يواصل موقع "تيلكيل عربي" نشر مقتطفات من مذكرات عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول في حكومة التناوب التوافقي.
في هذه الحلقة يعود بنا عبد الرحمان اليوسفي إلى ذكرى وفاة الحسن الثاني، التي كانت صدمة بالنسبة له.
يقول اليوسفي في مذكراته"نزل علي خبر نقل المرحوم الملك الحسن الثاني إلى المستشفى قبل منتصف نهار يوم الجمعة 23 يوليوز 1999 كالصاعقة. ففي الوقت الذي كنت أنتظر توجيهات جلالته لتنظيم أعمال الأسبوع، فإذا بي أسمع أنه نقل فجأة إلى المستشفى".
وأضاف قائلا "لم يسعني إلا أن أسرع متوجها إلى مسنشفى بن سينا بالرباط، وعند وصولي توجهت مباشرة إلى الجناح الذي كان يرقد فيه، لكن الأطباء كانوا يحضرون الدخول إلى الغرفة التي كان يتلقى فيها العلاج. كانت الأجواء مؤلمة في ذلك الجناح، غير أنها كانت مفعمة بالإيمان والدعوات ليمد الله في عمر جلالته، على الرغم من أنه كان باديا على وجوه المقربين الذين كانوا أكثر اطلاعا على الوضع أن الأمور تطورت بسرعة لا تصدق".
اقرأ أيضاً: اليوسفي: مذكراتي إرث للمغاربة وقوة الأمم في تصالحها مع ماضيها
ويكشف اليوسفي أن ولي العهد أخبره آنذاك أن "سيدنا في حالة صعبة جدا، ولم يتبق لنا إلا الدعاء له"، قبل أن يتلقى منه مكالمة أخرى يخبره فيها أن الملك انتقل إلى رحمة الله، وأمره بتلاوة القرآن في وسائل الإعلام، كما أخبره أنه يحضر كلمة سيلقيها على الشعب المغربي، ثم اتصل به مرة أخرى لإخباره بالترتيبات الأولية، لإعداد مراسيم البيعة، والشروع بالتنسيق مع التشريفات الملكية في الاستعداد لاستقبال ضيوف المغرب، وتعبئة الهيأة الوزارية لاستقبالهم والترحيب بهم".
ويصف اليوسفي ذلك اليوم فيقول"لقد كان يوما من الصعب تحمله، خصوصا في تلك الساعات الطوال التي كانت مملوءة بالأمل ومشحونة بنوع من الألم، حول هذا المصاب الجلل، كان شعورا مشتركا بالمأساة والحزن، وكانت تلك اللحظات تتطلب التجلد والصبر والرضا بقضاء الله".
اقرأ أيضاً: هدية خاصة من فليبي غونزاليس لعبد الرحمان اليوسفي في عيد ميلاده الـ 94
ويضيف اليوسفي أن ما أثر فيه كثيرا هو أنه قبل وفاة الحسن الثاني بأقل من 48 ساعة أقام مأدبة على شرف الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وكان مرحا وجد متفائل بتطور الأمور في المغرب"، مشيرا إلى أنه في نفس اليوم عقد اجتماعا معه رفقة وزير الداخلية حول القضية الوطنية.
ويحكي اليوسفي أنه خلال مأدبة العشاء على شرف الرئيس اليمني، قال لضيوفه "اسمحوا لي فأنا ووزيري الأول لن نأكل معكم، لأن لنا طعام حمية خاص بنا"، وبالفعل تقاسمت معه طعامه الخاص، يقول اليوسفي.
يكشف اليوسفي أن الملك محمد السادس اخبره برغبته في تنظيم الجنازة يوم السبت، أي اليوم الموالي للوفاة، وكان عدد من المستشارين يحبدون انتظار ثلاثة أيام للتحضير، لكن الملك قرر في النهاية أن تكون الجنازة يوم الاحد الموالي للوفاة، ولم يقبل تمديد المدة ليكون الإعداد أحسن للتشييع، مضيفا أن رغبته أساسا كانت أن يدفن والده في اليوم التالي بعد الوفاة، حسب ما جرت به العادة عند المغاربة، إلا أنه قبل أن يصبر على مضض إلى يوم الأحد.
اقرأ أيضاً: هكذا تحدث اليوسفي عن البصري و"جيوب المقاومة" في مذكراته
وتابع اليوسفي "لو أتيح لكل المغاربة حضور الجنازة لحجوا جميعا إلى الرباط، لقد كانت المشاهد مطمئنة ومشجعة، تبين مدى قوة ووحدة هذا الشعب".
وعن ظروف الملك محمد السادس بعد وفاة والده الحسن الثاني، قال اليوسفي"وجدته رجلا صابرا، رغم الألم العميق الذي كان يعتصر فؤاده، كان يشعر بالمسؤولية الكبرى التي أصبحت ملقاة على عاتقه، وكانت رغبته أن يحضر معه العشاء الرسمي بعد البيعة، لكنه رجع إلى بيته مباشرة بعدها".
ورغم أن الجو كان مفعما بالألم، إلى أن ذلك لم يمنع الملك محمد السادس من الاهتمام بصحة وزيره الاول عبد الرحمان اليوسفي، "قمت بمرافقته لتقبيل وتوديع جثمان أبيه في القصر، وقد كان حريصا على أن لا أتعب، وأمر أن لا أرافق الموكب الجنائزي، حرصا على صحتي، وتفاديا لحرارة الشمس، وأن انتقل مباشرة إلى مكان الدفن، إلى حين وصول الموكب، لقد كانت تلك اللحظات جد مؤثرة بالنسبة لي"، يقول اليوسفي