المغرب.. وحده في وجه العاصفة

تيل كيل عربي

بقلم: عبد الإله الوافي

عندما نتأمل في تاريخ المغرب السياسي، نجد أنفسنا أمام ملحمة متواصلة من الصمود والعزلة. فالمغرب، هذا البلد الذي حمل مشعل الإسلام في أقصى غرب العالم الإسلامي، ظل في لحظات مفصلية من تاريخه الجهادي والسياسي، يواجه مصيره منفردًا، دون سند من إخوته في المشرق العربي أو من دول العالم الإسلامي.

لقد كان سقوط الأندلس لحظة فارقة في تاريخ الأمة. لحظة لم تُسقط فقط آخر قلاع الإسلام في أوروبا، بل أسقطت معها وهم التضامن الإسلامي. ففي الوقت الذي كانت فيه ممالك إيبيريا (إسبانيا والبرتغال) تشن حملات متتالية على المغرب من سواحله الشمالية، وتقضم أراضيه قطعة قطعة، كان العالم الإسلامي يعيش حالة من الانكفاء والانقسام، منشغلاً بصراعاته الداخلية، تاركًا المغرب لمصيره.

فمن طنجة إلى سبتة، ومن مليلية إلى الجزر الجعفرية، لم تكن تلك الحملات مجرد استعمار بحري، بل كانت امتدادًا لروح “الاسترداد” التي أشعلتها الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا ضد المسلمين. وكانت معارك القصر الكبير، والعرائش، وتطوان، صفحات دامية دفع فيها المغاربة ثمنًا باهظًا من دمائهم وكرامتهم، دفاعًا عن شرف الأمة الذي لم تجد فيه الأمة وقتها ما يستحق الدفاع.

وبينما استعاد اليهود الشتات عبر دعم عالمي غير مسبوق، واستعادت دولٌ في آسيا وأفريقيا سيادتها بدعم تحالفات، ظل المغرب إلى اليوم يئن تحت وطأة احتلال مزدوج: احتلال عسكري مباشر لمدينتين عزيزتين، سبتة ومليلية، واحتلال رمزي لذاكرة أمة تُركت وحدها في مواجهة التوسع الأوروبي.

إن السؤال الذي يجب أن يطرحه ضمير الأمة اليوم: أليست سبتة ومليلية من مقدسات الأمة كما هي القدس وغزة؟ أليس من الواجب السياسي والروحي أن نُدرج القضيتين ضمن أولويات الضمير العربي والإسلامي بدل تركها رهينة للتجاهل السياسي؟

حين كانت جيوش العرب تجتاح المغرب في موجات متتالية لنشر الإسلام، لم يترددوا في عبور البحر إلى الأندلس، ووصلوا بخيولهم إلى جنوب فرنسا. لكن عندما هُزم المسلمون هناك، لم يبقَ في الساحة سوى المغاربة، يصدّون الزحف الصليبي دون مدد، ودون خطبة جمعة من بغداد أو القاهرة تذكرهم.

ورغم هذا الجفاء التاريخي، ظل المغرب وفيًا لقضايا الأمة، مدافعًا عن القدس، محتضنًا للمقاومة، متشبثًا بعروبته وإسلامه، مدركًا أن التضامن لا يُقاس بميزان الربح والخسارة، بل بميزان الشرف والوفاء.

لا يمكن كتابة التاريخ السياسي للمغرب دون الاعتراف بأن هذا البلد شكّل سدًّا منيعًا في وجه الأطماع الأوروبية لعقود، ودفع شعبه ثمنًا غاليًا في سبيل ذلك. واليوم، آن الأوان أن يُعاد الاعتبار لهذا التاريخ، وأن تتحول قضية سبتة ومليلية من ملف صامت إلى قضية وجودية، تُناقش في كل منبر، وتُدرج في ضمير كل أمة تحترم نفسها.

وللحديث بقية…

مواضيع ذات صلة