"باركا".. صرخة مسؤول كبير ضد التهرب الضريبي

المصطفى أزوكاح

"باركا" بتلك الكلمة عبر الكاتب العام لوزارة الاقتصاد والمالية، زهير الشرفي، عن غضبه، من ممارسات تنم عن التهرب الضريبة الذي وصل مستويات تهدد التوازنات المالية. "باركا" جاءت بالدارجة المغربية الخالصة، من فم مسؤول تغلب عليه الفرنسية، فكانت أبلغ من كل الخطابات التي تحث بفرنسية أنيقة وبأسلوب فيه الكثير من البحث عن التوافق والإقناع والتحسيس بخطورة الوضع.

شعار "باركا"

كان الشرفي حاضرا بين الذين كانوا يستمعون لمداخلة المشاركين في إحدى جلسات المناظرة، صباح السبت، عندما شرع إدريس إفيلال، نائب رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، في الحديث عن المغرب الذي يتوفر على 22 ألف طبيب، بينما المفترض أن يمارس به 66 ألف طبيب. المتحدث أشار إلى أن 7 آلاف طبيب بقوا خارج المملكة، بينما يستعد 12 ألف طبيب للرحيل.

أفيلال لم يرق له الحديث عن توفير الأجراء والموظفين لـ75 في المائة من إيرادات الضريبة على الدخل، بينما لا تمثل الإيرادات المتأتية من المهن الحرة سوى 5 في المائة، وذهب إلى أنه لا يعقل أن يخضع الأطباء لسعر 38 في المائة برسم الضريبة على الدخل، بينما لا يفي أصحاب الشركات الذين يصرحون بربح يقل عن 300 ألف درهم، سوى بـ10 في المائة.

الطبيب، الذي تحدث عن الأدوار التي يؤديها زملاؤه، طالب بالتوجه نحو نظام جبائي جزافي، يحدد سلفا سقفا إبرائيا لما يجب أن يؤديه الأطباء، مع تفادي المراجعات التي يمكن أن تقع في كل مرة من قبل المديرية العامة للضريبة بالمغرب.

ما أن أعطيت الكلمة للقاعة، حتى تسلمها الشرفي، الذي بدا غاضبا، حيث توجه لممثل الأطباء قائلا "قد نقبل أن تنقص التصريحات للإدارة الضريبية بـ10 في المائة، لكن أن تصل إلى 90 في المائة.. باركا.. لا يعقل أن ترفض المصحات الشيك وتطالب الناس بالأداء نقدا والنوار. يجب أن تتحمل الهيئات الممثلة للأطباء مسؤولياتها في إشاعة الأخلاقيات".

قوبل كلام الشرفي بالتصفيق داخل القاعة، ورغم تدخل أطباء من أجل التهدئة والتأكيد على أن الوقت وقت مصالحة وأنهم ليسوا فوق القانون، إلا أن جوا من التوتر ساد القاعة. أحدهم علق "شعار 'باركا' أفضل من شعار 'العدالة الجبائية' الذي اتخذ عنوانا لمناظرة الصخيرات.. وذهب خبير محاسبي عندما سألته "تيل كيل عربي" إلى أنه يجب أن تغير بعض المهن الحرة والشركات من طريقة تعاطيها مع البلد.

"الوقت خايبة"

عندما سألت "تيل كيل عربي" خبيرا محاسبيا حول الوضع، أجاب "'الوقت خايبة'، كما يقول المغاربة ، لا مجال اليوم للسماح بـ'السيبة الجبائية'، يجب أن يساهم الجميع في موارد الدولة، التي يتوجب عليه أن توجهها إلى تحقيق هدف أعادة التوزيع".

هل التهرب الضريبي كبير؟ يجب محدثنا "يتجاوز على الأقل ما تكشف عنه المديرية العامة للضريبة. يكفي أن تشير المديرية إلى الفواتير الوهمية التي بلغت قيمتها 53 مليار درهم، ما يفوت على الدولة 12 مليار درهم كمداخيل. إنه المبلغ الذي ستقترضه الدولة في العام الحالي من السوق الدولية. هناك الكثير من الفاعلين في المهن الحرة والشركات، الذين لا يصرحون بحقيقة دخولهم. لكن أغلبهم اليوم في وضع حرج".

