المغاربة العالقون في الخارج.. الغربة القاتلة

أحمد مدياني

لحظات إنسانية قوية انفجرت لحظة التواصل مع المغاربة العالقين في الخارج في زمن "كورونا" وإغلاق الحدود. دموع، ورجاء، وحسرة، وأمل لم ينقطع حبل وصاله بين البلدان حيث علقوا، ووطنهم الذي يرجون معانقة ترابه قريباً. عددهم حسب تقديرات رسمية يصل بالتحديد إلى 18226، يتوزعون على دول في أوروبا وآسيا وإفريقيا والقارة الأمريكية.

من مختلف الأعمار والفئات، وفيهم حتى الرضع. مغربيات ومغاربة فرض عليهم قرار إغلاق الحدود بسبب تفشي جائحة فيروس "كورونا" المستجد، عيش حياة أشبه بـ"النزوح"، تاركين خلفهم عائلاتهم وأطفالهم ووظائفهم ومهنهم، رافضين الاستمرار في التسلح بالصبر الذي نصحتهم به الحكومة، وطلبت منهم أن يكون زادهم الوحيد لمواجهة محنتهم.

السفارات والقنصليات تكلفت فعلاً بعدد من هؤلاء النازحين رغما عنهم، لكن عدد المحظوظين لم يتجاوز2375  متكفل به، منهم من يقيمون في الفنادق وآخرون وزعوا على شقق، فيما تكلفت جمعيات الجاليات المغربية والمراكز الإسلامية بإيواء آخرين ومدهم بالمؤن، في بلدان يحصد فيها "كورونا" يوميا الأرواح بالمئات ويصيب الآلاف.

ما هي الظروف التي قادتهم إلى الحجر الصحي الإجباري خارج وطنهم؟ من يتواصل معهم؟ وما هي الأجوبة التي يسمعون يومياً؟ هل يرغبون في المساهمة لتسهيل عودتهم؟ وما هي اقتراحتهم حول ذلك؟ وماذا قدمت لهم مصالح وزارة الخارجية المغربية للتخفيف من معاناتهم؟ من هم؟ كيف يعيشون؟ وهل بينهم من يستحيل إعادتهم إلى أرض الوطن؟

أسئلة تجيب عنها شهادات قوية ومؤثرة، وخوف من مصير مجهول، يرون أنه قد يمتد إلى نهاية العام الجاري. تقابلها تبريرات من الذين يمسكون بتدبير الشؤون الخارجية، وهم يشهرون ورقة الرهبة من نقل مغاربة للعدوى إلى مواطنيهم، بعد أن قادهم قدهم القدر المحتوم إلى بؤر تفشى فيها فيروس "كورونا".

شهادات بمداد من دموع

لم تتمالك دموعها مع أول كلمة حين اتصل بها "تيلكيل عربي"، طيلة فصول المكالمة لم تتوقف عن البكاء. تحسرت على اليوم الذي قررت فيه فراق كندا، حيث عاشت هناك 10 سنوات، والعودة للاستقرار في المغرب. "إشراق معتوق"، واحدة من المغاربة العالقين خارج الوطن بعد قرار إغلاق جميع المنافذ إليه بسبب جائحة "كورونا" المستجد. سافرت إلى بلجيكا عبر مطار المسيرة بأكادير يوم 12 من مارس الماضي، وكان موعد عودتها الـ16 من الشهر نفسه، والغرض من السفر إيصال وثائق مهمة لشقيقتها، ما كانت لتصلها دون أن تتكلف هي بالمهمة التي تحولت إلى كابوس.

تقول "إشراق" بنبرة حزينة، دون التوقف عن البكاء، "أصبحنا مثل اللاجئين، ولا نريد أن نظهر عراة أمام الناس. صبرنا أزيد من شهر، ويطلبون منا المزيد من الصبر، حتى الأموال التي نملكها لا يمكن أن نخرجها من المغرب".

