المسطرة الجنائية.. البرنوصي: المادتان 3 و7 نقطة سوداء في تاريخ التشريع المغربي

خديجة عليموسى

عبرت مجموعة من الجمعيات الحقوقية والمدنية عن رفضها القاطع للتعديلات التي تضمنها مشروع قانون المسطرة الجنائية، معتبرة، في بلاغ لها توصل "تيلكيل عربي" بنسخة منه، أن المشروع المعروض على مجلس المستشارين حاليا "يقيد أدوار المجتمع المدني في التصدي لمظاهر الإفلات من العقاب المرتبطة بالجرائم المالية ونهب المال العام والإثراء من خلال المقتضيات المقترحة بالمادتين 3 و7 بمشروع القانون.

التحرك جاء عقب اجتماع ثان نظمته الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة "ترانسبرانسي المغرب" أمس بالرباط، بمشاركة عدد من الهيئات المدنية، قررت توحيد جهودها الترافعية بخصوص مشروع القانون رقم 23-03، الذي ينتظر أن تشرع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالغرفة الثانية في مناقشته خلال الأيام المقبلة.

واعتبر أحمد البرنوصي، الكاتب العام لجمعية ترانسبرانسي المغرب، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن هذه التعديلات تمثل "نقطة سوداء في التشريع المغربي"، مشددا على أن مؤسسات دستورية، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، عبرت عن مواقف مشرفة، إلى جانب بعض الأحزاب السياسية.

وأضاف أن "الحكومة أصرت على الدوس على الدستور وتجرأت على الاتفاقيات الدولية"، موضحا أن الحركة الحقوقية بطبيعتها لا يمكن أن تكون إلا متفائلة، لكن استمرار الدفع بهذا المشروع نحو المصادقة يثير القلق، خاصة أن ما ينتظر مناقشته في الغرفة الثانية يعد أكثر خطورة بالنظر لانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".

وأشار إلى أن "هذه التعديلات قد تضعف ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، الذين يحرصون على وجود منظومة قانونية واضحة ومؤسسات رقابية مستقلة"، مضيفا أن "التقليص من إمكانيات المجتمع المدني في التقاضي حول قضايا المال العام قد ينعكس على مناخ الاستثمار وخلق فرص الشغل".

وفي رده على مبرر وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الذي أشار إلى وجود ممارسات غير سليمة من طرف بعض الجمعيات، أوضح البرنوصي أن "السلطة القضائية قائمة، والقوانين الزجرية واضحة، ومن يثبت تورطه في أي ابتزاز يجب أن يحاكم، لكن لا يجوز تعميم الاستثناء وتقييد العمل المدني على أساس حالات فردية"، مشيرا إلى أن هذا مجرد تبرير سياسي لوزير العدل من أجل حماية المنتخبين.

ونبه البرنوصي إلى تدهور ترتيب المغرب في مؤشر الشفافية الدولية، مذكرا بأن "المملكة تراجعت من الرتبة 73 سنة 2018 إلى الرتبة 99 حاليا، أي فقدان ما بين 24 و25 نقطة، نتيجة ضعف تنفيذ السياسات العمومية الموجهة لمحاربة الفساد".

وأكد أن "الاستجابة للملاحظات الحقوقية والمؤسساتية سيساهم في استعادة المصداقية والحد من التراجع في المؤشرات الدولية، ويعزز صورة المغرب كدولة تحترم التزاماتها".

واعتمدت الجمعيات المشاركة، التي أعلنت المبادرة المدنية بخصوص المادتين 3 و7 عن مشروع قانون المسطرة الجنائية، خطة عمل تشمل إعداد مذكرة ترافعية، وطلب لقاء مع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالغرفة الثانية، وتنظيم ندوة صحافية تليها وقفة احتجاجية أمام البرلمان.

كما تقرر توجيه رسائل إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والمكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، للتنبيه إلى أن هذه التعديلات قد تتعارض مع المادة الخامسة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تنص على أن "تقوم كل دولة طرفا بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد تعزز مشاركة المجتمع المدني وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة".

ويتركز الجدل الحقوقي والمدني حول مقتضيين أساسيين في مشروع القانون، لا تقتصر آثارهما على المجتمع المدني فقط، بل تمتد لتكبل صلاحيات النيابة العامة نفسها، وفق قول البرنوصي.

يذكر أن المادة 3 من مشروع القانون المذكور  تنص على أنه "لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية، أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، أو المفتشيات العامة للوزارات، أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك".

كما تنص المادة 7 على أنه لا يمكن للجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة أن تنتصب طرفا مدنيا إلا إذا كانت حاصلة على إذن بالتقاضي من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، وفق الضوابط التي يحددها نص تنظيمي.