يوضح "لقد أضحت المديرية العام للضريبة تتوفر على جميع البيانات حول المتهربين من الضريبة، وعندما يشتري بعضهم أرضا اليوم، تسائلهم تلك الإدارة. حتى أن الذين يتوفرون منهم على مبالغ مالية لم يودعوها في البنوك، ينظرون إليها كجمرة حارقة، فعين المديرية العامة لا تخطؤهم".

يعود محدثنا لما قاله الشرفي في مواجهته لدفوعات ممثل الأطباء، ويعتبر أنه تصرف بمنطق رجل الدولة. وما قاله يتعدى التوصيات، التي تعبر عن أهداف ومبادئ، فالمهم بالنسبة لهذا الخبير، هو تفعيل المبدأ الدستوري الذي يقضي بمساهمة الجميع في مجهود الجبائي للدولة، كل حسب استطاعته.

"حگرة"

لم يتردد عبد الرحيم الهندوف، القيادي بالاتحاد المغربي للشغل، عن التعبير عن "الحگرة" التي يحس بها الملزمون، الخاضعون للضريبة على الدخل، بسبب الاقتطاعات التي تتعرض لها أجورهم.

لم يرق له ضعف مشاركة النقابات في المناظرة، بينما كانت آمال عمري، القيادية في المركزية ذاتها، تسعى للدفاع عن رؤيتها لما يجب أن تكون عليه الضريبة على الدخل، التي تصيب أكثر الأجراء والموظفين، مقارنة بأصحاب المهن الحرة.

الهندوف اعتبر في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن مشاركة ممثلي الأجراء والموظفين، الذي يوفرون لخزينة الدولة أكبر قدر من الإيرادات والذين يقع عليهم ضغط جبائي كبير، لم يكونوا ممثلين كما يجب في المناظرة، معتبرا أن ذلك لا يعكس شعار الإنصاف الذي كان عنوانا لذلك الملتقى.

اقترح أحد المشاركين، في ظل ملاحظة غياب الإنصاف بين مساهمة الموظفين والأجراء والمهنيين في المجهود الجبائي للدولة، الاستناد على المؤشرات الخارجية للثراء من أجل تحديد حقيقة مداخيل المصرحين بالضريبة، فأجاب أحد الأطباء بأن ذلك المؤشر يفترض أن يسري على الجميع بما في ذلك السياسيين والنقابيين.

توازنات

في المناظرة، كان الفلاحون يراقبون ما ستسفر عنه أشغالها، فهم يقتربون من الخروج من دائرة المعاملة التفضيلية، حيث يفترض، نظريا، الشروع في خضوعهم لأسعار التضريب العادية في 2021.

عندما سئل وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون حول النظام الجبائي الذي ستخضع له الفلاحة، أجاب بأنه لم يتم الخوض في التفاصيل التي لها علاقة بالقطاعات، لكنه ألمح إلى أنه سينظر في جميع الاستثناءات التي تهم بعض القطاعات.

يشير الخبير الجبائي محمد الرهج إلى أن العديد من الاسثتناءات سيجري التخلي عنها، وإذا ما استمر العمل ببعضها عبر تحفيزات جبائية، فستكون مرتبطة بدفتر تحملات، في أفق الوصول في الخمسة أعوام المقبلة إلى الاستعاضة عن التحفيزات الجبائية بمخصصات مباشرة.

ويتصور أنه في ظل ما يتجلى في المناظرة أن التحفيزات الجبائية سيعاد فيها النظر، خاصة بعدما ثبت أن صناعيين تخلوا عن نشاطهم وتحولوا إلى العقار الذي يستفيد من تحفيزات مغرية للمستثمرين.

هذا ما يفسر فكرة التوجه نحو إخضاع الصناعة والقطاعات التي تقوم على الابتكار لمعدل 20 في المائة برسم الضريبة على الشركات، بينما سيتم إخضاع القطاعات المحمية أو الاحتكارية، التي لا تتعرض لمنافسة في السوق لسعر ضريبة مرتفع، قد يصل إلى 40 في المائة، حسب مصدر من الخبراء المحاسبين.

تراهن مقاربة وزارة الاقتصاد والمالية، على توسيع الوعاء الجبائي في الأعوام الخمسة المقبلة، من أجل توفير هوامش تتيح خفض الضغط عن الملزمين النجباء وبلوغ هدف إعادة التوزيع. هذا جوهر الإنصاف الذي تتطلع إليه الوزارة. بما يعطي كل معناه لصرخة الشرفي "باركا".