يُعد إدريس موحتات من الأساتذة البارزين في جامعة المولى إسماعيل بمكناس، وقد أخذ على عاتقه، منذ عامين، مهمة تطوير الدرس الإعلامي داخل الجامعة، بعد تأسيسه مسلك الصحافة والإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، وهو مسلك ذو استقطاب وطني معتمد من لدن الوزارة الوصية عام 2023، يفتح أبوابه أمام الراغبين في متابعة دراستهم في هذا المجال الحيوي.
في هذا الحوار، يتحدث الأستاذ موحتات منسق المسلك، وهو في نفس الوقت رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها ومدير مختبر السيميولسانيات وجدلية الإبداع والنقد، عن تجربة المسلك، وظروف نشأته، والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، ويسلط الضوء على التحديات التي تعترض طريقه.
الحوار كاملا:
ظهرت في السنوات الأخيرة مجموعة من التكوينات الجامعية في مجال الصحافة والإعلام، والتي ساهمت في تعزيز حضور الدرس الإعلامي داخل الجامعة المغربية، ما هي الأسباب التي تقف وراء هذا التحول الأكاديمي؟
صحيح، إذا ألقينا نظرة شاملة على الجامعة المغربية، سنلاحظ حضورا قويا للدرس الإعلامي في عدد من المؤسسات الجامعية، ولعل لذلك أسبابا موضوعية وآنية تختلف من مؤسسة إلى أخرى، وسأكتفي هنا بالحديث عن أسباب ظهور الدرس الصحافي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، إن المتتبع لتكوينات شعبة اللغة العربية وآدابها خلال الربع الأول من الألفية الثالثة، سيلاحظ أن الشعبة قد فتحت ماسترا مهنيا حمل عنوان: "الصحافة المكتوبة باللغة العربية"، وقد استمر هذا الماستر في التكوين لعدة سنوات، قبل أن يتوقف بعد انتهاء مدة اعتماده.
ومع انطلاق الإصلاح الجديد، ألح العميد على فتح تكوينات جديدة، طلب مني شخصيا إحياء "مشروع الصحافة" القديم، لم أتردد في قبول دعوته، لكن شريطة أن يوفر للشعبة بعض الأساتذة المؤطرين في تخصصات صحفية دقيقة تهم الصحافة والإعلام، وقد التزم العميد فعليا بهذا المطلب أمام مجلس المؤسسة، واستضفنا وجوها إعلامية من خارج الكلية أطرت –وما تزال- هذا المشروع الإعلامي الجديد، وإلى جانب هؤلاء، تم توظيف أستاذين متخصصين في الصحافة والإعلام خلال الموسم الجامعي الماضي.
والحقيقة إن فتح هذا التخصص، التابع –مرحليا- لشعبة اللغة العربية وآدابها، قد فرضته معطيات موضوعية منها:
أولا، حاجة الشعبة إلى ضخ دماء جديدة في تكويناتها، بعد أن أصبح عدد الطلبة يتناقص سنة بعد أخرى، ولهذا فكرنا منذ سنوات خلت في إحداث تكوينات جديدة، فصادفت هذه الفكرة انطلاق الإصلاح الجديد الذي كان من نتائجه إحداث مسلكين اثنين، أحدهما في "الصحافة والإعلام"، والآخر يتعلق بإجازة التميز التي فُتحت تحت عنوان: "تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها".
ولا أعتقد أن مجال الصحافة والإعلام بعيد عن مجال شعبة اللغة العربية وآدابها، فلطالما تقاطعت وحدات الأدب مع دروب الصحافة، فهما معا يشكلان علاقة قوية تتجاوز مجرد استخدام اللغة، والاشتراك في أساليبها وطرق توظيفها، بل إن الصحافة العصرية تستفيد من الأدب، وتجعل -مثلا- من نقل الخبر الصحفي أو وصف قضايا المجتمع مادة أكثر جاذبية وتأثيرا، عبر توظيف أجناس الأدب التي تشكل منجما ثريا تستلهم منه الصحافة العديد من العناصر الأساسية، من بينها: اللغة الراقية، والحكي الدقيق، والأسلوب البليغ، وهذا ما يمكن الصحافة من التعبير عن أفكارها بأسلوب قصصي وبدقة وجمالية، بل قد تُوظف الصحافة البعد الإنساني والرؤى العميقة حول الطبيعة البشرية بأسلوب حكائي وطرق روائية لا تختلف كثيرا عن أسلوب الأدب الرفيع.