هل يمنع على أسرهم في المغرب إرسال أموال لهم حيث علقوا؟ الجواب حسب الشهادات التي استقها "تيلكيل عربي"، "نعم". وتتحدث عن ذلك "نبيلة"، التي علقت في بلجيكا أيضاً، رفقة رضيعها الذي لم يتجاوز سنه الـ10 أشهر، وتكشف في حديثها أن رضيعها أصيب بمرض الحصبة "بوحمرون" وعانت كثيراً لأنها لم تعد تملك ما تصرفه، ليحاول زوجها بعث مبلغ مالي إليها عبر وكالة لتحويل الأموال نحو الخارج. "زوجي كاد يجن، يومياً يتحدث معي والدموع تغالبه، ويوم أخبرته بمرض طفلنا، خرج مسرعاً لإرسال مبلغ مالي، لكن صدم حين أخبروه بأن ذلك ممنوع في الظروف الحالية"، تقول وهي تغالب دموعها.

"نبيلة" وصلت إلى بلجيكا يوم 13 مارس، ولم تكن وجهتها اختيارية، لأنها كانت في إسبانيا خلال عطلتها، ويوم تقرر إغلاق الحدود بين المغرب وجارته الشمالية، وإلغاء تذكرتها على متن الخطوط الملكية المغربية المبرمجة يوم 14 مارس، سارعت بالسفر إلى فرنسا، حيث حجزت تذكرة أخرى، ألغيت بدورها، لتشد الرحال إلى بلجيكا وتحجز تذكرة ثالثة يوم الـ17 من نفس الشهر، كان مصيرها أيضاً الإلغاء.

وتصف "نبيلة" بحرقة أحوالها: "أنا عالقة مع رضيع في عمره 10 أشهر، سافرت قصد السياحة، لأسبوع تحول إلى شهر ونصف. أستقر اليوم عند عمتي، وخسرت 6000 درهم على تذاكر السفر التي ضاعت، وليس هناك أي تعويض".

"سناء"، ممرضة عالقة في جنوب فرنسا، بدورها تعيش نفس المأساة، خاصة وأنها تعاني من مرض مزمن، حسب ما صرحت به لـ"تيلكيل عربي"، وتتأسف لـ"عدم استجابة قنصلية المغرب في تولوز لنداء استغاثتها".

وتشرح "سناء" وضعها لـ"تيلكيل عربي" بالقول: "أتناول دواء لا يمكن شراؤه من الصيدليات بدون وصفة الطبيب. تواصلت مع زوجي في المغرب، وبعد محاولات متكررة استطاع الحصول على الوصفة وتصويرها وبعثها لي، لكن رفضت الصيدليات هذه الصيغة لبيع الدواء، رغم أنني أدليت بكل الوثائق التي تؤكد أنني إطار في الصحة العمومية بالمغرب".

وتضيف، حول الجواب الذي تلقته من القنصلية المغربية في تولوز، بعدما اتصلت بهم وأخبرتهم بحالتها الصحية: "اتصلت بهم من أجل التدخل العاجل بخصوص حالتي الصحية، قالوا لي لا نملك لك أي حل. زوجي ذهب عند الطبيب في المغرب من أجل أخذ الوصفة العلاجية لشراء الدواء، وجد العيادة مقفلة، ثم حاول مراراً وتكراراً حتى بعثها لي. أنا لم أطلب من القنصلية حاليا لا مصاريف ولا إيواء، طلبت فقط تدخلا صحياً لأن كميات الدواء التي بحوزتي نفذت".

"سفيان الكنوني"، إطار مغربي، وأحد العالقين في أوروبا بعدما نزل بها للمشاركة في دورة تكوينية، يلخص الوضع الذي وجدوا أنفسهم بوصف ينهل من علاقة الأب بابن متخلى عنه، ويقول، في هذا الصدد: "وضعنا مثل طفل كان يتجول رفقة والده، ثم طلب منه الأخير أن يذهب ليمرح في فضاء للألعاب، وطمأنه بأنه حين عودته سوف يجده في انتظاره. لكن الطفل عندما عاد، لم يجد والده، وبعد بحث مطول عنه، وجد الطفل نفسه في ملجأ للأيتام، رغم أن والده على قيد الحياة. ورغم معرفة الوالد بوضع ابنه، يخبره حين اتصل به، بأنه يُحتمل أن يكون مريضاً. لا يريد أن يجري لابنه التحليلات ليتأكد من صدق مبرره، لكن يتهمه بمحاولة نقل المرض لأشقائه".

