تحول حلم امتلاك سكن إلى مأساة بالنسبة لأكثر من ألف مغربي كانوا ضحية لأكبر عملية احتيال عقاري في تاريخ المملكة، أثارت تساؤلات عديدة حول تواطؤات محتملة على مستويات مختلفة مع المتهم الرئيسي في القضية.
خلال تجمع للعشرات من ضحايا عملية الاحتيال حصل في الدار البيضاء، نادى المحتجون "أعيدوا إلينا أموالنا!". كان يفترض أن يتحول الموقع الذي تجمعوا فيه إلى ورش لتشييد عمارات ضمن أحد مشاريع المجموعة العقارية "باب دارنا"، قبل أن يكتشفوا أنهم اشتروا وهما، بينما جمع صاحب المجموعة نحو 600 مليون درهم لا أثر لها.
وكان الرجل الموقوف حاليا، يتسلم مبالغ مسبقا على ثمن العقارات من الضحايا الذين جذبتهم حملات إعلانية مثيرة كانت تبث على القنوات التلفزيونية في أوقات الذروة بعروض مغرية تقترح شقة مجانا لمن يشتري شقتين.
ويقول سفيان ساخرا "كان يفترض أن يكون المسبح هنا"، مشيرا إلى مكان في موقع الورشة المفترضة التي لم تفتح قط، مغطى بلوحة إعلانية تصور مساكن "من الطراز الرفيع" مجهزة بأرقى أنواع الخشب الفاخر والرخام...
وبدأت مجموعة "باب دارنا"، وهي مكونة من شركات عدة، تتسلم الأموال من الضحايا منذ نحو عشر سنوات مطلقة 15 مشروعا وهميا في الدار البيضاء ونواحيها، بحسب المحامي مراد العجوتي، أحد وكلاء الدفاع عن المتضررين.
وحصد المتهم الرئيسي في هذه القضية أكثر من 600 مليون درهم، من "ما بين 20 بالمائة إلى 100 بالمائة من ثمن المساكن".
وبرع وكلاء المبيعات الذين كانوا يعملون لحسابه في إقناع الزبائن باغتنام "الفرصة الذهبية" لشراء مسكن، كما تشير حورية (49 عاما) التي خسرت 400 ألف درهم تشكل ما يقارب 20 بالمائة من ثمن فيلا كانت تحلم بامتلاكها.
ويستغرب المحامي العجوتي كيف أن صاحب المشروع لم يكن يملك "وثائق ملكية الأراضي ولا رخص البناء"، لكن ذلك لم يمنعه ذلك من التنقل عبر المعارض العقارية في الدار البيضاء وباريس وبروكسيل لعرض بضاعته الوهمية، فضلا عن الحملات الإعلانية المكثفة على مرأى من الجميع، بل وفتح مكاتب تسويق فوق أراض لا يملكها.
وتستطرد حورية "ألم تكن السلطات على علم؟" متسائلة "من كان يوفر له الحماية؟".
وترسم شهادات العديد من الضحايا عن مدير المجموعة محمد الوردي (59 عاما) صورة رجل بارع في التمويه والإغواء، وتسلح بهذه الموهبة ليخوض غمار سوق العقار.
وبعد أن نفذ صبر العديد من زبائنه، بادروا في نونبر إلى مواجهته فحاصروه في بيته، لكنه راوغ بأن وزع عليهم عبارات الاعتذار والمماطلة وشيكات تعويض تبين أنها من دون رصيد. فما كان منهم إلا أن اقتادوه بالقوة نحو مفوضية الشرطة، لتتفجر القضية وتحتل حيزا هاما في وسائل الإعلام المحلية منذ أسابيع.
ويلاحق الوردي مع ستة من معاونيه، بينهم موثق ومدير تجاري ووكلاء تسويق بتهم تصل عقوبتها إلى 20 عاما، بينما لم يحدد بعد موعد بدء المحاكمة.