لقد برز، عبر التاريخ، عدد من الأدباء الذين مارسوا العمل الصحفي، وجاءت مقالاتهم الصحفية ممزوجة بالتحليل الصحفي والأسلوب الأدبي الرفيع، ويكفي أن نشير –باختصار- إلى كتابات الحائزَين على "جائزة نوبل" في الأدب: الروائي الأمريكي الشهير أرنست هيمنجواي (Ernest Hemingway)، والروائي الكولومبي الكبير غابريال غارسيا ماركيز (Gabriel García Márquez)، دون أن ننسى ذكر بعض الأدباء العرب الذين مارسوا العمل الصحفي بإبداع واقتدار، أمثال الدكتور طه حسين، وعباس محمود العقاد، وغيرهم كثير، فهؤلاء الأدباء وغيرهم كانت لهم مقالات رأي مؤثرة في مجال الصحافة، تميزت بأسلوب أدبي رفيع، وبتحليلات صحفية عميقة.
ضمن هذه التكوينات، نجد مسلك الصحافة والإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة المولى إسماعيل بمكناس، الذي رأى النور قبل عامين، كيف جاءت فكرة إحداث هذا المسلك، وما السياق الذي رافق انطلاقته؟
إن الإجابة عن فكرة إحداث هذا المسلك قد وردت الإشارة إلى جزء منها سابقا، أما الشطر الثاني من السؤال، فيمكن حصره في حاجة أساتذة شعبة اللغة العربية إلى تكوينات جديدة، أما السياق الذي رافق انطلاقة هذا المسلك، فيمكن إرجاعه إلى عدة سياقات ومتطلبات، منها:
أولا: توجهات الدولة المغربية، حيث لم يأت إحداث مسالك أكاديمية متخصصة في الصحافة والإعلام في الجامعات المغربية من فراغ، وإنما جاء تلبية لاستراتيجية الدولة المغربية، ومن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار على الخصوص، التي تسعى إلى تطوير منظومة التعليم العالي وتوفير حاجيات المجتمع المغربي الذي شهد تحولات عميقة خلال السنوات الأخيرة على المستوى الإعلام والاتصال، صحيح إن هناك مجموعة من مؤسسات الدولة التي تعمل في هذا المجال، مثل المعهد العالي للإعلام والاتصال، لكن بالرغم من الجهود المبذولة في هذه المؤسسات الإعلامية، فإن المجتمع المغربي مازال في حاجة إلى تكوين كفاءات إعلامية وأكاديمية قادرة على فهم وتحليل المشهد الإعلامي بشكل نقدي وعلمي.
إن التوسع الكمي والنوعي الذي شهده الإعلام المغربي في العقدين الأخيرين، يتطلب جهودا كبيرة فرضتها ظروف المرحلة التي عرفت ظهور العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية الخاصة، وانتشار العديد من المواقع الإلكترونية، والصحف والمجلات المتخصصة، كل ذلك خلق طلبا متزايدا على الكفاءات المؤهلة في مختلف مجالات الإعلام والاتصال.
إن التطورات والتحولات التكنولوجية والرقمية أحدثت تغيرات جذرية في صناعة الإعلام، مما استدعى ضرورة تكوين متخصصين قادرين على التعامل مع هذه التقنيات الجديدة وفهم ديناميكية الإعلام الرقمي، لهذا نحن في حاجة إلى كفاءات متخصصة، ولم يعد سوق الشغل مقتصرا على خريجي شعب الإعلام والاتصال، بل لابد من الانفتاح على شعب أخرى التي لها تقاطعات وتداخلات مع مجال الإعلام، لتلبية متطلبات الجودة المهنية التي ينشدها القطاع المتنامي بسرعة.
ثانيا: تنظيم القطاع الإعلامي، فإنشاء مسالك صحفية جديدة، وخلق تكوينات أكاديمية في الصحافة والإعلام، سيسد الطريق أمام المتطفلين والأدعياء الذين يتطاولون على مجالات الصحافة والإعلام، فإلى زمن غير بعيد كانت "مهنة الصحافة مرتعا خصبا لمن لا مهنة له"، واستجابة لأهمية الإعلام ودوره الريادي في المجتمع، ارتأت الدولة بتعاون مع رجال الصحافة والإعلام، خلق مؤسسة للتنظيم الذاتي للصحافة لضمان احترام شرف المهنة وأخلاقياتها، والذي حمل اسم المجلس الوطني للصحافة، بموجب قانون رقم 90.13 الذي يعهد إليه بالحرص على صيانة المبادئ التي يقوم عليها شرف المهن.
ثالثا: مواكبة الجامعة المغربية للتطورات العالمية، حيث لم يأت اعتماد مسلك "الصحافة والإعلام" من لدن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار من فراغ، بل جاء استجابة طبيعية للتطورات التي عرفها الإعلام الوطني كَماً وكَيْفًا، فقد أدركت الجامعة المغربية، وعلى رأسها جامعة مولاي إسماعيل، الدور الأساسي الذي يلعبه الإعلام في تطوير الوعي الفردي، وتعزيز التوجهات الديمقراطية، والرفع من مستوى الترابط الاجتماعي، والدفاع عن ثقافة الأمة وقيمها الأخلاقية ومتطلباتها الآنية والمستقبلية، إن هذا الوعي دفعها إلى تبني مقاربة أكثر جدية تجاه وحدات "الصحافة والإعلام"، والانتقال بها من مجرد مقررات جوفاء تقف عند تخصصات بعينها، إلى مقررات تعتمد تكوينات متخصصة، تمنح للطالب الاختيار في التوجه، وفي تطوير مهاراته استعدادا لمستقبل واعد، وأصبحت المقررات تجمع في هذه الوحدات بين الجانب النظري والتطبيقي استعدادا لسوق الشغل.
لقد أدركت الجامعة المغربية أهمية مواكبة التطورات العالمية في مجال الصحافة والإعلام والاتصال، بحيث أصبحت هذه التخصصات تحظى باهتمام كبير في مختلف الجامعات العالمية الكبيرة، ولا تريد الجامعة المغربية أن تبقى متخلفة عن هذا الركب العالمي، إضافة إلى ذلك أن الجامعة تعتبر القلب النابض للمجتمع، فهي تسعى غالبا إلى تلبية حاجياته من الكفاءات والأطر والكوادر في مختلف التخصصات.
ويعد مجال الإعلام أحد القطاعات الحيوية الذي يحتاج إلى مزيد من الاهتمام، ولا ينبغي للجامعة أن تكتفي بتخريج الأطر والتقيين لسد الحاجة في بعض التخصصات، بل هي مطالبة بالاهتمام بالبحث العلمي، وذلك بإنشاء مسالك أكاديمية متخصصة في الإعلام المكتوب والسمعي والبصري، وإغناء النقاش الأكاديمي حول هذه التخصصات والقضايا التي تثيرها.
على الرغم من هذه الخطوات الإيجابية نحو تعزيز الدرس الإعلامي في الجامعة المغربية، لا تزال هناك تحديات قائمة، من بين هذه التحديات ضرورة تحديث المناهج الدراسية باستمرار لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة، وتوفير التجهيزات والمواد اللازمة للتدريب العملي مثل: استديوهات التصوير والمونتاج، والكاميرات للتصوير، وبرامج الإخراج والتصميم والتوضيب، والانفتاح على المهندسين المتخصصين في الصحافة والإعلام، والاستفادة من تجارب الإعلاميين البارزين، ومن تقنيي إنتاج الصوت والتصوير، وتعزيز التعاون بين الجامعات والمؤسسات الإعلامية لضمان جودة التكوين لإدماج الخريجين بسهولة في سوق الشغل.
رابعا: الثورة التكنولوجية والرقمية، إذ لا يمكن للمهتمين بمجال الصحافة والإعلام تجاهل ما أحدثته التكنولوجية الرقمية من تحولات جذرية في صناعة الإعلام المعاصر، إن التطورات التي عرفها علم الحاسوب، والطفرة التقنية التي حدثت في شبكة الإنترنت، عرفت توجهات جديدة في مجال الصحافة والإعلام، وظهرت قنوات إلكترونية، ومواقع للتواصل الاجتماعي فرضت على الإعلاميين التكيف مع هذه البيئة الجديدة، وأرغمت الصحفي على اكتساب مهارات جديدة لولوج "الصحافة الرقمية"، وكيف يُمكنه "إدارة المحتوى" على المنصات الإلكترونية المختلفة.
لقد أصبحت وسائل الصحافة التقليدية، مثل أوراق الكتابة، وكاميرات التصوير، وعدسات الصور، أدوات قديمة كانت صالحة في النصف الأول من القرن العشرين، لكنها لم تعد كافية في ظل التحولات الرقمية المتسارعة.
ففي الوقت الراهن، تغيّر وضع الصحفي المثالي، وأصبح يقصد به ذلك الشخص الذي يمتلك مهارات وتقنيات جديدة، تسمح له بالوصول بسرعة إلى مواقع الخبر والمعلومات المنتشرة عبر شبكات الإنترنت، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الصحفي الناجح هو الذي تكون لديه معرفة عميقة بأدوات الذكاء الاصطناعي، وكيفية فك شفرات الملفات وإعادة إدماجها، ومعرفة محترمة بطرق تصميم الصحف وإخراجها، وكيفية إدراج الصور والفيديوهات والأشرطة الصوتية في إطار نصوص تفاعلية تستجيب لمتطلبات الزائر في الموقع الإلكتروني عبر شاشة الحاسوب أو اللوحة الإلكترونية أو الهاتف المحمول.
إن هذا التطور التقني الذي صاحب الثورة المعلوماتية يتطلب تكوينا أكاديميا عميقا، لم يعد الصحفي يكتفي بمعارف نظرية ومنهجية دقيقة فحسب، بل هو مطالب بالتعرف على مختلف فروع الإعلام والاتصال وعلى إتقان جيد للغات شبكات المعلومات، مثل: الإنجليزية والإسبانية والصينية وغيرها من لغات مواقع الأنترنت، أو على معرفة مسبقة بمحركات البحث التي تتيح الترجمة الفورية لمواقع الأخبار والاتصال، وعلى دراية بمتطلبات سوق الشغل وما يفرضه من تكوينات واحتياجات خاصة.
ما خصوصيات هذا المسلك مقارنة بتكوينات مماثلة على الصعيد الوطني؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تفترض الاطلاع على التكوينات المفتوحة في الجامعات المغربية الأخرى التي تهتم بمجالات الصحافة والإعلام، وأنا لا أستطيع ادعاء هذا الأمر، فقد اطلعت على وحدات التكوين المفتوح في كلية الآداب بفاس سايس، أما التكوينات في الجامعات الأخرى فلم أطلع عليها، ولكن اطلعت على بعض المقررات والتكوينات في بعض الدول الغربية مثل: فرنسا وبلجيكا وكندا، وبعض الدول العربية مثل دول الخليج: قطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية... فقد استفدت منها أثناء إنجاز محتوى ومضامين التكوينات في مسلك "الصحافة والإعلام" المعتمد وطنيا في كلية الآداب بمكناس.
ويمكن أن أطلعكم على وحدات هذا المسلك الذي جاءت وحداته موزعة على ثلاث سنوات وستة فصول، كل فصل يتضمن مجموعة من الوحدات تقدم في دورتين: (دورة خريفية، ودورة ربيعية)، وبعد استيفاء الطالب لجميع وحدات هذا المسلك يحصل على شهادة الإجازة في "الصحافة والإعلام"، تخول له متابعة دراساته العليا في الصحافة، والتسجيل في مسلك الماستر والدكتوراه.
أما نوع الوحدات التي تقدم للطلبة فهي غنية ومتنوعة تجمع بين وحدات اللغة الفرنسية والإنجليزية، وبين المهارات الذاتية والاجتماعية والرقمية وبين وحدات التخصص التي تجمع بين نظريات التواصل والاتصال وتكنولوجيا المعلومات، و"مداخيل صحفية" تهتم بالصحافة العربية والمغربية، ووحدة تخص: "الصحافة الأدبية"، ووحدات أخرى تهتم "بالأجناس الصحفية" بجميع مكوناتها وتخصصاتها والأساليب الصحافية.
وتحاول بعض الوحدات تنبيه الطالب إلى "المسؤولية الصحفية" ووحدة تهتم "بمهام وأخلاقيات الصحافة" تحاول التعريف بالمهام الملقاة على عاتق الصحفي، وهي مهام تتمثل في توعية المجتمع المغربي ودفعه إلى التشبث بحرية الرأي، والدفاع عن حقوقه ومبادئه وهويته وثقافته.
وبما أن المجال الصحفي أصبح اليوم يعيش ثورة تكنولوجية كبيرة، فقد خصص هذا المسلك وحدات موزعة على تكوينات تصب في مجال الصحافة الرقمية، وتقنيات الصحافة الإلكترونية، والصحافة المتخصصة، بل يحاول تعريف الطالب بالطرق المتاحة لكي يستفيد أكثر من إمكانيات "الذكاء الاصطناعي" سواء في مستوى الكتابة لصحفية أو إعداد تصاميم المواقع أو إنجاز التمارين والتطبيقات المهنية، وخصص التكوين مجموعة من الوحدات التي تهتم بالمجالات الآتية: وكالات الأنباء، كيفية إدارة المؤسسة الإعلامية، طرق وتقنيات التواصل والتحرير الإداري، تقنيات الإخراج الصحفي وتصميم المواقع الإلكترونية، طرق وأساليب التضليل الإعلامي، اقتصاديات صناعة الصحافة.
ولم يتوقف مسلك "الصحافة والإعلام" عند تقديم الوحدات السابقة، بل حاول الانفتاح على تكوينات أخرى تخص الراديو والتلفزيون مثل: وحدة "مدخل إلى الكتابة الإذاعية"، ووحدة "مدخل إلى الكتابة التلفزيونية"، وتحاول وحدات المسلك الرفع من المستوى العلمي والمعرفي للصحفي مثل الوحدات التي تخص اللغة منها "الأخطاء الشائعة في الصحافة"، ووحدة "تيسير قواعد اللغة العربية"، ووحدات أخرى لها علاقة بالجانب القانوني مثل وحدة: "قانون وأخلاقيات الصحافة"، ووحدة: "حقوق الإنسان والحريات العامة"، ووحدات تهتم بالمجتمع وتاريخ المغرب، مثل وحدة: "الصحافة والمجتمع"، ووحدة: "سوسيولوجيا الإعلام"، ووحدة: " مدخل إلى تاريخ المغرب المعاصر"، ووحدة: "الصراعات السياسية والاقتصادية في القرن العشرين".
وكل وحدة من وحدات التكوين في هذا المسلك تقابلها محترفات وأشغال تطبيقية يسهر عليها بعض المختصين في مجالات الصحافة والإعلام.
كيف تقيمون تفاعل الطلبة مع التكوين؟ وما أبرز التحديات التي واجهتموها خلال السنتين الماضيتين؟
يمكن تقسيم هذا السؤال إلى شطرين اثنين: الشطر الأول يتعلق بتفاعل الطلبة مع التكوين الجديد، والشطر الثاني يتحدث عن التحديات التي واجهتنا خلال السنتين الماضيتين، كما يُقال: "إن لكل بداية صعوبات وتعثرات".
لم تكن الانطلاقة سهلة، لأن التكوين لم يكن معروفا في كلية الآداب، وعدد من الطلبة لم يعلموا به إلا بعد انطلاق الموسم الجامعي، وكان لهذا انعكاسات سلبية على عدد الطلبة المسجلين في التكوين.
