المغرب وصحراؤه.. حين تنتصر الدبلوماسية الهادئة

تيل كيل عربي

بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع - باحث في القانون والعلوم السياسية

عندما تعيد الإدارة الأمريكية التأكيد على اعترافها بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، فإنها لا تقوم بذلك لمجرد الاعتبار الدبلوماسي الشكلي، بل تؤكد مرة أخرى أن المقاربة المغربية لهذا النزاع الإقليمي أثبتت نضجها وفاعليتها. دبلوماسية يقودها الملك محمد السادس بحكمة وبعد نظر، جعلت من المغرب رقما صعبا في المعادلة الإقليمية والدولية.

ليس من قبيل الصدفة أن تتزامن هذه الخطوة الأمريكية مع تحولات واضحة في مواقف دول مؤثرة، منها فرنسا التي تقترب من موقف واضح تجاه المبادرة المغربية، أو إسبانيا التي غيرت عقيدتها السياسية تجاه الملف بدعم صريح لمقترح الحكم الذاتي، أو حتى دول من أمريكا اللاتينية وأفريقيا باتت اليوم تعلن دعمها علانية للوحدة الترابية للمغرب.

ومن الدلالات القوية التي عززت هذا المسار، دعوة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جميع الأطراف المعنية إلى الانخراط في مناقشات بناءة ودون تأخير، على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي. وهي دعوة تكشف عن قناعة أمريكية راسخة بأن الحل الواقعي، القابل للتطبيق، لا يمكن أن يكون إلا ضمن السيادة المغربية، وبما يضمن الاستقرار الإقليمي ويحفظ مصالح القوى الكبرى في المنطقة.

نجاح الدبلوماسية المغربية في هذا السياق لم يكن وليد المصادفة، بل جاء نتيجة عمل دقيق واستباقي، لا مكان فيه للانفعال أو الارتجال. فالدبلوماسية، كما يُمارسها المغرب، ليست مجرد ردود أفعال، بل فعل استراتيجي مبني على التدرج والهدوء واليقظة الدائمة.

ويُحسب للمغرب أنه لم يسقط في فخ الصراعات الكلامية أو الحملات الدعائية، بل حافظ على رباطة الجأش، تاركًا خصومه يستهلكون أرصدتهم في حملات التشويش. وفي المقابل، راكم المغرب الاعترافات، وفرض منطقه الواقعي، ونجح في جعل مقترحه للحكم الذاتي خيارًا وحيدًا وذا مصداقية لدى المنتظم الدولي.

اليوم، من ينتقد هذا "الصيد الدبلوماسي" ويصفه بالمغامرة أو بالمراهنة على "تغريدة"، يتجاهل أن السياسة الخارجية تُبنى بالتراكم، وأن المواقف الدولية تُصاغ في مساحات تتجاوز التصريحات الشعبوية أو المواقف المتقلبة. بل إن هذه التغريدة نفسها، التي استُهين بها في وقت مضى، تحولت إلى سياسة أمريكية مستمرة، مؤكَّدة، ومبنية على تصور استراتيجي للمنطقة.

في هذا السياق، على النخبة كما على عموم المواطنين، أن يعوا أن قضية الصحراء المغربية تجاوزت حدود النقاش الهوياتي أو التاريخي، لتصبح رهانا جيوسياسيا يتعلق باستقرار المنطقة وأمنها، ودور المغرب كشريك موثوق في قضايا الأمن، والتنمية، ومكافحة الإرهاب، والهجرة، والطاقة.

إن التحدي اليوم يكمن في إسناد هذا المسار، لا بالتطبيل الأجوف، ولا بالتشكيك المجاني، بل باليقظة الوطنية، والدعم الشعبي المسؤول، ورفض محاولات الضغط الداخلي أو الابتزاز الخارجي تحت أي مسمى.

لقد ربح المغرب معارك عدة: الميدان، والمؤسسات، والدبلوماسية، والآن يربح معركة الاعتراف الدولي. وهو ما يتطلب وعياً جماعياً يليق بحجم اللحظة.