بعد صيام عن الإخراج دام لأزيد من 17 سنة، عاد المخرج المغربي سهيل بنبركة ليطلق فيلمه الجديد عبر العودة إلى مغرب بداية القرن 19، وتحديدا فترة حكم السلطان العلوي المولى سليمان.
وقدم يوم أمس الأربعاء العرض ما قبل الأول لفيلم "من رمل ونار.. الحلم المستحيل"، وهو عمل سينمائي ضخم من إنتاج مغربي إيطالي، ويلعب دور البطولة فيه النجم الإسباني رودولفو سانشو والنجمة الإيطالية كارولينا كريسينتيني.
قصة حقيقية لجاسوس في قصر السلطان
اختار سهيل بنبركة الغوص في التاريخ، عبر العودة إلى قصة جاسوس إسباني كلفه رئيس وزراء بلاده بمهمة اختراق محيط السلطان المغربي وكسب ثقته، من أجل إضعاف إمبراطوريته، وتسهيل احتلال الإسبان للمغرب.
كان رفض المغرب بيع إسبانيا القمح أحد الأسباب الرئيسية لتجنيد دومينغو باديا، خاصة وأن المولى سليمان كان يقايض قمحه بالسلاح البريطاني استعدادا منه لتجهيز جيشه لاستعادة الأندلس.
يتعدى الفيلم عرض قصة صراع سياسي بين المغرب وإسبانيا في مطلع القرن التاسع عشر، بل يتطرق أيضا إلى مسألة الأصولية الدينية، التي تأتي من أوروبا لتجد موطئ قدم لها في بلدان المشرق، وكيف أن استغلال الدين في تحقيق طموحات فردية، لم يكن حكرا على العرب والمسلمين، بل إن هناك أوربيين استغلوا الجهل وارتباط المشارقة بالدين لتحقيق مجد فردي.
يقول سهيل بنبركة في تصريح لـ"تيلكيل عربي" إن الفيلم تطلب منه 8 سنوات من الاشتغال، وأنه توصل بكتاب "رحلات عبر المغرب" لباديا، كهدية من أحد أصدقائه الإسبان، فكان المحرض الأول على إخراج "من رمل ونار".
يسلط فيلم بنبركة الضوء على جانب غير معروف في التاريخ المغربي، خاصة كيف استطاع الجاسوس الإسباني، الذي استعان بالأنسة هيستر ستانهوب، نجلة رئيس الوزراء الإنجليزي ويليام بيت، لعبت دورها النجمة الإيطالية كارولينا كريسينتيني، وذلك خلال مهمة في لندن، بعدما قدم نفسه لها على أنه أمير عربي.
ستمنح هيستر لعلي باي العباسي كتابا نادرا لعمر الخيام، حتى يتمكن من إهداءه للسلطان المغربي، غير أن المكر الاستخباراتي للجاسوس الإسباني دفعه إلى تقديم الكتاب على أنه مؤلف نادر لابن عربي، مستغلا إعجاب مولاي سليمان بالمفكر الأندلسي.
لم يكشف باديا على هويته الحقيقية حتى بالنسبة للأنسة هيستر، رغم نشوء علاقة حب كبيرة ستدوم لأربعة عشر عاما، إذ اهتدى الإسبان إلى خلق شخصية عربية، تدعي تحدرها من سلالة آل البيت.
تفتقت عبقرية الإسبان، الذين استعانوا بالفرنسيين، خصوصا وزير خارجية نابليون، لخلق هوية عربية للضابط الإسباني، ليقع الاختيار على اسم علي باي العباسي، الذي قدم للسلطان المغربي على أنه نجل أمير عربي اغتيل بدمشق على يد الأتراك.
الختان ينقذ السلطان
استغل الجاسوس الإسباني إتقانه للغة العربية، وحفظه للقرآن، ومعرفته بعلوم الفلك، ليكسب ثقة السلطان المغربي، خاصة وأنه قدم نفسه على أنه شخص عملي ومسلم منفتح، لم يجد حرجا في انتقاد العبودية والتضييق على اليهود وجهل عامة الناس من المغاربة، وسلطة العلماء المحافظين، وهي الانتقادات التي لم يجد حرجا في عرضها على السلطان المغربي، التي تلقاها بصدر رحب.
أصبح علي باي شخصا ذو نفوذ في مملكة السلطان، ورجل الثقة الأول، لدرجة تكليفه بالتفاوض مع القبائل المتمردة في الجنوب المغربي، وهو ما نجح فيه، مما كرس ثقة السلطان فيه.
ستكبر طموحات الجاسوس علي باي لتتعدى أهداف مدريد، بعد أن رأى دعم قبائل الشمال، الذين كان في مهمة للتفاوض معهم باسم السلطان، غير أن عرض المتمردين كان مغريا، إذ طلبوا منه توفير 5 ألاف بندقية وأن داي الجزائر سيوفر لهم الجنود للإطاحة بالسلطان سليمان، على أن يكون علي باي بالمقابل خليفة للسلطان بعد التخلص منه.
ستصل الأنباء إلى مدريد، التي تفاجأت بالمكانة التي وصل إليها علي باي، ليعارض الملك الإسباني خطة جاسوسه المتخفي، والسبب هو إجراء باديا قبل توجهه إلى المغرب لعملية ختان، وهو ما اعتبره العاهل الإسباني سببا كافيا للشك في إيمان جاسوسه، إذ لا يمكن لمسيحي أن يقبل الختان إذا لم يكن مسلما حقيقيا، غير أن مقتل داي الجزائر سيقلب سيجري عكس إرادة علي باي.
التطرف القادم من الغرب
مع ارتفاع أسهمه في المغرب والحظوة التي صارت له في قصر السلطان، لم ينس علي باي قصة حبه مع الأنسة هيستر، التي قررت بدورها التوجه إلى سوريا لتحقيق حلمها بأن تكون "زنوبيا" جديدة في المشرق، اعتنقت العنف لبسط سيطرتها في ريف سوريا عن طريق الدم والنار، يقول بنبركة لـ"تيلكيل عربي" إن الهدف من الفيلم هو تسليط الضوء على أن الأصولية والتطرف كان منذ بداية القرن التاسع عشر، وأن الأوروبيين هم من بدأ الأصولية الإسلامية، لا أفهم لماذا نستغرب اليوم عندما نسمع بقصص إرهابيين متطرفين من أصول أوروبية، في حين أن تاريخ هذه الأصولية قديم، هي القصة نفسها تتكرر اليوم".
مثل العشيقان علي باي والبريطانية هيستر نموذجين متناقضين لغربيين اعتنقا الإسلام، فرغم أن حبا حارقا وجامحا جمعها، إلا أن الخلاف حول تصور الحكم الديني، وفهم الإسلام، شكل عقبة لاستمرارهما.
ستكتشف الأميرة "مليكي" وهو الاسم الذي اختارته هيستر بعد إسلامها، حقيقة علي باي، الجندي الإسباني، لتقرر الانتقام منه ومن كذبه، عبر دس السم في أكله.
تقول الممثلة اللبنانية مادلين طبر، التي حضرت العرض ما قبل الأول للفيلم، " هو فيلم جدلي، يستفز المتفرج ويدفعه إلى التفكير، إننا اليوم بحاجة إلى أعمال من هذا النوع، إنه ملحمة سينمائية ضخمة، وهو ليس بالجديد على بنبركة، أنا متأكدة من أنه سيحظى بجوائز كثيرة في المهرجانات العالمية".