قال مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؛ رئيس النيابة العامة، إن "حماية حقوق الإنسان تشكل خيارا استراتيجيا بالنسبة للمملكة المغربية، ويظهر ذلك جليا من خلال انخراط بلادنا في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وتعزيز ممارستها من خلال الانضمام لعدد من الاتفاقيات الدولية الأساسية بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والبروتوكول الاختياري الملحق بها الذي تمت المصادقة عليه من قبل بلادنا بتاريخ 24 نونبر 2014".
وأضاف في الملتقى الإقليمي حول موضوع دور المؤسسات الأمنية في الوقاية من التعذيب "التجارب والتحديات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، اليوم الخميس، "إذا كانت الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب تعتبر آلية موسساتية من شأنها الإسهام بشكل إيجابي في تطوير وتنمية الوعي الحقوقي ومنع التعذيب ببلادنا، فإن الجدير بالتأكيد عليه في هذا الإطار هو الدور الهام الذي تقوم به المؤسسات الأمنية في مجال الوقاية من التعذيب من خلال إذكاء البعد الحقوقي لمنتسبيها سواء عبر التكوين المستمر او التكوين الميداني، أو من خلال تدبير الأبحاث التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية تتولى مهمة الرقابة على عمل الشرطة القضائية. و للإشارة فإن هذه الرقابة القضائية تلتقي في الأهداف و الغايات التي تسعى لتحقيقها مع الرقابة الإدارية التسلسلية التي تضطلع بها الجهات الأمنية المختصة من خلال المفتشيات العامة و غيرها من أجل ضمان انفاذ القانون بالشكل الصحيح".
وأوضح أن "هذه الرقابة المزدوجة القضائية والادارية على عمل ضباط الشرطة القضائية من شأنها تكريس احترام حرية وكرامة الاشخاص وتعزيز مجهودات أجهزة انفاذ القانون في مجال الوقاية من التعذيب".
وشدد على أن "رئاسة النيابة العامة تعمل على "ضمان التفعيل الأمثل لدور قضاة النيابة العامة الرقابي لأماكن الحرمان من الحرية بما يكفل حماية حقوق الأشخاص المسلوبة حريتهم من أي اعتداء، حيث حرصت رئاسة النيابة العامة على مواكبة الزيارات الرقابية التي يقوم بها قضاة النيابة العامة لهذه الأماكن، والحرص على تنفيذها بشكل منتظم وفعال بما يتوافق ومقتضيات المادتين 2 و16 من اتفاقية مناهضة التعذيب اللتين تلزمان كل دولة طرف باتخاذ تدابير فعالة لمنع أعمال التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وفي هذا السياق أصدرت رئاسة النيابة العامة عددا من الدوريات التأطيرية لهذه الزيارات والتي أفضت إلى قيام قضاتها بما مجموعه 24022 زيارة خلال سنة 2022 وهو رقم يتجاوز عدد الزيارات المقررة قانونا والمنصوص عليها في المادة 45 من قانون المسطرة الجنائية وذلك بنسبة بلغت 120 %".
وسجلت أن "القيام بزيارات تفقدية للسجناء بشكل منتظم وفق الآجال المقررة قانونا مع إعداد تقارير خاصة بكل زيارة ، تتوخى الاطلاع على شرعية وظروف اعتقالهم ومدى احترام حقوقهم المقررة قانونا، مع التحقق من وضعية بعض الفئات الخاصة من المعتقلين بمن فيهم الخاضعين للعلاج أو الاستشفاء، أو ممن لديهم شكايات أو ملتمسات أو تظلمات".
وأشار إلى أن النيابة العامة "قامت بزيارات منتظمة لمؤسسات معالجة الأمراض العقلية وفق ما تفرضه مقتضيات المادة 25 من ظهير 30 أبريل 1959 المتعلق بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها، مع إنجاز تقارير بشأن هذه الزيارات والتحقق من سلامة وصحـــــة ظروف إيداع الأشخاص بموجب أوامر قضائية بمستشفيات الأمراض العقلية".
