لم يعد المراهقون يفترقون عن هواتفهم الذكية، وأخذت هذه الآلات تستحوذ على كل اهتمامهم، الأمر الذي يطرح سؤال هذا النوع الجديد من الإدمان. "تيل كيل" تفتح هذه الملف الشائك.
"قي يوم السبت أقضي عموما 12 ساعة مع الهاتف. وخلال أيام الأسبوع، حين أكون ملتزمة بالمدرسة، فأقضي معه 6 ساعات يوميا". تقول رانيا (13 عاما) التي التحقت هذا الموسم بالإعدادية. وقد انغمست هذه الفتاة في طقس "الشاشة الزرقاء" منذ أن أهداها والداها هاتفها الذكي الأول وهي لم تتجاوز عامها السابع. ومذاك وهي لا تتوقف عن السلفيات ومحاولة كسب مزيد من المتابعين لحسابها في "الانستغرام". والحال أن هذه الآلة، التي كلفت والديها ثروة صغيرة، تؤجج اليوم خلافتهما الأسرية وتغذي التأنيب الذي تتلقاه منهما بانتظام.
ولكن هذه الأداة، التي تحولت إلى موضوع للخلاف بين الوالدين هي التي تمكن المراهقين في "الاندماج بشكل أفضل" في محيطهم الدراسي الجديد. يقول "زياد" بهذا الخصوص "والدي لم يقتنيا هذا الهاتف على أساس أنه ضروري، بل فقط استجابة لرغبتي. فقد لاحظت أن كل أقراني يملكون هاتفا، وبالتالي أردت أنا أيضا أن أملك واحدا"(...) ويضيف أنه كان يعتقد وهو في الابتدائي أنه "من الضروري حقا التوفر على هاتف لتحقيق الاندماج"!
نفس الفكرة يتقاسمها معه صلاح، الذي شرع هو أيضا في النقر على شاشة اللمس مبكرا. "حصلت على هاتفي الأول في الـ12 كهدية في عيد ميلادي" يتذكر. وإذا كان المراهق يولي اهتماما يصل حد التقديس للألعاب الإلكترونية عبر النت، فإن هذا لا يثنيه عن قضاء 6 ساعات يوميا على الأقل في التنقل بين "انستغرام" و"سناب شات". ويوضح قائلا "إن التوفر على هاتف أتاح لي فرصة ممارسة الألعاب التي تهمني، كما ساعدني على تكوين جماعة من الأصدقاء".
إن هؤلاء المراهقين الثلاثة ينتمون إلى جيل "Z" المرتبط كليا بالإنترنيت، فحسب دراسة لـ"الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات" حول سوق تكنولوجيا الإعلام والاتصال – شملت شريحة من 5820 شخصا- زار حوالي 100% من الشباب المتراوحة أعمارهم بين 12 و18 عاما الشبكات الاجتماعية في . وأشارت الوثيقة ذاتها إلى أن 79.9% من الفئة (12-14) و88% من الفئة (15-18) يتوفرون على هاتف ذكي.
وحتى لو كان كل من صلاح ورانيا وزياد يقضون 5 ساعات يوميا على الأقل أمام شاشة ذكية، أي 35 ساعة في الأسبوع، فإنهم لم يلجؤوا قط إلى مختص ولا يعتبرون أنفسهم "مدمنين"، رغم أن مجرد التفكير في تجريدهم في هواتفهم يصيبهم بالرعب. "لو فقدت هاتفي يوما ما، فسأصاب بالسعار" تقول رانيا بنبرة يشوبها الرعب. الإحساس ذاته عبر عنه صلاح بالقول: "لا أستطيع العيش بلا هاتف، ومجرد التفكير في هذا الاحتمال يسبب لي التوتر"(...) والحال أن هؤلاء المراهقين يجهلون ما يجعل هاتفهم ضروريا إلى هذا الحد
إدمان مجهول
يقول عادل العموري، عضو "الجمعية المغربية لطب الإدمان": "إن الشاشة مجرد أداة ناقلة، والمحتوى هو الذي له معنى بالنسبة للمستهلك. وبالتالي سيصبح بعض الأطفال، حسب عمرهم وجنسهم، مدمنين على الألعاب، أو الشبكات الاجتماعية، أو فيسبوك، أو انستغرام...". ويشير، على غرار المختصين الأجانب، إلى أن الشبكات الاجتماعية أنشئت بطريقة معينة لتحقيق "الإدمان"، القائم على آلية توفر المكافأة وتحقق الاستحقاق الاجتماعي. وقد طورت الشركات التي تشرف على الشبكات الاجتماعية هذه الاستراتيجية لضمان "بقاء مجموعة من المنتوجات"، حسب ما أكده الكاتب الأمريكي "نير إيال"، الذي سبق له الاشتغال في مجال إنتاج الفيديوهات وصناعة الإشهار، في كتابه الواسع الانتشار "الإدمان: هكذا يصنع منتوج أو خدمة ما لترسيخ العادات" والذي نشر في 2018. ثم أضاف موضحا "لضمان وفاء المستعملين وخلق منتوج يستعمل بشكل منتظم، على الشركات معرفة ليس فقط ما يدفع المستعملين إلى النقر على شاشاتهم الذكية بل كلك ما يحفزهم على التفاعل". بيد أن المنظمة العالمية للصحة، لم تعترف سوى بحالات الإدمان المرتبطة بألعاب الفيديو(...)
المغرب ليس في مأمن
رغم غياب الإحصاءات الدقيقة بالمغرب، فإن "إيمان قنديلي"، طبيبة نفسية ومختصة في طب الإدمان ورئيسة "الجمعية المغربية لطب الإدمان والأمراض المرتبطة به"، تقوم في عيادتها بثلاث إلى خمس فحوصات يوميا تهم أشخاص تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاما بسبب الإدمان على الشاشات. أما الفحوصات التي تهم الإدمان المتعدد (يشمل الشاشات والتبغ والحشيش) فيتراوح عددها بين 8 إلى 10 في اليوم لدى المراهقين ما بين 16 و22 عاما.
وتقول الطبيبة المختصة في طب الإدمان: "من بين الحالات البارزة التي انكببت على علاجها، أذكر حالة طفل في الـ14 الذي أصيب بإدمان متعدد يجمع بين المخدرات والشاشات". فهذا، المراهق الذي أدمن على لعبة الفيديو "FORTNITE"، أصيب بـ"نوع من الفصام مع اضطرابات في السلوك، ولم يعد يميز بين الواقع والخيال. بل كان يتصرف على أساس أنه بطل خارق، وكان يميل في بعض الأحيان إلى العنف" وهو اليوم في عامه الـ16 ويتابع العلاج ولكنه تخلى عن المدرسة.
وتشدد إيمان القنديلي على أن "الإدمان على الإنترنيت، بالمعنى الطبي للمصطلح، يبعث على القلق خصوصا بالنسبة للفئة العمرية 12-18 عاما. وإذا كان اللجوء إلى الفحص الطبي مازال خجولا في القطاع العام، فإن الطلب على هذه الفحوصات ما فتئ يتزايد في القطاع الخاص، وغالبا ما تكون حالات الإدمان هنا مصحوبة باضطرابات في السلوك أو القلق أو الكآبة..." الامر ذاته يؤكده الدكتور عادل العموري الذي يشير إلى أن هذه الاضطرابات غالبا ما تكون السبب الأول في اللجوء إلى الفحص الطبي، لأن الآباء لا يربطون تلقائيا بين الشاشات والاضطرابات النفسية. وبالتالي فالمتخصص هو الذي يميط اللثام، في معظم الحالات، عن هذا الإدمان عند خضوع المراهق للفحص.
ولكن متى تصبح شاشة الهاتف أو اللوح مضرة فعلا؟ "حين يصير لها أثر سلبي على الحياة اليومية.. لما يمتنع المراهق عن الخروج، ولما تنكمش أنشطته وعلاقاته الاجتماعية ليقضي كل الوقت مع الشاشات، أو لما تتأثر نتائج المدرسية سلبا..." تقول هند بوعمر، طبيبة متخصصة في طب النفس والأعصاب. كما أن الاستعمال المفرط للشاشات قد يؤدي إلى "اضطراب في النوم" ويحفز على "استهلاك الأطعمة الحلوة".
هناك مؤشر آخر مهم لا يجب إغفاله. فعندما يتم حرمان المراهق من الحاسوب أو الهاتف الذكي، تظهر عليه علامات المدمن المحروم، "فيصبح قلقا، عدوانيا، سريع الغضب إلى أن يسترد آلته" يوضح عادل العموري. وحسب مريم اليازجي، مديرة مركز طب الإدمان ابن رشد بالدار البيضاء، أن "فقدان السيطرة" هو العنصر المركزي في حالة الإدمان، أي لما يصبح استعمال الشاشات "متواترا، ملحا، ويصعب التحكم فيه"(...)
الحوار... سبيل العلاج
صعوبة العلاج وتعقده، يبقى الحوار هو السبيل لتجنب الانزلاق إلى الإدمان، حسب الدكتورة مريم اليازجي. وهي ترى أن حرمان المراهق من هاتفه أو حاسوبه ليس حلا. بدل ذلك يجب العمل على تحسيس هذا المراهق بأنه مسؤول من خلال عدة "حيل" من قبيل: وضع قواعد للتعامل مع هذه الأدوات الرقمية منذ الطفولة الأولى، تحديد مدد زمنية، اقتراح أنشطة بديلة عن الرقمي، الاطلاع على ما يقوم به في شبكة الإنترنيت مع الحرص على احترام استقلاليته وخصوصياته... و"إذا بدا عليه سلوك مقلق، فيجب البحث عن سببه، ومحاولة معرفة إلم تكن الألعاب بالنسبة إليه وسيلة للهروب أو للاحتماء من اعتلال ما" تقول الطبيبة المختصة في طب الإدمان.
وعلى كل حال، فالأهم بالنسبة إلى الدكتورة، عند ظهور أعراض مقلقة، هو "استشارة طبيب عام أو طبيب نفسي خاص بالأطفال إن وُجد، أو الذهاب إلى مركز علاج الإدمان، إن كان بمقدور الأبوين ذلك".. ولكن هذه النصيحة قد تتحول في المستقبل إلى صرخة إنذار...
بتصرف عن "تيلكيل"