كل الذين تحدث إليهم "تيلكيل عربي" يشددون على أنهم، إلى حدود اللحظة، يصرفون من مالهم الخاص على أيام عيش حجرهم الصحي الإجباري خارج الوطن. يقيمون عند عائلاتهم أو أصدقائهم، ومنهم من وصلتهم مساعدات من الجالية المغربية هناك وبعض الجمعيات والمراكز الإسلامية، وعدد كبير منهم طلب عدم نقل شهاداتهم على ألسنتهم مباشرة.

ماذا قدمت لهم الحكومة؟

من جهتها، وخلال جلسة برلمانية عقدت يوم الأربعاء 15 مارس جاري، لمناقشة أوضاع المغاربة العالقين، صرحت نزهة الوفي، الوزيرة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، خلال اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج بمجلس النواب، أنه "في ما يتعلق بالمواطنين المغاربة العالقين بالخارج، بسبب إغلاق الحدود، فقد بادرت الوزارة من خلال البعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية المغربية إلى مواكبتهم وتسجيل بياناتهم وفي بعض الأحيان التكفل بمأواهم ومعيشهم اليومي وحتى مصاريف علاجهم".

وتكشف الوزيرة أن هناك "2375 متكفل بهم من أصل 18226 مواطن مغربي عالق بالخارج، ويشمل هذا التكفل مصاريف عمليات جراحية مستعجلة".

وتضيف نزهة الوافي أنه قد "اتخذت إجراءات لدى سلطات البلدان الأجنبية، لتمديد مدة صلاحية تصاريح إقامتهم، وكذا من أجل الإبقاء على الفنادق التي تأويهم مفتوحة أو حجز فنادق كاملة لإيوائهم".

في المقابل، تشدد البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة ابتسام عزاوي، أول من بادر لطرح سؤال برلماني عن أوضاع المغاربة العالقين في الخارج، على أنها "فوجئت برد الوزيرة المنتدبة نزهة الوافي، كما فوجئت برد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني حين وجهت له سؤالاً حول نفس الموضوع في جلسة الاثنين الماضي، فكان الجواب ضرورة التحلي بالصبر".

وتضيف البرلمانية، في تصريحها لـ"تيلكيل عربي"، أنه من بين "التدابير المهمة والصائبة والحكيمة التي اتخذت، قرار إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية. لكن هذا القرار، له آثار يجب معالجتها بكل سرعة نظرا لطبيعتها الاستعجالية. اليوم نحن أمام مشكل صعب يجب حله. أكثر من 18 ألفا من مواطنينا عالقون في مختلف مناطق العالم، وضعيتهم المادية صعبة بعد نفاذ اعتماداتهم المالية. هؤلاء يحتاجون لحلول آنية لحل مشاكل السكن والأكل والتطبيب في أفق تنظيم عملية إعادتهم لأرض الوطن".

وتتابع المتحدثة ذاتها أن "هناك مواطنات ومواطنين مغاربة من الجالية، كانوا يتواجدون داخل التراب الوطني، وقت اتخاذ قرار إغلاق الحدود، ومنهم من يحمل جنسية مزدوجة والدول التي يقطنون بها عبرت عن استعدادها لترحيلهم، إلا أن هنالك استحالة للأمر، لذلك طالبت، خلال آخر اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج بمجلس النواب، بإعادة النظر في القرار".

وتحدثت البرلمانية عن حزب "البام"، عن أنها "طالبت، وساندتها باقي الفرق في هذا الطلب، بإبقاء الاجتماع مفتوحا في أفق عقد اجتماع طارئ في القريب العاجل حول نفس الموضوع بحضور وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، والسبب في ذلك أن الاجتماع الأخير لم يكن مرضياً أبدا".