ويوجد بين الضحايا العديد من المغاربة المقيمين بالخارج الذي أرادوا الاستثمار في بلدهم الأم. ويعرب يوسف المقيم باليابان عن حسرته قائلا "غادرت المغرب هربا من الرشوة والمحسوبية، لكن يبدو أنها تطاردني".
وعلى الطرف الآخر من الكوكب، سقط سيف الدين، الثلاثيني المقيم بالأرجنتين، في الفخ بواسطة ملصق إعلاني يعرض عمارة عصرية على مساحة خضراء ووسط أشجار نخيل ومسبح، وقر ر الشراء. وازداد ثقة بالمشروع بسبب الحملات الإعلانية حوله التي كانت تبثها القنوات التلفزيونية العمومية.
ويقول "كان الوردي مقنعا جدا عندما استقبلني في فيلته برفقة موثق ووكيل مبيعات. توجهنا إلى مقر المحافظة لتوقيع عقد البيع رغم أن الساعة كانت العاشرة ليلا. لا شك أنه وزع الكثير من المال ليحظى بهذه المعاملة التفضيلية".
لكن هذا العقد، مثل كل العقود الأخرى لا يتضمن الرسم العقاري ولا رقم ترخيص البناء، خلافا لما يقتضيه القانون.
أما جلال الأربعيني الحامل للجنسيتين المغربية والفرنسية فانجذب لعروض "باب دارنا" المغرية أثناء زيارته معرض العقار المغربي في باريس سنة 2018، وهو المعرض الذي "كان فيه رواق 'باب دارنا' الأفضل". وعاد إلى المغرب من أجل توقيع العقد "بحضور موثق، وصودق عليه في مقر محافظة ما يمثل ضمانات كافية" لطمأنة أي زبون.
ويؤكد المحامي العجوتي أن "المسؤولية مشتركة بين السلطات الوصية في وزارة التعمير ومجلس مدينة الدار البيضاء وإدارة الوكالة الحضرية"، مشيرا أيضا إلى مسؤولي معرض العقار الذين كان عليهم التحقق من جدية العارض.
وحمل مسؤولو المعرض من جهتهم مجموعة "باب دارنا" كامل المسؤولية عما وقع، متقدمين بشكوى ضد الوردي على "الاحتيال والتسبب في أضرار".
وبالنظر لحجمها الكبير، أثارت القضية تساؤلات حول مسؤولية الحكومة، لكن رئيسها سعد الدين العثماني نفى أمام البرلمان أية مسؤولية للسلطة التنفيذية عما وقع، ما خلف استياء بين الضحايا.
ويشكل قطاع العقارات في المغرب واحدا من أكثر القطاعات تضررا من آفة الرشوة المنتشرة في المغرب، بحسب الكاتب العام لمنظمة "ترانسبرانسي- المغرب" أحمد برنوصي الذي يؤكد أن المغرب "أرض خصبة تزدهر فيها الرشوة وحالات جرم المطلع وتضارب المصالح بين ملاكين عقاريين والسلطات المحلية والوكالات الحضرية".
ووجهت القضية "ضربة قوية لمصداقية القطاع"، بحسب نائب رئيس فدرالية المنعشين العقاريين أنيس بنجلون الذي يضيف "ما فتئنا نندد بهذه الممارسات، هذه ليست صفقة عقارية بل هذا احتيال بفضل بنية متواطئة".
وأفادت وزيرة التعمير والإسكان نزهة بوشارب وكالة فرانس برس أنه "توجد فعلا بعض الاختلالات والممارسات غير القانونية، ويجب أن نبذل الجهود لتصحيحها".
وغالبا ما تسفر عمليات بيع مساكن قبل تشييدها المنتشرة في المغرب، مشاكل عديدة أبرزها تأخر التسليم. وعدل القانون الذي ينظم هذه العمليات في 2016 من أجل تحسينه، لكن مراسيمه التطبيقية لم تصدر بعد. وتؤكد الوزيرة أنها "حاليا قيد الانهاء".