تسببت عودة وباء الكوليرا في الجزائر في حالة ذعر داخل البلاد وخارجها، خاصة بعد وفاة شخصين وإصابة العشرات. كما أثار الأمر موجة من الانتقادات والسخرية بحق الحكومة والسلطات المعنية في الجزائر.
حالة من الهلع والقلق تضرب الجزائر منذ مطلع غشت الحالي.. فبعد أكثر من 20 عاماً من الغياب، عاد مرض الكوليرا للتفشي ووضع السلطات في سباق مع الزمن للقضاء عليه، وسط موجة من الانتقادات الحادة للمسؤولين في الحكومة بسبب الفوضى التي رافقت التعاطي الرسمي مع ظهور المرض.
واستقبلت المستشفيات عشرات المرضى الذين كانوا يعانون من إسهال حاد منذ السابع من الشهر الحالي في العديد من المناطق، إلا أن وزارة الصحة لم تعلن أن السبب هو بكتيريا الكوليرا إلا في الثالث والعشرين من نفس الشهر، وذلك بعد تسجيل حالتي وفاة وإصابة العشرات.
في إحدى هاتين الحالتين كان الضحية مدرب المنتخب الجزائري للملاكمة، عثمان دحماني، الذي أكدت وسائل إعلام محلية على أنه توفي متأثراً بوباء الكوليرا يوم 22 غشت في ولاية البليدة. وتوفي دحماني إثر تعرضه لتسمم حاد كانت أسبابه مجهولة. وقامت السلطات بوضع العائلة الصغيرة للمدرب قيد الحجر الصحي في مستشفى بوفاريك بالبليدة (50 كيلومتراً جنوب غرب الجزائر) حتى إجراء الفحوصات اللازمة وتفادياً لانتقال العدوى.
ويعيش مستشفى بوفاريك بالبليدة حالة طوارئ منذ اكتشاف أول حالة، حيث لم تسجل أية حالة كوليرا في الجزائر منذ عام 1996، في حين يعود آخر وباء إلى عام 1986.
مصدر الوباء
ويعد وباء الكوليرا من الأمراض الخطيرة والمعدية التي تتسبب في الوفاة، بسبب بكتيريا تؤدي إلى إسهال حاد، وعادة ما يكون ناجماً عن غياب شروط السلامة الصحية في مياه الشرب أو الطعام.
وأثبتت التحقيقات والتحريات الوبائية في الجزائر وجود جرثومة الكوليرا في نبع مياه "حمر العين" في "سيدي الكبير" بولاية تيبازة القريبة من العاصمة، لتكون هي نقطة بداية الوباء، حيث أكد مدير معهد باستور في الجزائر لاحقاً على اكتشاف 27 نبعاً موبوءاً بمختلف أنواع البكتيريا عبر الولايات التي ظهرت فيها حالات الكوليرا.
وسخر حساب حكيم دزيري على "تويتر" من المسألة قائلاً:
لكن السلطات استبعدت احتمال انتشار العدوى عبر المياه، ورجّحت انتشاره عبر الخضار والفاكهة غير المغسولة جيداً، فيما أكدت شركة "الجزائرية للمياه" أن "المياه المنزلية صالحة للشرب ولا داعي للتخوف من استهلاكها"، في وقت انتشرت في الأيام الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي رسائل محذرة داعية إلى التوقف عن شربها.
واستغل البعض أزمة الماء في البلاد وازدياد الطلبات على المياه المعدنية، لترتفع أسعار القوارير بشكل جنوني أثار غضب الكثيرين، فقال أحد المغردين على "تويتر":
سيل من الانتقادات والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي
وبين الغضب والسخرية، أشار رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن الحكومة لم تقم بأي حملة لشرح المرض وكيفية الوقاية منه. كما أن موقع وزارة الصحة لا يحتوي على أي مدونة حول مرض الكوليرا، فيما انتقد البعض محاولة بعض الأطراف المجهولة التشكيك في وجود هذا الوباء في الجزائر، فعلق أحد النشطاء:
كما اشتكى بعضهم من الانقطاع المتكرر للماء، في الوقت الذي أوصت فيه السلطات الصحية بضرورة غسل الأيدي عدة مرات في اليوم. ولأن الكوليرا مرض مجهول لدى الكثيرين، أطلق جزائريون حملات حول أعراض الوباء عبر مواقع التواصل، خاصة مع تزايد عدد الحالات المشتبه بإصابتها.
كذلك انتقد المدونون غياب المسؤولين في أوج الأزمة، واعتبر بعضهم أن السبب يرجع لرفض الوزراء قطع عطلتهم بمناسبة عيد الأضحى، الذي تزامن مع عطلة نهاية الأسبوع، مطالبين باستقالتهم من مناصبهم. فغردت إحدى رواد موقع "تويتر":
الصحافة الجزائرية لم تعف الحكومة من النقد، بل وشنت عليها هجوما حادا، إذ أشارت العديد من الصحف إلى أن السلطات لم تعلن عن الوباء إلا بعد أسبوعين من ظهوره، فتساءل موقع "كل شيء عن الجزائر": "هل يتطلب الأمر 16 يوماً لتحديد بكتيريا الكوليرا؟"، منددا بـ"خلل في التسيير".
هذا وانتقدت صحيفة "الوطن" الناطقة بالفرنسية "التسيير الفوضوي" للأزمة من قبل حكومة غائبة منذ ظهور المرض. فيما اعتبرت صحيفة "الخبر" أن "نقص المعلومات حول مصدر المرض تسبب في فوبيا لدى الجزائريين (...) دفعتهم إلى مقاطعة الخضر والفواكه بعد ماء الحنفيات".
ورداً على الانتقادات التي طالته مع باقي أعضاء الحكومة بسبب صمته وغيابه منذ بداية الأزمة، قام وزير الصحة الجزائري مختار حسبلاوي بزيارة أحد المستشفيين اللذين استقبلا عدداً من المرضى، وأكد على أن "الوضع في تحسن"، متعهداً بالقضاء على الوباء في ظرف ثلاثة أيام!
وأضاف حسبلاوي: "لا يمكننا إعلان المرض قبل التشخيص الإيجابي. كنا في مرحلة الاشتباه، وبمجرد أن وصلنا التأكيد أعلنا عنه"، مشيراً إلى أن وزارته كانت "تعمل منذ اليوم الأول لوضع استراتيجية" لمواجهة المرض.
ولفت إلى أنه جرى أخذ عينات من 38 نبعاً مائياً للتأكد من سلامتها، داعيا المواطنين إلى التحلي بالوعي وتجنب الشرب من منابع المياه في الوقت الراهن حتى التأكد من سلامتها، بخلاف مياه الصنابير.
وكتب الإعلامي الجزائري كادا بن عمار على "تويتر" قائلاً:
كما غرد الإعلامي الجزائري فاضل زبير ساخراً:
"كأنهم مسجونون، ننتظر العفو عنهم". هكذا يصف فاتح حال المصابين بالكوليرا في مستشفى بوفاريك غرب الجزائر، حيث يأتي يوميا منذ 12 يوماً ليطمئن على أمه بانتظار أن يؤذن للمرضى بالخروج من الحجر الصحي الذي وضعوا فيه منذ ظهور الوباء.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية نقلاً عن الشاب، الذي يعمل سائق شاحنة: "جئنا بها إلى المستشفى منذ الجمعة التي سبقت عيد الأضحى بعد معاناتها من إسهال حاد. كنا خائفين جداً عليها بعدما فقدت الكثير من الوزن. لكنها اليوم في تحسن، ما يجعلنا نأمل في خروجها القريب".
ويضيف فاتح: "منذ أن يدخل المريض هنا ينقطع عن العالم الخارجي حتى يتم الإفراج عنه". ويبقى المرضى المشتبه في إصابتهم أربعة أيام على الأقل تحت المراقبة "فالنتائج من معهد باستور تأخذ بين 3 إلى 7 أيام بحسب الحالة".
ويتم أخذ عينات من كل مريض يدخل المستشفى ترسل إلى معهد باستور بالجزائر لتأكيد الإصابة بالكوليرا أم لا بالنسبة للحالات المشتبه فيها. أما الحالات المؤكدة فتخضع للعلاج مع تحاليل دورية لتأكيد شفائها.
بوتفليقة خارج البلاد
وفي خضم هذه الأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد، توجه الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، الذي يواجه مشاكل صحية منذ إصابته بجلطة دماغية عام 2013، إلى جنيف لإجراء فحوص طبية "دورية".
ولم تكشف الرئاسة عن طبيعة الفحوص الطبية والمدة التي ستستغرقها الرحلة "الدورية" ولا في أي مستشفيات جنيف ستجري، الأمر الذي أثار حفيظة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين انتقدوا تواجد رئيس البلاد خارجها في وقت كان يجب أن يكون داخلها.
وأثار تصريح وزير الصحة خلال مؤتمر صحفي بأن الرئيس يسأله دائماً عن صحة المواطنين سخطا كبيرا، كما علقت إحدى الناشطات قائلة:
فوبيا الكوليرا تصل إلى الجيران
حالتا وفاة ونحو العشرات من المصابين بالمرض المعدي بثت الرعب في النفوس، لتصل فوبيا الكوليرا إلى جيران الجزائر، حيث سارعت تونس والمغرب - بالإضافة إلى ليبيا - إلى رفع حالة التأهب لمواجهة أي احتمال لانتقال هذا الداء إلى أراضيها، فاتخذت السلطات التونسية إجراءات وتدابير وقائية، مع دخول آلاف الجزائريين يومياً إلى أراضيها من المعابر الحدودية البرية.
وقارن نشطاء بين حالة الاستنفار التي شهدتها الدول المجاورة للجزائر والوضع في البلاد، فقالت مغردة:
من جهته، صرح وزير الصحة التونسي، عماد الحمامي، لإذاعة "موزاييك" أنه لم يتم تسجيل أي حالة إصابة بهذا المرض الخطير في تونس، مشيراً إلى تكوين لجنة لمتابعة ومعرفة مدى انتشار هذا الوباء في الولايات الحدودية مع الجزائر.
وفي المغرب، تحركت وزارة الصحة لقطع الطريق أمام المرض البكتيري، إذ ذكرت صحيفة "أخبار اليوم" المحلية أن لجنة وزارية تابعة لمديرية الأوبئة زارت نهاية الأسبوع الماضي المنطقة الشرقية للمملكة، التي تبقى الأكثر عرضة لانتقال هذا الداء بحكم القرب الجغرافي.
كما طالبت الخارجية الفرنسية رعاياها بتوخي الحذر خلال زيارتهم الجزائر، فيما لم تنشر منظمة الصحة العالمية أي إعلان أو تقرير رسمي حول الوضع الصحي في البلاد، لكنها نشرت على موقعها الإلكتروني باللغة العربية الإجراءات الواجب اتباعها للتصدي للوباء.
بالاشتراك مع الدوتشي فيليه