ولكن بالرغم من ذلك، فإن عدد الطلبة الوافدين على تكوين: "الصحافة والإعلام" خلال العام الأول، قد زاد عن مائة طالب كما هو مبين في اللوائح التي توصلنا بها بعد التسجيل، في حين أن العدد المطلوب في ملف الاعتماد لا ينبغي أن يتجاوز الثلاثين (30) طالبا، فهذا العدد إن دل على شيء، فإنما يدل على جاذبية مهن الصحافة والإعلام لدى الشباب المغربي، لأن مجال الإعلام يوفر فُرصَ عَمل متنوعة، سواء في مجال الصحافة المكتوبة، أو في الصحافة المرئية، أو في الصحافة المسموعة، أو في الصحافة الإلكترونية، بالإضافة إلى مجالات العلاقات العامة والتواصل المؤسساتي والإعلانات وغيرها.
أما الشطر الثاني من سؤالكم المتعلق بأهم التحديات التي واجهت هذا المسلك، فيمكن القول: إن التحديات كانت كثيرة ومتنوعة، ولا يمكن أن نأتي على ذكرها كلها في هذا المقام، ولكن تكفي الإشارة أن على رأس هذه التحديات يأتي عدد الأساتذة المتخصصين في مجال الصحافة والإعلام الذين يمكن الاعتماد عليهم في بناء هذا الصرح الإعلامي الهام، ولهذا لابد أن أغتنم هذه المناسبة لأتوجه بالشكر إلى السادة الأساتذة، سواء من داخل كلية الآداب أو خارجها، فقد انخرطوا معنا بجدية ومسؤولية ورفعوا معنا هذا التحدي من أجل إخراج هذا التكوين من حيز التصور إلى حيز الوجود.
ولا أُفَوّت هذه الفرصة لأشكر رئيس الجامعة على تعاونه معنا بحيث وفر للمسلك منصبين ماليين جديدين، وبما أننا في مقام الشكر والعرفان، أود أن توجه إلى عميد كلية الآداب والعلوم بالشكر الجزيل على المجهودات التي بذلها من أجل توفير عدد من الأساتذة لتغطية بعض التخصصات التي تهم وحدات الصحافة والإعلام، ولولا تظافر جهود الطاقم البيداغوجي مع الطاقم الإداري لما رأى هذا المسلك النور في رحاب جامعة مولاي إسماعيل، بالضبط في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس.
ومن التحديات الجديدة التي تواجه " الصحافة والإعلام" أو غيره من المسالك الأخرى، التراكم المعرفي في هذا المجال، إذ أصبحنا نعيش – في بداية الألفية الثالثة-طفرة مهمة في مجال النظريات والتصورات الإعلامية، وما صاحب ذلك من تطورات جديدة أحدثها مجال "الذكاء الاصطناعي" الذي أصبح جزءاً أساسا من منظومة الإعلام المتقدم، وهذا ما يستدعي توجها جديدا في بيداغوجيا التدريس، وفي بناء محتوى وحدات جديدة وصياغتها بشكل أكاديمي ومنهجي يتطابق مع الطفرة التكنولوجية المعاصرة، ولهذا ظهرت تخصصات دقيقة في مجال الإعلام، ولم تعد الصحافة مجالاً واحداً، بل تفرعت منها تخصصات دقيقة مثل: الصحافة الرقمية، وإدارة المحتوى، والتسويق الرقمي، وغيرها من التكوينات، التي تتطلب استعدادات خاصة.
في الختام، يمكن القول إن ظهور التكوينات الجامعية في مجال الصحافة والإعلام في المغرب هو نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل المتداخلة، تشمل تطور القطاع الإعلامي، ووعي الجامعة بأهمية هذا المجال، والمبادرات الحكومية، ورغبة الشباب، وتطور الدرس الإعلامي نفسه، هذا التحول الأكاديمي يساهم بشكل كبير في الارتقاء بمستوى مهنية الصحافة والإعلام في المغرب، وتزويد السوق بكفاءات مؤهلة قادرة على مواكبة التحديات والتطورات المتسارعة في هذا المجال.