المسطرة الجنائية.. مجلس دستوري يطالب بتحصين أدوات المجتمع المدني لمحاربة الفساد

محمد فرنان

دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى "الإبقاء على حق الأفراد وهيئات المجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام، مع إحاطة هذا الحق بما يلزم من تدابير لتحصينه من الاستعمالات غير المسؤولة أو المغرضة، والحفاظ على اختصاص النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في الجرائم ذات الصلة، وذلك تكريسا لانخراط المغرب دوليا في محاربة الفساد، وتعزيزا لدور المجتمع المدني، وحماية للمال العام من كل تبديد أو اختلاس".

وأضاف المجلس، في رأيه حول "مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية"، الذي صودق عليه يوم 9 أبريل 2025، يتوفر "تيلكيل عربي" على نُسخة منه، أن "الصيغة الجديدة للمادة 3 أوقفت إجراء الأبحاث وتحريك الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام على إحالة أو طلب يسنده تقرير وارد من هيئات وإدارات عمومية محددة، وهو ما يثير إشكالات جوهرية بشأن مدى ملاءمة التعديل المقترح مع مقتضيات الدستور، ومدى الانسجام مع الالتزامات الدولية للمغرب، ومدى التقائية السياسة الجنائية مع السياسات العمومية الخاصة بالحكامة الجيدة ومكافحة الفساد، ومدى الانسجام مع مقتضيات أخرى في قانون المسطرة الجنائية وتشريعات أخرى".

وشدد المجلس على أن "تقييد حق التقاضي وصلاحيات النيابة العامة في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في القضايا الخاصة بالمساس بالمال العام لا ينسجم كذلك مع أحكام القانون الجنائي، الذي يعاقب كل شخص بعدم التبليغ عن جريمة علم بوقوعها (الفصلان 209 و299 من القانون الجنائي)، علما أن القانون الجنائي يتضمن عقوبات صارمة ضد من ثبتت في حقه تهمة الوشاية الكاذبة أو القذف أو الابتزاز، وهي عقوبات يمكن تفعيلها ضد من يحاول توظيف العدالة بسوء نية لتحقيق غايات معينة، ومن الضروري العمل على مراجعة القانون المتعلق بالجمعيات، بما يرسخ معايير الحكامة الجيدة في تسييرها ويسد الطريق أمام الانحرافات المحتملة".

وأشار رأي المجلس إلى أنه "بخصوص الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 3 المعدلة، والتي تفيد أنه يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم الماسة بالمال العام إذا تعلق الأمر بحالة التلبس، فإن هذا مقتضى، حسب عدد من الفاعلين الذين تم الإنصات إليهم من قبل المجلس، يصعب تفعيله بالنظر إلى خصوصيات وتعقيدات الجرائم الماسة بالمال العام، وبالاستناد إلى أحكام المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بضبط حالة التلبس، أي ضبط الفاعل أثناء ارتكاب الجريمة أو مطاردته بصياح الجمهور، إلخ".

وذكر المصدر ذاته أن "القيام بالتبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام يبقى دائما متاحا بقوة القانون، بحيث يمكن للأشخاص الذاتيين والمعنويين (أفرادا وجمعيات...) أن يتقدموا بشكاياتهم ذات الصلة بجرائم المال العام إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وذلك طبقا للاختصاصات الموكولة إليها في هذا الشأن، والمتمثلة في تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات المتعلقة بحالات الفساد الإداري والمالي المشار إليها في الفصل 36 من الدستور".

وأوضح أن "هذه الهيئة، بعد قبول الشكاية ودراستها، يمكنها أن تحيلها إلى رئاسة النيابة العامة، وهو ما ينسجم كذلك مع الالتزامات الدولية لبلادنا، بتمكين المجتمع من المساهمة في التبليغ عن جرائم الفساد إلى هيئات وطنية متخصصة في مكافحته، يتم إحداثها لهذا الغرض، وتتميز بالاستقلالية، كما هو الشأن بالنسبة للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها".

وأوضح التقرير أن "المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية تشترط، في ضوء التعديل المقترح، على الجمعيات التي ترغب في الانتصاب كطرف مدني في القضايا الزجرية، أن تكون حاصلة على صفة المنفعة العامة، وأن تكون قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي، وأن تحصل على إذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، حسب الضوابط التي يحددها نص تنظيمي".

وسجل المجلس أن "فعاليات المجتمع المدني تتطلع إلى ترصيد المكتسبات وتوسيع هذه الإمكانية، التي يمنحها المشرع حصريا في التشريع الجاري به العمل للجمعيات التي تحمل صفة المنفعة العامة، والمؤسسة منذ أربع سنوات على الأقل، كي تشمل باقي الجمعيات، فإن إضافة اشتراط جديد هو الإذن بالتقاضي، لا يسير في اتجاه تكريس الأدوار الدستورية للمجتمع المدني والمشاركة المواطنة والفاعلة في قضايا الشأن العام، بل يبدو وكأنه تقييد لما هو مقيد أصلا".