بصدور قرار مجلس الأمن رقم 2494، حول الصحراء، يوم أمس الأربعاء 30 أكتوبر، بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة "المينورسو" لسنة كاملة، جن جنون الانفصاليين، الذين اعتبروا، في بيان رسمي، أن عملية الأمم المتحدة للسلام وصلت إلى "منعطف خطير" و"لم يعد أمام جبهة البوليساريو أي خيار سوى إعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام برمتها"!
"النصر" المغربي
رد فعل "البوليساريو" يبين إلى أي درجة يبقى هذا التمديد ولسنة كاملة، ودون مراجعة مهام بعثة المينورسو، والمصادقة على القرار بأغلبية ساحقة، تصل إلى 13 صوتا، ولم يسجل إلا امتناع منتظر لكل من روسيا وجنوب إفريقيا، (يبقى) انتصارا للمغرب.
فقد أوضح السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال أن القرار يأتي ثمرة لـ"قناعة راسخة بعدالة القضية الوطنية تم الحفاظ عليها وإلهامها وتوجيهها من خلال الالتزام الشخصي" للملك محمد السادس، ولأن القضية "ليست قضية الحكومة أو الأحزاب السياسية، بل هي قضية جميع المغاربة"، فضلا عن "الدبلوماسية الهجومية، المبادرة والقائمة على الإقناع"، ما جعل الموقف المغربي يجد مساندة في إفريقيا والمحيط الهادي وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وأكد السفير المغربي، أمام ممثلي الصحافة الدولية في مقر الأمم المتحدة، على "تملك مقترح الحكم الذاتي من قبل ساكنة الصحراء"، ودينامية التنمية في الأقاليم الصحراوية، مشيرا إلى أن المغرب أنفق، منذ ثلاث أو أربع سنوات، نحو 8 مليار دولار لخلق نشاط اقتصادي وإنجاز مشاريع مهيكلة، مثل الميناء الأكبر من نوعه في غرب إفريقيا، المرتقب تشييده في مدينة الداخلة، والذي سيشكل منصة للربط بين أوروبا وإفريقيا وأمريكا...
ولم يعرف القرار، الذي حررته البعثة الأمريكية، كالعادة، إضافات جوهرية، باستثناء تمديد الولاية إلى عام بدل ستة أشهر، التي كان الأمريكيون قد فرضوها من أجل الضغط على طرفي النزاع على استئناف المفاوضات، بحضور الجزائر وموريتانيا.
سياق خاص
في هذا الصدد يوضح رشيد بلباه، الأستاذ الباحث بمعهد الدراسات الإفريقية بالرباط، أن تقرير الأمين العام الذي على أساسه اتخذ القرار 2494 يندرج في سياق خاص.
وشدد الباحث، في اتصال بـ"تيلكيل عربي"، على تغيير ولاية "المينورسو"، من 6 أشهر، التي لم تعط أكلها كفاية وأصبحت عائقا بالنسبة للأمم المتحدة وما تسببه من "إرهاق" لآلياتها، فضلا عن البعد اللوجيستيكي والتقني، وعمل المؤسسات الأممية في خضم أن مجلس الأمن له قضايا استعجالية أخرى في مناطق الصراع كسوريا أو اليمن وغيرهما.
وما يطبع السياق أيضا هو مشكل استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام بالصحراء هورست كوهلر، منذ شهر ماي، دون أن ينهي مهمته، ما يشكل عائقا في الاستمرار في مسار المشاورات، لأنه بنى منهجية جديدة وبشكل جديد، والتي تمخضت عنها طاولة مستديرة أولى في شهر دجنبر الماضي وأخرى في مارس من هذه السنة...
وفضلا عن السياق، تبقى الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن منشغلة، في إطار نزاع الصحراء، باهتمامات خاصة.
فبالنسبة للكوت ديفوار وغينيا الاستوائية وجنوب إفريقيا، التي تمثل الاتحاد الإفريقي لم يكن التصويت موحدا.