وتصف البرلمانية الخلاصات التي خرج بها البرلمانيون، بأنه "لم تكن في مستوى الانتظارات. إذ لم تقدم لنا إجابة على أهم سؤال: كيف ومتى ستتم تنظيم عملية عودة المغاربة العالقين بالخارج؟ وكيف ستتم عملية ترحيل الجالية المغربية المتواجدة حاليا بالمغرب؟ كما لم تقدم لنا صورة واضحة ودقيقة عن التدابير المتخذة حاليا لتقديم حلول آنية لمن هم في وضعية جد صعبة الآن".

وتطالب البرلمانية ابتسام العزاوي المسؤولين في المغرب نهج خطاب الصراحة والشفافية. "يجب توضيح الرؤية للرأي العام. صحيح أن هنالك صعوبات، لكن يجب مشاركتها مع المواطنات والمواطنين، والأهم، الإعلان عن الخطوات القادمة وإن كانت ستتطلب أسابيع أو حتى شهورا".

واقع "لا يرتفع"

"سعيد نكار"، شاب مغربي يعمل في جنوب إفريقيا، قاده تغيير اضطراري لمسار رحلتها من بلاد نيلسون مانديلا إلى المغرب، ليعلق في تركيا، وهو اليوم فقد الأمل في الوصل إلى بلاده، ويتحسر بشدة، لأن سبب سفره كان بسبب إخباره من طرف زوجته بأنها حامل، وأراد أن يعرف الجنين برفقتها.

يقول "سعيد"، في شهادته عن المعاناة التي وجد نفسه فيها مكرهاً: "قدمت إلى تركيا يوم 20 مارس، أنا أشتغل في جنوب إفريقيا، وتركيا كانت محطة عبور فقط".

ويضيف: "خرجت من جنوب إفريقيا بمسار رحلة مختلف، لكن في المطار فرض علي مسار رحلة آخر، لأجد نفسي عالقا في تركيا".

وعن ظروف عيشه في تركيا، يحكي "سعيد نكار": "أنا أقيم في فندق على نفقتي الخاصة منذ الـ20 من مارس. تواصلت مع القنصلية يوم الأربعاء 15 أبريل، أخبرتهم أنه لم يعد باستطاعتي تحمل مصاريف الإقامة والأكل في الفندق، وكان جوابهم أن اسمي في لائحة الانتظار وعلي الصبر".

ويضيف "في تركيا، ليس هناك التزام صارم بالحجر الصحي، وهذا يشكل خطرا على كل المغاربة. أنا أنتظر فتح الأجواء مع جنوب إفريقيا فقط، وفي أول فرصة سوف أعود إليها. فقدت الأمل في الدخول إلى المغرب، ولا يمكن أن أضيع كل هذه الأيام التي فرضت على نفسي حجرا صحيا صارماً على أمل أن ألتقي زوجتي الحامل".

معاناة من نوع آخر حاصرت مواطناً مصرياً يقيم في المغرب، اسمه "محمد"، أب لثلاثة أطفال، هم اليوم في رعاية أصدقائه بمدينة طنجة، وكلما اتصل بالمسؤولين المغاربة في السفارة بالقاهرة، حسب تصريحه، يخبرونه بأن "ملفه قيد المعالجة".

ويحكي "محمد" أنه "سافر إلى إسبانيا رفقة زوجته، لغرض مهني مدته 24 ساعة فقط، وترك أطفاله بالمغرب، ولكن الحدود أغلقت بعد نهاية عملهما مباشرة".

ويضيف: "لم نستطع العودة، فقررنا إعادة المحاولة براً في اليوم الثالث، لكن لم نستطع ذلك أيضاً. ذهبنا إلى ملقا، ثم إلى بروكسل على أمل وجود طائرة تقلنا إلى المغرب، ولكن لم تكن هناك طائرات، ومع مرور الوقت وجدت آخر طائرة متوجهة إلى القاهرة فلحقنا بها، ونحن في مصر منذ ذلك الوقت".

"محمد"، حين حديثه مع "تيلكيل عربي"، كان خائفا على نفسية أطفاله، ويعبر عن ذلك بالقول: "هم عند أصدقاء نثق فيهم كثيرا، ونشكرهم لأنهم تحملوا الكثير لأجلنا وأجلهم، لكن تعرفون أنه من الصعب تبرير، وكل يوم، للصغار سبب عدم عودة أمهم وأبيهم إليهم. هم لا يعرفون 'كورونا' أو غيره، ونحن ننتظر قراراً من السلطات المغربية لإنهاء هذه المعاناة".

"نبيلة" العالقة في بلجيكا رفقة رضيعها، تقول إنها "اتصلت بالقنصلية أكثر من مرة، ويخبرونها أنه ليست هناك أي مساعدات". وتضيف: "سألت عن الذين تكلفوا بهم، الأمر مقتصر على حجز غرفة في الفندق، كما قلت في السابق، ابني مرض لمدة أسبوع، وحين اقترحوا علي حجز غرفة في الفندق، أجبتهم أنه ليس هذا هو المهم، بل أحتاج تدخلا طبياً عاجلاً لصالح رضيعي في ظل الظروف الصحية التي تمر بها أوروبا بسبب الفيروس".

كيف انتهت معاناة "نبيلة" ورضيعها مع المرض؟ تجيب أن مغربية تقيم في بلجيكا من إحدى الجمعيات، قدمت لها مساعدات للرضيع، تتضمن أدوية وحليب وحفاظات. وتضيف "نحن لا نبحث عن الإقامة في أوروبا، عدد كبير منا يعيش أزمات نفسية، لأننا تركنا عائلاتنا خلفنا، بالنسبة إلى مثلا، يجري والدي أسبوعيا حصصا لتصفية الدم، وكل يوم أقول قد لا أراه مجدداً".

من جانبه، يتحدث "سفيان الكنوني" بنبرة غضب، حيث قال لـ"تيلكيل عربي"" "وعدونا، في الأول، بتسوية الوضعية وإعادتنا إلى المغرب، تم ذلك خلال الأسبوع الأول ثم تكرر الخطاب نفسه في الأسبوع الثاني. تعبنا، ووضعنا في فنادق بادرة نشكر السلطات المغربية عليها، ولكن لا يمكن أن نستمر في هذا الوضع، لأننا تركنا أطفالنا خلفنا. أنا تركت طفلة لا تستطيع المشي، وصدمت، في آخر مكالمة، لما علمت أنها صلبت عودها. قدمت إلى فرنسا من أجل دورة تكوينية، أنا اليوم أقيم فيها مجبرا".

العالقون يقدمون الحلول

عبارة واحدة تتردد على لسان كل من تحدث إليهم "تيلكيل عربي"، من المغاربة العالقين في الخارج، وهي: "يمكن أن نتكلف بكل شيء، إذا أرادوا إعادتنا إلى المغرب، حتى الحجر نتكلف بمصاريفه كاملة. سوف ندفع قيمة تذاكر الطائرة بأي ثمن، واتفقنا على وضع مساهمات لأداء قيمة التذكرة لمن هم في وضعية صعبة".

"إشراق معتوق"، المغربية العالقة في بلجيكا، لا تنكر أن هناك فئات تم الحجز لها في الفنادق، وتكلفت المصالح القنصلية بمعيشها اليومي، لكن هناك فئات أخرى، حسب قولها، لا تنصت لها القنصليات حين الاتصال بها، وتشدد على أنهم يقترحون ولا يشتكون فقط.

"حين أغلقت الحدود كنت في المطار، لم أجد مخاطبا، لا من المصالح الدبلوماسية ولا حتى من شركة الخطوط الملكية المغربية. اتصلت برقم الخلية الذي أعلن عنه لمساعدتنا، فتم تحويلي إلى رقم خاص في وزارة الخارجية بالرباط. أخبرتهم بوضعيتي الصعبة، وأخذت سيدة البيانات من عندي، وأخبرتني أنها أرسلتها إلى المصالح القنصلية حيث أتواجد، ثم قالت بنبرة حسرة: يستحيل إعادتكم إلى المغرب في هذه الظروف". ورغم جواب الموظفة بالوزارة، تضيف "إشراق معتوق"، "لدينا مقترحات للعودة إلى وطننا".

وتقول المتحدثة ذاتها: "نحن بلد له إكراهات، هذا صحيح، ولكننا نرجو خيراً فيه. نقترح على المسؤولن البدء بنقل 5000 شخص من الذين يعانون من أوضاع صعبة. لا نريد أن نتابع انتحارا نفسيا جماعيا. هناك من قرر منا الدخول في إضراب عن الطعام، وآخرون يقترحون كسر الحجر الصحي والاعتصام أمام القنصليات المغربية".

"إشراق" تطالب بـ"إشارة أمل فقط، مثل إرجاع المغاربة العالقين في سبتة ومليلية. سوف نفرح بهذه الخطوة، وتخفف علينا نفسيا. وأكرر، نقترح أن يبدؤوا بالمغاربة في أوضاع صعبة، خاصة منهم العالقون في مناطق لا توجد فيها تمثيلية دبلوماسية".

خلال الحديث مع "إشراق معتوق" عن هذه النقطة، طلبت من "تيلكيل عربي" دقيقة لإرسال معطيات عن وضعية مغاربة يعانون من وضع خاص، وعددهم ثمانية، نقلت أخبار عنهم في مجموعة مغلقة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنشأها المغاربة العالقون في الخارج لتقاسم تجاربهم والتنسيق في ما بينهم ومساعدة بعضهم بعضا.

وأرسلت "إشراق" صورة، تنقل معطيات عن 8 مغاربة كانوا في رحلة سياحية بدولة النيبال، وتخلت عنهم وكالة الأسفار بعد تفشي فيروس "كورونا"المستجد عالمياً، كما قرر الفندق، حيث كانوا يقيمون، إغلاق أبوابه. وتوضح المعطيات، التي توصل بها "تيلكيل عربي"، أن هؤلاء المغاربة استطاعوا بعث بياناتهم بمساعدة المجموعة "الفيسبوكية" للمغاربة العاقلين في الخارج، إلى سفارة المغرب في روسيا.

"سناء" الممرضة تركت طفلين وأمها المريضة خلفها، وتتحسر على عدم تواجدها بالمغرب لتأدية واجبها، خاصة وأنها في فترة إقامتها الجبرية في فرنسا، توصلت بمقترحات عدة للعمل هناك، في ظل الخصاص المهول في الأطر الصحية. وتتحدث عن هذا الأمر لـ"تيلكيل عربي" بالقول: "يمكن أن أطرق باب أي مستشفى عمومي أو خاص في فرنسا، وسوف أعمل في لمح البصر، بل كانت هناك اقتراحات جدية لتسوية وضعية إقامتي بسرعة، لكن لا أرغب في سلك هذا المسار في هذه الظروف. أريد العودة إلى أسرتي وبلدي. هناك موقعي بمستشفى أكادير، ورغم الطريقة الفجة التي يخاطبنا بها موظفو القنصلية، وفي كل مرة يطالبوننا بالإيجاز في الكلام بمبرر أننا نشغل الخطوط، فإننا متشبثون بالعودة، ولا أطلب منهم اليوم سوى وثيقة يجب أن أبعثها لوزارة الصحة تؤكد أنني عالقة في فرنسا. تخيلوا أنني عالقة ويجب أن أؤكد ذلك للإدارة!".

"سناء" بدورها، تقول إنهم "مستعدون لتأدية مصاريف التنقل والتحليلات وأن يقوموا بالحجر الصحي الطوعي داخل المدارس أو أي مراكز تختاره السلطات في المغرب".

وتضيف: "هناك مغاربة عالقون مستعدون لأداء تذاكر الطائرة على آخرين لتغطية أي مصاريف إضافية، والتكفل بكل العالقين الذين لا يستطيعون تحمل مصاريف الحجر الصحي، حين عودتهم إلى وطنهم".

الخطاب نفسه يصرح به لـ"تيلكيل عربي" الإطار المغربي سفيان الكنوني، ويقول: "الإجراءات التي قامت بها الدولة استباقية وجيدة، ولكنهم تناسونا لأزيد من شهر. كل الدول أعادت مواطنيها، باستثناء المغاربة ومن هم من دولة بوروندي".

