انتهت انتخابات أعضاء مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، ليلة الأربعاء الماضي، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ببقاء الوضع على ما هو عليه؛ حيث لم تستطع الجزائر بلوغ النصاب الذي يفرضه النظام الداخلي للحصول على مقعد داخل هذا المجلس، وفق معطيات حصل عليها "تيلكيل عربي".
وكانت الجزائر في حاجة إلى ثلاثة أصوات إضافية لم تستطع الحصول عليها، رغم بقائها مرشحة وحيدة، خلال آخر جولة من الانتخابات، التي تمت بشكل سري.
وفي هذا الصدد، أجرى "تيلكيل عربي" حوارا مع إبراهيم بلالي اسويح، المحلل السياسي، وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، لقراءة هاته النتائج، وتفسير أسباب فشل الجزائر في حسم النتيجة النهائية، وما إذا كانت ستتيح هاته النتيجة للمغرب إعادة ترتيب أوراقه، تجاه الحفاظ على مقعده داخل مجلس السلم والأمن، وما إذا كان سيكون هناك تأثير لمجريات التصويت داخل المجلس على المنافسة لنيل منصب نائب رئيس منظمة الاتحاد الإفريقي.
1 كيف تقرأ نتائج انتخابات مجلس السلم والأمن الإفريقي؟
نتائج انتخابات مجلس السلم والأمن الإفريقي توجه إفريقي نحو تعزيز مؤسساتي جماعي لتعزيز الاستقرار على مستوى القارة، والدفع بالتوجه نحو أفق جديد عكسه الدور المحوري المنتظر لأجهزة الاتحاد الإفريقي التنفيذية، وبالخصوص المفوضية، ومجلس السلم والأمن الإفريقي، الذي عرف تنافسا، من حيث التمثيلية، بالنسبة لممثل شمال إفريقيا؛ حيث تدرك هذه الدول أن الحصول على هذا المقعد يساهم من موقع ريادي في الاستراتيجية السياسية لهذا التنظيم الإفريقي، ويعكس وزن تحالفات الدول، ثم دعم أو الحد من هامش المناورة للبعض.
2 بماذا تفسر تفوق الجزائر على حساب ليبيا والمغرب، رغم عدم قدرتها على حسم النتيجة النهائية؟
تفوق ممثلة الجزائر من حيث عدد الأصوات، الذي بلغ الثلاثين صوتا، على ممثلي المغرب وليبيا، في سباق التنافس على مقعد شمال إفريقيا، يجد تفسيره في كون الجزائر، التي سبق أن كانت تترأس هذا المجلس، لمدة ثلاث عشرة سنة متتالية، كان من المفروض أن تكون قد نسجت مجموعة من التحالفات التي كانت تتباهى بها دبلوماسيتها، بل وتوجه بوصلة هذه الهيئة لخدمة أجندة "البوليساريو" الانفصالية، ثم الجهود الحثيثة التي بذلتها الجزائر، من خلال تحركات وزير الخارجية، أحمد عطاف، خلال الشهور الماضية، في خطوة لحشد الدعم الكافي لعودة بلاده إلى المجلس؛ وهو الأمر الذي فشلت فيه الدبلوماسية الجزائرية، على اعتبار فشلها في بلوغ النصاب من حيث عدد الأصوات الثلاثة والثلاثين.
هذا يعني تحفظ دول إفريقية، على اعتبار أن الاقتراع سري ويصعب معه معرفة من هي الدول التي تحفظت أو امتنعت، وهو أمر يُعزى إلى تراجع ملحوظ للتأثير الجزائري على المستوى الإفريقي، وربما العزلة الإقليمية لهذا البلد، التي تتكرس، اليوم، قاريا، في إشارة إلى أن الأدوار التاريخية التي كانت بموجبها، أيديولوجيا، تناور مع بعض الأنظمة الإفريقية، بدأت، الآن، رياح التغيير تعصف بها، في تجاه لا يتجاوب مع عقيدة النظام الجزائري المتجاوزة.
3 هل ستتيح هذه النتيجة للمغرب إعادة ترتيب أوراقه، تجاه الحفاظ على مقعده داخل مجلس السلم والأمن؟
طبيعي أن تأجيل التصويت إلى الشهر المقبل يعكس، أولا، أن هناك تنافسا إقليميا كبيرا بين المغرب والجزائر. وقد يكون لهذا التأجيل تأثير على إعادة ترتيب الأوراق؛ لأنه ببساطة سيسمح بإعادة تنظيم التحالفات. ثم إن هذه النتيجة تعكس أن الجزائر التي سخرت كل هذا المجهود، طيلة الشهور الماضية، تعجز عن تحقيق النصاب القانوني؛ بحيث يتضح أن الدور الجزائري لم يعد مؤثرا على المستوى القاري؛ لغياب الفعالية التي كان يملكها إبان الحرب الباردة، أو استغلال فقر بعض البلدان الإفريقية؛ الأمر الذي لم يعد مقبولا على مستوى المزاج القاري المتوجه إلى الشراكات والتنمية، على أساس منطق "رابح-رابح"؛ وهي الاستراتيجية التي نجح المغرب في ترسيخها، وستلعب دورا مهما في تأهيل المملكة إلى هذا المنصب الحيوي، مرة ثانية.
4 هل سيكون هناك تأثير لمجريات التصويت داخل مجلس الأمن والسلم على المنافسة لنيل منصب نائب رئيس منظمة الاتحاد الإفريقي؟
يصعب التنبؤ بمجريات التصويت بالنسبة لمنصب نائب المفوضية للاتحاد الإفريقي؛ بالنظر إلى سعي الجزائر لمعاكسة أي دور قاري فاعل للمغرب؛ إذ أن المنافسة الجزائرية والمصرية مع المغرب الذي يسعى إلى تكريس دوره المتنامي بالقارة تجعل منه الأكثر حظا للظفر بهذا المنصب، خصوصا وأن المملكة تراهن، هذه المرة، على شبكة علاقات تتوسع في غرب القارة ووسطها، ثم إن طبيعة المشاريع التي يراهن عليها المغرب قاريا، كما هو الحال بالنسبة لأنبوب الغاز المغربي-النيجيري، وكذلك المبادرة الأطلسية المغربية لولوج دول الساحل، ثم الدعم الذي يحظى به كشريك مسؤول حتى من بعض دول المحور الأنغلوسكسوني في إفريقيا، تجعل فرصه كبيرة، أمام منافسة جزائرية تسعى إلى تحجيم هذا الدور المغربي، وفقدان مساحات كانت في السابق حكرا على المناورة الجزائرية، قبل أن يصبح ذلك غير ممكن؛ بسبب العزلة الحالية للنظام، ووضع اقتصادي يعاني من سلسلة أزمات في الآونة الأخيرة. كما أن تجميد عضوية مجموعة من البلدان بسبب الأوضاع الداخلية ساهم في الحد من التأثير التقليدي للجزائر الذي أصبح محصورا في بلدان المحور التقليدي بالقارة.