تؤشر تصريحات المسؤولين الإسبان، التي تسبق زيارة العاهل فيليبي السادس للمغرب، على الرغبة في تمتين العلاقات الاقتصادية، التي أضحت فيها إسبانيا أول شريك تجاري للمغرب.
وتحولت إسبانيا إلى أول شريك تجاري للمغرب في الأعوام الأخيرة، بينما تأتي في المركز الثاني على مستوى الاستثمارات الخارجية المباشرة المنجزة بالمملكة بعد فرنسا.
توجه نحو مضاعفة المبادلات
وناهزت التدفقات التجارية بين المغرب وإسبانيا في الستة أعوام الأخيرة 12 مليار يورو، مسجلة زيارة سنوية تصل إلى 10 في المائة، ويصل معدل تغطية الصادرات للواردات بالنسبة لإسبانيا إلى 122 في المائة في 2016.
وبلغت صادرات المغرب نحو إسبانيا 58,88 مليار درهم، مقابل مشتريات في حدود 73,78 مليار درهم، حيث يعاني المغرب من عجز تجاري مع الجارة الشمالية للمملكة في حدود 14,90 مليار درهم.
ويتوقع المكتب الاقتصادي والتجاري لإسبانيا بالرباط، أن تتضاعف المبادلات التجارية بين البلدين في الأعوام المقبلة، بالنظر لوتيرة نموها في الأعوام الماضية؛ ما يعني أنها ستنتقل إلى 24 مليار يورو.
رسائل قبل الزيارة
وطغى البعد الاقتصادي على تصريحات المسؤولين الإسبان، عشية زيارة فيليبي السادس للمغرب، فقد تحدث وزير الشؤون الخارجية الإسباني جوزيب بوريل، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن الصناعات الابتكارية الحاملة للقيمة المضافة، خاصة في مجال التكنولوجيات الرقيمة، بالإضافة إلى القطاعات التقليدية مثل السياحة والفلاحة.
ولم تغفل وزيرة الخارجية السابقة، أنا بلاسيو، في مقال لها بصحيفة "إل موندو"، البعد الاقتصادي في العلاقات بين البلدين، حيث ذكرت بأن المغرب أضحى ثاني شريك بإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي.
وأشارت إلى أن أزيد من عشرين ألف شركة إسبانيا تصدر منتجاتها نحو المغرب، كما أن أكثر من 800 شركة أخرى، تتمركز في المملكة، في حين أن أكثر من 600 شركة لديها أسهم في شركات مسجلة في المغرب.
وتنصب الاستثمارات الإسبانية على الخدمات والعقار والنقل والسياحة والطاقات المتجددة وصناعة معالجة المياه، وهو ما يدفع مراقبين إلى التأكيد على أن المغرب شكل ملاذا للمستثمرين الإسبان، خاصة بعد الأزمة العالمية في 2008.
واعتبرت بلاسيو أن قطاع الطاقة، يتبوأ مكانة مهمة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مشيرة إلى أن 20 في المائة من الكهرباء المستهلك بالمغرب مصدره إسبانيا.
الاقتصاد لتقوية العلاقات
يحضر الهاجس الاقتصادي، بقوة ا في الزيارة التي سيقوم بها فيليبي السادس للمملكة، بحيث ينتظر أن تعطاها دفعة قوية، بالنظر للعلاقات القوية التي أعطيت لها منذ 2013، حيث أضحت إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب.
ويرى الباحث المغربي، نبيل دريوش، صاحب كتاب "الجوار الحذر"، أن للاقتصاد دور حاسم في تسوية العديد من الخلافات بين المغرب وإسبانيا، هذا ما فطن له وزير الخارجية الأسبق أنخيل موراتينوس، الذي كان يتحدث عن "شبكة المصالح" لتقوية العلاقات بين البلدين.
ويذهب دريوش في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، إلى أن البعد الاقتصادي حاضر في مبادرات العاهل فيليبي السادس. فإذا كان والده، خوان كارلوس، قد أبدي ميلا للاشتراكيين الإسبان، فإن الابن أكثر قربا من دوائر رجال الأعمال واليمين الإسباني.
وينتظر أن تشهد الزيارة، التي تستغرق يومين، توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي جديدة، بما يساعد على إعطاء دفعة قوية للحضور الإسباني بالمغرب.
وسبق الزيارة تصويت البرلمان الأوروبي، علي اتفاق الصيد البحري، اليوم الثلاثاء، وهو اتفاق تراهن عليه إسبانيا كثيرا، على اعتبار أنه سيتيح لتسعين باخرة إسبانية ضمن الأسطول الأوروبي، بالعودة إلي المياه المغربية، بعد مصادقة برلمان المملكة.
من خوان كارلوس إلى فيليبي السادس
وتتجلى أهمية زيارة العاهل الإسباني للمغرب، من كون الأسرتين الملكيتان بالبلدين تجمع بينهما علاقات جيدة منذ عودة الملكية إلى الجارة الشمالية للمملكة مع سقوط نظام حكم الجنرال فرانكو.
ويذهب دريوش إلى أن الملكية في إسبانيا، ساهمت في معالجة الكثير من الأزمات العلنية أو الصامتة بين البلدين، وهو دور أدركه الوزيران الأولان فيليبي غونزاليس وماريانو راخوي جيدا، بينما لم يستوعب الوزير الأول ماريا أثنار.
ويستحضر الباحث المغربي موقف الحسن الثاني، عند التوقيع على اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين البلدين في 1991 في عهد الوزير الأول فيليبي غونزاليس، حيث ألح الحسن الثاني على التوقيع مع العاهل خوان كارلوس، بينما المخول لذلك هو الوزير الأول الإسباني.
ويشير إلى أن زيارة العاهل الإسباني، تكون فرصة للحصول على "هدايا" اقتصادية. فقد أخبر محمد السادس، فيليبي السادس عند زيارته للمغرب في 2014، بمصادقة البرلمان المغربي على اتفاقية الصيد البحري، وهي مصادقة كانت تراهن عليها إسبانيا كثيرا من أجل عودة بواخرها إلى المياه المغربية.
زيارة بعد توضيح الموقف من الهجرة
وكانت زيارة الوزير الأول الإسباني، بيدرو سانشيز، للمغرب، في نونبر الماضي، والتي استقبل خلالها من قبل الملك محمد السادس ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني، قد أفضت إلى تسوية الأزمة الصامتة بين البلدين والتي أججتها مقاربة سانشيز للهجرة.
فلم ينظر المغرب بعين الرضا للطريقة التي قارب بها سانشير، دون التنسيق مع المملكة، مسألة الهجرة غير الشرعية، ما أفضى إلى تحويل مسارها إلى جبل طارق بعدما نشطت في الأعوام الفارطة بين ليبيا وإيطاليا.
وسعى سانشير، خلال زيارته للمغرب، إلى التأكيد على دور المغرب في معالجة قضايا الهجرة، بل إن إسبانيا سعت لدى بروكسيل من أجل رفع المساعدات المالية للمملكة الرافضة لاستقبال مراكز إيواء للحيلولة دون دخول المهاجرين السريين إلى أوروبا.
وساعد توضيح مواقف البلدين من ملف الهجرة خلال زيارة سانشيز إلى التعجيل بزيارة العاهل الإسباني إلى المغرب، علما أن الوزير الأول الإسباني، هو الذي أعلن عن حلول فيليبي السادس بالرباط.