس الفشل والتطبيع مع الهزيمة، حتى أصبح يتخيل بعض المسؤولين عن الجامعات الملكية المسؤولة عن تنظيم الرياضة وتدبيرها باعتبارها نشاط مرفقيا، إن الغاية من الرياضة بشكل عام هو المشاركة، دون الإشارة إلى البون الشاسع بين المشاركة المشرفة والمشاركة السيئة، وقد يرتبط الأمر بلبس في المفاهيم. على الرغم من يقيني التام ان الهدف من مثل هذه التصريحات هو الهروب من المساءلة الشعبية والمحاسبة المؤسساتية فيما يخص الفشل الذريع الذي تجنيه الرياضة المغربية.

كيف تسللت المشاركة لخطاب الفاعل الرياضي بالمغرب؟

إن التطبيع مع فكرة أن الأهم هو المشاركة، يعني ببساطة أنه لا ينبغي لنا أن نفكر في الفوز، على الرغم من أن البعض قد يقول إن معناها هو أننا بحاجة إلى التعلم من الهزائم، وهذا التفسير في حد ذاته حماقة مدوية، فالرياضة هي الفوز حيث توجد منافسة، ولا يمكن تجنب الدافع للفوز لأنه البصمة التي تمثل ولادة هذه الرياضة، إذ لا يمكنك البدء من الهزيمة لتغيير الطريقة التي تمارس بها الرياضة، حيث يجب أن نبدأ من كيفية تصور النصر، لأنه وإذا كان صحيحًا أنه يمكنك التعلم من الهزائم، فمن الصحيح أيضًا أنه يمكنك التعلم من الانتصارات ويمكنك تعلم الفوز بطريقة معينة، فالفوز هو هدف المنافسة الذي لا يمكن كبته، والمشكلة تكمن في كيفية تحقيق ذلك.

سأعطيك مثالا بسيطا، إن بعض الذين يترأسون اليوم الجامعات الملكية لكل نشاط رياضي على حدة، وصلوا إلى مناصبهم من خلال المناورات السياسية (أولئك الذين يعرفون دواليب الجامعات الملكية يعرفون أنها منافسات حقيقية حيث تصبح السياسة صراعًا بلا قيود على السلطة) فعلو كل ما بوسعهم من أجل الفوز بالمنصب، لماذا لم يكن شعارهم حينها ان الأهم هو المشاركة؟، السياسيون أيضا، مستعدون دائمًا لتحصيل المكافأة السياسية لكل انتصار رياضي، ولو كان بمجهود فردي لبطل ما، أو بعمل شاق وجاد لرجل واحد، وكمثال على ذلك، رأينا رئيس الحكومة والوزير المكلف بقطاع الرياضة يسابقان الزمن لتهنئة المنتخب الأولمبي، والعداء سفيان البقالي، لكن ولحدود اللحظة، لم نشاهد أي رجل سياسة يصرح بمسؤوليته عن 41 إخفاق من أصل 43 مشاركة، فكيف يمكن لأحدهم أن يقنعك بأن الأهم هو المشاركة، وهو غير قادر على تبني الإخفاق.

في نظرك لماذا هذا التعامل مع الإخفاق والنجاح؟

إن البعض، يعاملنا اليوم كما لو أنه يمن علينا بمشاركته، مشاركته في ماذا؟ في تبديد المال العام دون أية نتيجة، ففي الدول الديموقراطية التي يحترم فيها المسؤول نفسه، ويحترم فيها المواطنين، وانطلاقا من هذه الرؤية للنصر بالتحديد ينشأ رعب الهزيمة، فالهزيمة تعني الموت الرمزي للرياضي، وعار الهزيمة يكون واضحا على وجوه المهزومين أي كانوا، الرياضيون المهزومون لا يتكلمون، بل ينسحبون إلى العزلة بكل هدوء، ويبحثون عن الموارد من أجل الظهور من جديد، والمسؤول عن إخفاق قطاع رياضي بعينه ينسحب أيضا من أجل التخطيط العلمي والعملي والسياسي لتحقيق الإنجازات في المستقبل، في المغرب وحيث أضحى الفشل إنجازا، يخرج علينا البعض ليقول أن المهم هو المشاركة.

قلت إن هناك لبسا في المفاهيم، وإن المسؤولين لا يفهمون معنى المهم هو المشاركة؟

نعم، هناك لبس في المفاهيم، وهذا اللبس يؤدي إلى الخلط بين الرياضة الجماهيرية أو الرياضة للجميع، والتي تبقى الغاية منها ومن مشاريعها هو إشراك كل المواطنين والمواطنات في الحركة الرياضية، ورفع عدد الممارسين للنشاط البدني، والغاية من ذلك، هو الحفاظ على الصحة العامة كهدف من أهداف المرفق العام الرياضي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فالرياضية الجماهيرية تشكل مدخلا للتنقيب عن المواهب، وتعزيز النخبة الرياضية بأبطال قادرين على المنافسة في المستوى العالي.

سيكون الأمر أكثر وضوحا إذا ما عدنا إلى ما جاء في الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين والمشاركات في المناظرة الوطنية للرياضة، حيث أن نص الرسالة الملكية كان واضحا " فالرياضة الجماهيرية تعد شرطا أساسيا لبناء مجتمع سليم، ومشتلا خصبا تنهل منه رياضة التباري مكوناتها وعناصرها".

ما الغرض من الرياضة التنافسية؟

الرياضة التنافسية أو رياضة النخبة أو الرياضة في مستواها العالي، فالغرض منها ليس هو المشاركة، بل هو الحصول على المراتب الأولى والميداليات والألقاب، وقد كانت الرسالة الملكية نفسها واضحة في هذا الصدد، حيث اعتبر الملك محمد السادس أن المناظرة نفسها تأتي "ظرفية مطبوعة بانشغال الرأي العام الوطني بما يعترض الرياضات الوطنية عامة من تقلبات تجسدها النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال، وهو ما لا نرضاه لبلدنا ولا يقبله كل ذي غيرة وطنية ولا يمكن أن تحجبه، بأي حال من الأحوال، بطولة أو تألق بعض المواهب الفردية".

وبهذا، فإن التوجه الأساسي لوضع الاستراتيجية الوطنية للرياضة، هو المنافسة على الألقاب، والفوز بها، لا المشاركة في الملتقيات الدولية، مما يعني، ان المسؤولين عن الجامعات الملكية باستثناء كرة القدم "مع كل الملاحظات التي يمكن إبداؤها في هذا الصدد"، عليهم اليوم أن يتحملوا مسؤولياتهم أما الوطن والشعب، وأن يعترفوا بإخفاقهم في تدبير المرفق الرياضي، وأن يفسحوا المجال أمام نخب جديدة قصد إعادة بناء الأهداف والعمل من أجل تحقيقها.

لكن وقبل كل ذلك، فالوقت قد حان اليوم للإعلان عن مناظرة وطنية ثالثة للرياضة، من أجل تشخيص مكامن الخلل، وتسطير الأهداف والأولويات التي ينبغي تحقيقها، وأفق تحقيقها، والإعلان عن استراتيجية وطنية جديدة تنبني أساسا على إعادة بناء المؤسسات المعنية بتدبير قطاع الرياضة، والقطع مع الماضي.