وقد ركزت غينا الاستوائية والكوت ديفوار على أمرين مهمين، في مداخلتهما لتبرير تصويتهما الإيجابي لصالح القرار، وهما الطرح المغربي الذي يخص الحكم الذاتي والعمل الذي يقوم به المغرب في إطار حقوق الإنسان.
في المقابل، فسرت جنوب إفريقيا الامتناع بكون "القرار غير متوازن ولا يمثل في رأيها منظور الاتحاد الإفريقي". وذكرت أن القرار، وهذا أساسي بالنسبة إليها، أنه "يضعف مرجعية تقرير المصير"، يوضح الباحث.
وكانت تدفع بأن يتضمن القرار إيجاد "آلية لمراقبة حقوق الإنسان" و"هذا نفهمه لأنه هو طرح جبهة البوليساريو من زمان"، يقول بلباه.
من جهتهم، ركز ممثلو الدول الأوروبية على قضايا أخرى؛ ففرنسا ركزت على احترام اتفاق وقف إطلاق النار وكان هذا بالنسبة إليها هو أهم شيء، ومن ذلك تركز على الإشكال الواقع في المناطق العازلة وخاصة الكركارات، يلاحظ الباحث.
أما ألمانيا فتدفع ، إلى جانب بولونيا، بقوة نحو تعيين مبعوث جديد (المبعوث السابق كان رئيسا سابقا لألمانيا) في أقرب وقت وهذا هو الرهان بالنسبة إليها، إلى جانب دعم المسار السياسي من جميع الأطراف، حتى لا يقع أي تطور يدفع إلى الرجوع إلى الصراع المسلح.
من جانبها، ركزت بريطانيا على مسألة المسار السياسي وعلى اعتبار احترام المرجعيات للأمم المتحدة، يسجل الباحث بلباه.
أما الجانب الأمريكي، فقد كان يتمنى أن يحظى القرار، الذي أعده، بالتصويت عليه بالإجماع، "ولكن اعتبارات جيوسياسية وإيديلوجية تدفع إلى أن الصراع بين القوى الكبرى يبرز في إطار المشاورات حول جميع الإشكالات في العالم"، على حد تعبير المتحدث ذاته.
وركز ممثل الولايات المتحدة على أن الرجوع لتمديد ولاية "المينورسو" لسنة لا يعتبر بالنسبة إليه رجوعا لـ"شكل عادي قديم" ولكن بالعكس يجب أن يكون حافزا لدفع الأطراف المعنية لإيجاد حل سياسي في أقرب وقت.
أما دولة البيرو، التي تمثل أمريكا اللاتينية، فقد ركزت على مرجعية القرارات السابقة "وهذا مهم لأنها ركزت على مرجعية القرار 2440 والقرار 2468 اللذين أدرجا أن دول الجوار معنية أيضا بالنزاع وبمسألة الطاولة المستديرة لأربعة أطراف (المغرب والبوليسارو والجزائر وموريتانيا)".
وكان القراران قد ركزا على المسار السياسي الذي انطلق منذ 2007 وخصوصا مع المقترح المغربي للحكم الذاتي.
ويوضح الباحث أن روسيا امتنعت عن التصويت لصالح القرار، لأنه، بالنسبة إليها، "وقع تدبدب في التعامل مع المعايير المؤطرة للمحادثات، من 6 أشهر لسنة، ولتفادي المخرجات المسبقة".
ويخلص الباحث، على هذا المستوى، إلى أن هذه هي الاتجاهات التي ظهرت أساسا في مجلس الأمن والتي أعطت تصويتا إيجابيا بأغلبية ساحقة.
"رجوع بنفس جديد"
ويعتبر بلباه أن القرار، في حد ذاته، هو شبيه كثيرا بالقرار 2468 خاصة، والذي صدر في فاتح أبريل الماضي، وحتى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كان شبيها بالتقرير الذي قدمه في أواخر مارس "في أكثر من ثلاثة أرباع".