وأكد أن "رئاسة النيابة العامة في إطار تفاعلها الإيجابي مع عمل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، عملت على توجيه تعليمات كتابية إلى النيابات العامة بمختلف المحاكم من خلال الدوريتين الصادرتين عنها تحت عدد 40/ ر.ن.ع/د بتاريخ 01 أكتوبر 2019، والثانية تحت عدد 44س/ ر.ن.ع بتاريخ 16 أكتوبر 2019، اللتين وجهتا النيابات العامة إلى الحرص على التطبيق الفعال للمقتضيات الواردة في القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خاصة ما يتعلق بالتزامات السلطات العمومية اتجاه الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب والتي تتمحور أساسا في تسهيل عملية الزيارات التي تقوم بها الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب لأماكن الحرمان من الحرية وتمكينها من الولوج إلى جميع هذه الأماكن ومنشآتها ومرافقها وإجراء مقابلات خاصة مع الأشخاص المحرومين من حريتهم بصورة منفردة، مع تمكينها من مختلف المعلومات المتعلقة بوضعية الحرمان من الحرية بما في ذلك المعلومات المتعلقة بمعاملة هؤلاء الأشخاص وظروف احتجازهم".
وتابع: "إلى جانب ذلك حرصت رئاسة النيابة العامة على التفاعل الإيجابي والانخراط في برنامج دعم الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب ببلادنا الذي يشرف عليها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك من خلال المساهمة في إعداد بعض الدلائل التوجيهية المرتبطة بعمل هذه الآلية الوطنية كما هو الشأن بالنسبة للدليل الخاص بحقوق السجناء الذي شارفت اللجنة المكلفة بصياغته على الانتهاء من محتواه، والتي تعتبر رئاسة النيابة العامة جزءا منها".
ولفت إلى إن "الحيلولة الفعالة من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تقتضي حسب ديباجة البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب التثقيف في هذا المجال، وذلك من خلال برامج تستهدف أساسا نشر أحكام الاتفاقية والبروتوكول الملحق بها، وهو الجانب الذي حرصت رئاسة النيابة العامة على تفعيله من خلال عدة برامج وتدابير، همت إصدار دلائل عملية لفائدة قضاة النيابة العامة في مجال حماية حقوق الإنسان بما في ذلك الدليل الإسترشادي الخاص بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة سنة 2019، كما عملت على إطلاق برنامج متخصص لتعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان، والذي شمل محورا خاصا بالتدريب على إعمال اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والبروتوكول الملحق بها، وقد انطلق هذا البرنامج بتاريخ 10 دجنبر 2020 حيث استفاد منه 950 مشاركا من قضاة النيابة العامة والحكم وضباط الشرطة القضائية وأطر المؤسسات السجنية والمجلس الوطني لحقوق الانسان والمندوبية الوزارية لحقوق الانسان ، ولازال هذا البرنامج مستمرا حتى الآن ، حيث من المزمع تنظيم ندوة حول البلاغات الفردية في شهر دجنبر المقبل".
وذكر أن "رئاسة النيابة العامة حرصت على تكريس مبدأ التخصص في معالجة قضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك قضايا التعذيب إن على المستوى المركزي أو على مستوى المحاكم، حيث تم إحداث قطب خاص برئاسة النيابة العامة مكلف بقضايا حقوق الإنسان والتعاون القضائي الدولي يضم وحدات متخصصة في معالجة قضايا حقوق الإنسان بما في ذلك قضايا التعذيب، أما على مستوى المحاكم فقد تم تعيين قضاة للنيابة العامة متخصصين في معالجة قضايا حقوق الإنسان كنقط اتصال بهذه المحاكم بموجب الدورية الصادرة عن هذه الرئاسة تحت عدد 29/ر ن ع/د بتاريخ 25 يونيو 2020، وذلك بهدف ضمان فعلية الحماية المقررة لفائدة الأشخاص المحرومين من الحرية من كافة الانتهاكات التي قد تطالهم بما في ذلك التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة".