المجلس الوطني لحقوق الإنسان.. حصيلة متواضعة

الملك يعين أمينة بوعياش
تيل كيل عربي

يعتبر تعيين أمينة بوعياش على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان فرصة للعودة إلى الأوراش الكبرى لهذه المؤسسة منذ إنشائها في 2011 إلى الآن: العدالة الانتقالية وتطبيق توضيات هيئة الإصلاح والمناصفة، المساواة في الإرث، حراك الريف، وقضية المهاجرين.

"حان وقت العمل" قالت أمينة بوعياش، دقائق معدودة بعد تعيينها رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH). ولعلها بهذا تبث في نفسها نفحات من الشجاعة قبل الشروع  في رفع العديد من التحديات التي تواجه هذه المؤسسة الفتية. فقد أنشأها محمد السادس في 2011 لتحل محل مجلس آخر كان له دور استشاري فقط: المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان(...) وكانت المؤسسة عند تأسيسها تقول إنها "مستقلة عن السلطات العمومية" وتتمتع بـ"صلاحيات واسعة في مجال حماية والنهوض بحقوق الإنسان". فعكس سلفه، يمكن للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يطلب من القضاء فتح تحقيقات في حال الوقوف على خروقات لحقوق الإنسان.

عدالة انتقالية... ولا انتقال فعلي

حاول ادريس اليزمي، أول رئيس للمجلس، مواصلة المعركة التي كان قد بدأها في "هيئة الإنصاف والمصالحة". وكانت المهمة، على ما يبدو، ناجحة: إذ أعلن المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان في ماي الماضي أنه تم تخصيص ملياري درهم، في إطار توصيات "هيئة الإنصاف والمصالحة"، لـ"ضمان الإدماج الاجتماعي، والتغطية الصحية" لضحايا خرق حقوق الإنسان.

إن تجربة "هيئة الإنصاف والمصالحة" مكنت الحكومة من إغلاق ملف سنوات الرصاص، وتلميع صورتها وتبني خطاب حقوق الإنسان. ولكن الأمور لم تتقدم بنفس الوتيرة على المستوى التشريعي: لم يتم بعد تأهيل القانون الجنائي لينسجم مع توصيات تلك الهيئة. كما أن منظمة العفو الدولية "أمنيستي"، تقول إن الإفلات من العقاب مازال متواصلا بالبلاد، معتبرة أن "ضحايا الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة بين 1956 و1999، مازالوا محرومين من العدالة". وحرصت المنظمة الحقوقية العالمية على التذكير بأن السلطات لم تنفذ بعد توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.

بطل الهجرة في إفريقيا

في 2013، وغداة الكشف عن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول قضية الهجرة، أعلن محمد السادس عن إطلاق حملة لتسوية وضعية 25 ألف مهاجر. بعد عامين، كانت هذه المؤسسة وراء إطلاق موجة ثانية من التسوية، وبشروط مخففة شملت: النساء وأطفالهن، القاصرون غير المرافقين، الأجانب الذين لهم نشاط مهني ولكن بدون عقود عمل، الأجانب المتزوجين من مغاربة أو من مهاجرين شرعيين، والأجانب الذين لا يستطيعون إثبات الإقامة بالبلاد لخمس سنوات ولكن يتوفرون على مستوى تعليمي معادل للإعدادي. وفي المجموع حصل حوالي 40 ألف مهاجر على الإقامة منذ 2013(...)

من جهة ثانية، ورغم أن المغرب لم يصادق بعد على القانون المتعلق باللجوء، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان حرص على أن يحصل اللاجئون بالمغرب على الحقوق والخدمات الأساسية، من بينها بطاقة اللاجئ التي ستمنحها السلطات من جديد بعد ان توقفت عن إصدارها طيلة 10 أشهر.

إن سياسة الهجرة هذه لقيت الإشادة بمؤتمر مراكش حول الهجرة، من طرف المسؤولة الأممية "لويز أربور" التي وصفت الوضع في المغرب بأنه "ملهم". ولكن هذا فيه إغفال لما تضمنه تقرير بعنوان "حالات طرد مجانية" لـ"الجماعة المعادية للعنصرية المكلفة بمواكبة والدفاع عن الأجانب والمهاجرين". إذ تقول هذ الوثيقة التي نشرت في أكتوبر الماضي إن السلطات المغربية أبعدت 89 شخصا، بينهم 6 قاصرين على الأقل، من شتنبر إلى بداية أكتوبر. كما تم الوقوف على ظروف اعتقال "لا إنسانية" و"خارجة عن أي إطار قانوني"، تستمر في بعض الأحيان لعدة أسابيع، بينما الحد الأقصى المسموح به هو أسبوعين فقط. كل هذا يناقض التزامات التي تعهدت بها الرباط منذ 2013.

الحراك يتجاوز المجلس

بعد وفاة محسن فكري، تاجر السمك الذي "طحنته" شاحنة لنقل الأزبال في 28 أكتوبر 2016، اقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان نفسه لينهض بدور الوسيط بين المتظاهرين بالريف والسلطات (بل وتحدث عن إقامة متحف للريف، وهو المشروع التي لن يرى النور). ولكنه لم يلفح بتاتا في فتح قنوات الحوار مع قادة الحراك. بعدها اقترحت المؤسسة إعداد تقرير مفصل حول الوضع بمدينة الحسيمة، ولكن هذا التقرير –الذي لم يخرج للعموم لحد الآن - زاد من حدة التوتر: هل اتهم المجلس قوات الأمن بـ"تعذيب" ناشطي الحراك، كما توحي بذلك تسريبات ظهرت في الصحافة؟ بينما نفت الإدارة العامة للأمن الوطني بشكل قطعي هذه "الاتهامات والمزاعم الخطيرة"، التزم المجلس الصمت.

وفي تقريرها السنوي 2017 /2018، انتقدت منظمة "امنيستي" المغرب لكونه لم يتسلح بآلية وطنية لمكافحة التعذيب، كما سجلت أنه لا يتم فتح تحقيقات "جادة" في الحالات التي وردت فيها اتهامات بالتعذيب.

شكل الحراك نقطة قطيعة بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان والحكومة التي لها "روايتها الخاصة" حول الاحتجاجات التي هزت الحسيمة ونواحيها. فخلال أول ندوة صحافية له حول الموضوع في 2017، ركز المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، على حصيلة الاحتجاجات بالريف، والتي أظهرت حسب المسؤول الحكومي، إصابة 416 رجل أمن مقابل 45 شخصا فقط في صفوف المتظاهرين.

الحريات الدينية والفردية.. ملفات حارقة

كان على المجلس الوطني لحقوق الإنسان كذلك محاولة فتح الملف الحارق جدا للحريات الدينية والجنسية. ففي 2017، استقبل المجلس أعضاء التنسيقية الوطنية لمسيحيي المغرب في لقاء استشاري. وسلم الوفد للمؤسسة ملفا مطلبيا يسرد المضايقات التي تؤثر سلبا على ممارستهم لشعائرهم. وفي العام ذاته، وعدت المؤسسة الحقوقية بتقديم مذكرة تتضمن مطالب الأقليات الدينية والجنسية. منذ ذلك الحين، لا شيء غير الصمت.

يجب الإقرار هنا بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يحارب لوحده على هذه الجبهة، ولا تسانده سوى بضع جمعيات، في الوقت التي تبدو فيه المؤسسات القضائية والأمنية غير متحمسة بتاتا لفتح هذا الملف الحساس. وزادت تصريحات الرميد الأمر تعقيدا. "المثلية ليست حقا إنسانيا، بل هي خرق لحقوق الإنسان"، قال في حوار سابق مع "تيل كيل عربي" في بداية هذه السنة. بل إن الوزير المنتمي للعدالة والتنمية اقترح في 2015 على أمواج إذاعة "شدى إف إم" ان يقوم المثليون بتغيير جنسهم حتى لا يلاحقهم القانون. كما أن المجلس كان- في تحركه الخجول- يسير ضد تيار القانون الجنائي المغربي الذي يجرم المثلية.

المساواة في الإرث.. بدون أفق

تم فتح الملف في 2015، بفضل تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان يعبد الطريق أمام المساواة في الإرث. ولكن النقاشات، التي كانت صاخبة لفترة، لم تفض، لحد الآن، إلى قرارات جادة أو إلى فتح ورش الإصلاح في هذا المجال، لأن حزب العدالة والتنمية اعتبر موقف إدريس اليزمي "غير مسؤول"(...) فهل يغير تعيين امرأة على رأس هذه المؤسسة شيئا؟

على أي، تتمتع أمينة بوعياش، التي يصفها المقربون منها بـ"العنيدة"، بدراية عميقة بحقوق المرأة: كانت باحثة مساعدة للراحلة فاطمة المرنيسي حول حقوق المرأة، وبالخصوص المرأة المسلمة، كما سبق لها نشر العديد من المقالات حول أوضاع النساء بالمغرب، بصفتها صحافية. والجميع ينتظرها بالمجلس لمعرفة مواقفها بخصوص قضايا خلافية مثل المساواة في الإرث وحرية المعتقد وإلغاء عقوبة الإعدام(...)

بتصرف عن "تيل كيل".