قال الملك محمد السادس في كلمته التي وجهها للمشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة التي احتضنتها الصخيرات في الـ24 من أكتوبر 2008: "إننا لا ننتظر من هذه المناظرة، الاكتفاء بمجرد وضع تشخيص، مهما كان دقيقا لحال الرياضة المغربية أو الإطناب في التعبير الخطابي عن الإصلاح النظري الذي يفضي، لا محالة، إلى الوقوع في مغبة ما دعونا إلى تجنبه من الدوران في الحلقة المفرغة أو العبثية، لتغيير التغيير وإصلاح الإصلاح. بلى".
وأضاف الملك في كلمته، "إن غيرتنا على قطاع الرياضة، تجعلنا نحثكم على أن تجعلوا هذه المناظرة قوة اقتراحية تصدر عنها توصيات وجيهة واقتراحات عملية تكون في مستوى التحديات التي تواجه رياضتنا الوطنية وتستجيب لتطلعات الجماهير الشعبية ومواطنينا، في الداخل كما الخارج، للمزيد من الإنجازات والبطولات".
بدخول سنة 2024 تكون كرة القدم الوطنية قد بلغت 48 سنة دون تحقيق لقب منافسات كأس إفريقيا رغم تعاقب 15 رئيسا على الجامعة الملكية المغربية منذ تأسيسها، وتكون المناظرة الوطنية للرياضة قد بلغت 16 سنة على انعقادها مما يطرح سؤال تنزيل توصيات 2008 أو تنظيم مناظرة جديدة لتشريح واقع الرياضة واخضاعها لتقييم حقيقي يستحضر الأوراش الكبرى التي تنتظر المغرب.
رأي خبير
الإعلامي الرياضي يونس خراشي قال في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، "في تقديري المتواضع جدا، وقفات التأمل كانت، وستظل، باستمرار، مهمة للغاية، وذات أثر على المستقبل. وهي ضرورية وملحة، سواء تعلق الأمر بما بعد النجاح أو بعد السقوط. لأن النجاح يحتاج إلى عمل ليستمر، والسقوط يحتاج إلى عمل مضاعف لفهم أسبابه، والنهوض منه، نحو النجاح".
وأضاف خراشي، "والحالة هذه، وقد خرجنا من الدور الثاني لنهائيات كأس إفريقيا للأمم، ما يشكل سقطة قاسية جدا، سواء بالنسبة إلى المنتخب الوطني أو إلى كل المغاربة، الذين عولوا على هذا الجيل المتميز، للظفر بثاني كأس في تاريخ المشاركات المغربية، فالحاجة إلى وقفة تأمل عميقة مهم جدا".
وتابع خراشي، "غير أن هذه الوقفة التأملية، لتقديم الحساب، وتدقيق آليات العمل، والوقوف على الأخطاء، ووضع اليد على السلبيات، وأيضا على الإيجابيات، ليس هو كل شيء، لأن الأهم منه هو من سيفعل ذلك، وكيف، والأكثر أهمية، هو الطريقة التي ستطبق بها الخلاصات والتوصيات".
وتابع المتحدث، "ليس صحيحا أن كل شيء سيء، وأن الكرة المغربية تعيش على وقع الكارثة. ولكن، وهذا مهم أيضا، ليس صحيحا أن كرتنا تعيش الأوج، وأنها، نتيجة لذلك، ليست بحاجة إلى نقد. ومن تم، فإن الحاجة إلى إعادة النظر في بعض الأشياء أمر ملح، ومن شأنه أن يصحح الأخطاء".
وأشار خراشي، إلى أنه "عندما نرى البرازيليين والألمان والفرنسيين والإنجليز، وغيرهم، ممن يبدعون في الكرة، من حيث المأسسة، والتكوين، والبنيات التحتية، والتسويق، وغير ذلك، يصبحون وميسون على النقد، البناء طبعا، فما عسانا نقول نحن؟ مشيرا إلى أن أفضل وسيلة للمضي بعيدا، هي الاستمرار في العمل، أي في النقد البناء، بحثا عن التجويد، حتى عندما ننجح. أما اعتبار أننا وصلنا القمة، ولا حاجة بنا إلى الوقوف أمام المرآة، للنظر إلى وجوهنا، وحالتنا، فهو أقرب الطرق إلى تكرار الأخطاء لمرات كثيرة. ومن يكرر أخطاءه، لا شك سيبقى حيث هو، أي أنها سيتقهقر".
التعديل الحكومي
كان للتعديل الحكومي رقم 29 في تاريخ المغرب دور في تهميش توصيات المناظرة الوطنية للرياضة بعد أن غادرت البطلة المغربية نوال المتوكل مهمة وزارة للشباب والرياضة التي أشرفت عليها لمدة سنة و9 أشهر و14 يوما وغادرتها يوم 29 يوليوز من سنة 2009 بعد إشرافها على المناظرة الوطنية ليحل مكانها منصف بلخياط الذي قضى سنتين و5 أشهر و5 أيام مسؤولا عن قطاع حيوي.
أفرد الدكتور منصف اليازغي في كتابه المعنون بالسياسة الرياضية بالمغرب نقاشا خاصا حول فحوى التعديل الحكومي رقم 29 وهو ما قال بشأنه: "التغيير الذي هم الوزارة سنة 2009 إثر تنصيب منصف بلخياط يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الجدوى من تعيين نوال المتوكل لمدة لم تتعد سنة و 10 أشهر".
وأضاف اليازغي في حديثه خلال هذه الفترة "قدمت الوزيرة مخططا يهم السياسة الوطنية لوزارة الشبيبة والرياضة ما بين 2008 و2012، ثم برنامجا للعمل خلال سنة 2009، إضافة إلى الاستراتيجية الطويلة المدى والممتدة ما بين 2008 و 2020 والتي هي نتاج أشغال المناظرة الوطنية للرياضة الوطنية شهر أكتوبر 2008".
ورغم أن الكلفة المالية للمناظرة بلغت حوالي مليار سنتيم من بينها فإن الوزير الجديد قام بإعداد سياسة جديدة وهو ما قال بشأنه اليازغي: "رغم كل هذه الاجتهادات فإن الوزير الجديد بادر إلى إعداد سياسة أخرى تعتمد على المدى المتوسط بمقاربة مغايرة بتشكيل بطولة احترافية من 12 فريقا 1000 ملعب قرب في أفق سنة 2016، كما أنه أبقى في تصريحاته فقط على مضمون الرسالة الملكية في افتتاح المناظرة الوطنية للرياضة شهر أكتوبر من سنة 2008".
الرسالة الملكية
تقول الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة الوطنية التي انعقدت سنة 2008، "يأتي انعقاد هذا الملتقى في ظرفية مطبوعة بانشغال الرأي العام الوطني بما يعترض الرياضات الوطنية عامة من تقلبات تجسدها النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال، وهو ما لا نرضاه لبلدنا ولا يقبله كل ذي غيرة وطنية ولا يمكن أن تحجبه، بأي حال من الأحوال، بطولة أو تألق بعض المواهب الفردية".
وتطرقت الرسالة الملكية إلى أن من بين الاختلالات "ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور واتخاذها مطية، من لدن بعض المتطفلين عليها، للارتزاق أو لأغراض شخصية، إلا من رحم ربي من المسيرين الذين يشهد لهم تاريخ الرياضة ببلادنا بتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجلها، جاعلين الفرق والأندية التي يشرفون عليها بمثابة أسرتهم الكبيرة ولاعبيها في منزلة أبنائهم".
وقال الملك محمد السادس: "إن الوضع المقلق لرياضتنا الوطنية، على علاته الكثيرة، يمكن تلخيصه في إشكالات رئيسية، وهي بإيجاز: إعادة النظر في نظام الحكامة المعمول به في تسيير الجامعات والأندية، وملاءمة الإطار القانوني مع التطورات التي يعرفها هذا القطاع ، وكذا مسألة التكوين والتأطير، ومعضلة التمويل، علاوة على توفير البنيات التحتية الرياضية، مما يقتضي وضع استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد للنهوض بهذا القطاع الحيوي".
توصيات لم تر النور
يقول اليازغي في كتابه السياسة الرياضية بالمغرب، "مناظرة 2008 لم تخرج بتوصيات عامة بقدر ما أثمرت استراتيجية شاملة في أزيد من 100 صفحة، موزعة على إجراءات عملية مقننة بتواريخ محددة بدون أن تخلو من دعوات فضفاضة إلى بعض الخطوات غير المصحوبة بوسائل أجرأتها".
وتابع اليازغي، "رغم الهزيج الإعلامي الذي صاحب توصيات المناظرة، فإنها لم تصمد أكثر من سنة، إذ كان تغيير نوال المتوكل بمنصف بلخياط بمثابة إعلان عن طي الحديث عن كل ما يمت بصلة للمناظرة وتوصياتها".