ولكن الباحث يعتبر أن العودة إلى ولاية 6 أشهر للمينورسو، ستكون بنفس جديد مع طلب تسريع اختيار مبعوث شخصي جديد للأمين العام، والذي سيكون، في تقديره، سريعا؛ أي في شهر نونبر أو دجنبر.
والأساسي في القرار، حسب الأستاذ الباحث، هو التركيز على مرجعية قراري 2440 و2468 وهذا أساسي، مع تثمين المسار الذي انطلق منذ 2007، وضرورة عودة المسار السياسي من جديد، بعد استقالة كوهلر، والبحث عن حل سياسي واقعي ومستدام، فضلا عن مسألة المحادثات بين الأطراف المعنية التي يجب أن تكون بدون شروط مسبقة، وشكل الطاولة المستديرة والحفاظ عليه والدفع به، ومسألة الاستقرار الأمني في المناطق العازلة، خصوصا في معبر الكركرات، التي كانت دائما سبب قلق لمدة سنة بكاملها.
سابقة حول المغرب العربي والساحل
ويشدد المتحدث على أن هناك أمرا مهما جديدا في القرار الأممي، ويتعلق بأنه "لأول مرة يذكر إدراج مصير التنمية الاجتماعية والاقتصادية لشعوب المغرب العربي ومنطقة الساحل؛ بمعنى أن استقرار منطقة الساحل وضمانه مرتبطان بالتنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لشعوب المغرب العربي وبحل نزاع الصحراء".
"ابتزاز" الانفصاليين
سجلت جبهة "البوليساريو" رد فعل أولي قبل إصدار بيانها الرسمي. وكان ممثل "البوليساريو" في الأمم المتحدة، سيدي عمار، قد اعتبر أن القرار سلبي جدا على أساس أن تقليص المدة لولاية 6 أشهر كان يشكل مصدر قلق بالنسبة للمغرب، وهو ما يصفه الباحث بأنه "كان ورقة رابحة بالنسبة لهم".
ويقول "البوليساريو" إنه يمكن أن يفقد الثقة في المسار السياسي، "وهذا يعني أنه يدخل في نوع من الابتزاز"، على حد تعبير المتحدث.
وبعد حديث ممثل الجبهة، سيصدر بيان لها، يعود إلى مسألة عدم الثقة في المسار السياسي وينتقد بشكل لاذع المينورسو، التي تنصاع، في نظرهم، لأوامر المغرب وهذا سيؤدي، بالنسبة إليهم، إلى مخاطر، حيث يتحدثون عن "انهيار وقف إطلاق النار".
ويصف الباحث ما وقع بـ"الابتزاز" على اعتبار أن "البوليساريو أخذ وقته إلى شهر دجنبر للرد حول ما إذا كانوا سيسيرون في المسار السياسي أم لا؛ بمعنى أنهم في الجبهة إذا امتنعوا عن المضي في المسار السياسي والرجوع إلى طاولة الحوار، سيفتح ذلك الباب على الصراع المسلح"، وهذا "ابتزاز وتهديد خطير لأنه سيدخلهم في صراع مباشر مع المنتظم الدولي ومع مجلس الأمن والأمم المتحدة".
ويذهب إلى أنه لا جبهة "البوليساريو" لها القدرة على السير في هذا الاتجاه، ولا الجزائر ستسمح لها بذلك، لأن الجارة الشرقية للمملكة "في حالة أزمة داخلية وخانقة ومرتبطة بشهر دجنبر، وتحديدا بيوم 12 منه، موعد الانتخابات الرئاسية"...
ويتوقع أن يقوم "البوليساريو" بقلاقل وأن مسؤولي الدولة المغربية فهموا مضمون بيان "البوليساريو" على أساس أن الأخيرة ستحاول الضغط بجميع الوسائل، سواء في الأقاليم الجنوبية من خلال "بوليساريو الداخل" أو في معبر الكركرات أو في المناطق العازلة...