ويشدد المتحدث ذاته على أن "كل المجموعات التي تتواصل فيما بيننا، قامت بالحجر الصحي لأزيد من شهر، وهناك من لم يغادر المنزل أو الفندق لـ35 يوماً"، ويؤكد على أنه "الآن المشكل أصبح نفسي، ونحن مستعدون لحجر صحي إضافي في المغرب، و90 في المائة منا صرحوا بقدرتهم على شراء تذاكر العودة إلى المغرب، ويمكن أن تقوم السلطات بهذه العملية خلال خمسة أيام فقط".

في هذا الصدد، يكشف مصدر رفيع من وزارة الشؤون الخارجية في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، على أن "جميع السيناريوهات مطروحة"، ويؤكد على أن "هذا الملف لم يقفل بعد، وهناك دراسة لجميع الاحتمالات".

ويوضح المصدر ذاته على أن "كل من لجأ إلى القنصليات والسفارات من أجل الإيواء، تم التعامل مع طلبه بجدية، وحسب الإمكانيات المتاحة".

وبخصوص نسبة إمكانية إجلاء المغاربة العالقين، يقول مصدر "تيلكيل عربي" إن "القرار ليس بيد الخارجية ومصالحها فقط، لأنه اليوم في المغرب هناك لجنة قيادة وطنية تتابع كل ما هو مرتبط بتدبير جائحة كورونا".

ولا يخفي المصدر الدبلوماسي الرفيع وجود "مخاوف من صعوبة فرض الحجر الصحي على العائدين، وما سيكلف ذلك من تعبئة للإمكانيات المادية واللوجستية والأمنية والصحية لإجراء التحاليل لهم دفعة واحدة أو حتى على دفعات".

كما يوضح أن "قرار الإجلاء مرتبط أيضاً بالدول التي علقوا بها، وكيف سوف تساعد في تسهيل هذه العملية، إن اتخذ قرار نهائي بشأنها".

مقيمون مع وقف التنفيذ

ليس المغاربة العالقون وحدهم بسبب السياحة أو مهمة مهنية أو زيارة عائلية وحدهم من يعانون، بل هناك في أقصى ركن من الكرة الأرضية شرقاً، مغاربة يحيط بهم البحر من كل جانب، فقدوا كل شيء، ولا معيل لهم اليوم.

هذه التجربة، تتحدث عنها لـ"تيلكيل عربي" "خولة شفيق"، مغربية تعمل في مجال السياحة والفندقة بجزر المالديف.

وتقول "خولة شفيق"، التي تعرضت للتسمم مرتين، إن "كل الفنادق في الجزر أقفلت، ولم يعد لهم مأوى هناك، وبسبب الأكل الذي يقدم في مطاعم صغيرة، تشهد اكتظاظا يوميا على الخدمات التي تقدم، تعرضت للتسمم، وحتى الأكل الذي تقدمه حار جداً، ويحضر بطريقة محلية لم يألف المغاربة الذين يعملون أو علقوا هنا تناولها".

وتضيف "خولة شفيق" أن "السفارة المغربية في الهند هي من تواصلت معهم قبل أيام، لكن بدون نتيجة".

الشابة المغربية ترى أنهم عرضة لتشرد من نوع خاص، بحكم طبيعة الدولة التي يعملون فيها؛ أي جزر المالديف، لأن البحر يحيط بهم من كل جانب، وليس لهم أي مأوى يلجؤون إليه، خاصة وأن من يشغلونهم منحوهم مهلة إلى غاية يوم الثلاثاء 14 أبريل 2020. وتضيف "تعذر علينا كراء شقق بشكل جماعي، لأننا متفرقون، ويصعب التنقل اليوم بين الجزر بسبب الإجراءات المطبقة لمنع تفشي فيروس كورونا. نريد تأدية تذاكر سفرنا إلى المغرب، وليفرضوا علينا ما يشاؤون وما يرونه في صالح البلاد بمجرد وصولنا إلى المطار".

وفي انتظار الحروف التي ستكتب نهاية هذا الملف ومآله، تختم الممرضة "سناء" العالقة في فرنسا رسالة، شهادتها بعبارة: "ولينا كنشوفو ريوسنا ميكروبات. إذا كتب تم نقلنا إلى المغرب، نحتاج مواكبة نفسية لسنوات من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية".