طالب سعيد بعزيز، عضو الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، في سؤال كتابي إلى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بتاريخ 27 مارس الماضي، بفتح تحقيق حول حقيقة أسباب "فشل الوحدة الصناعية لإنتاج الحليب بجرسيف، التي كانت تعرض صحة المستهلك للخطر، جراء الإهمال والقصور، اللذين طالا مختلف أطوار العملية، ابتداء من استقبال الحليب، وتصنيعه، وتخزينه، إلى توزيع منتجاته، بالإضافة إلى الغش في الوزن".
واستحضر بعزيز "التقرير، الذي أعده أحد الأطر المستخدمة بهذه الوحدة، في 07 نونبر 2022، ووجهه إلى عامل إقليم جرسيف ومصالح الفلاحة، والذي كشف من خلاله، الوضعية الخطيرة، والطريقة العشوائية، التي يدبر بها المدير العام أشغال تسيير هذه الوحدة، إلا أنه لم يفتح أي تحقيق جدي في هذا الموضوع؛ مما اضطر معه هذا الإطار إلى مغادرة الوحدة"، التي تناهز تكلفتها الإجمالية "60 مليون درهم، بمساهمة من وزارة الداخلية، ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، فضلا عن مساهمة التعاونيات، عند انطلاقة عملية الإنتاج والتوزيع، بحوالي 6 مليون درهم".
وأوضح أن "التقرير تضمن مجموعة من الاختلالات؛ أبرزها أن كيس حليب جرسيف وزنه، حسب الغلاف، 500 غرام، لكن في الواقع، 410 غرام فقط، وأنه هناك إشكالات على مستوى كتابة مدة الصلاحية عليه، وطريقة تخزينه بالوحدة؛ حيث يرمى في أركان الحجرات ولا يوضع في أمكنة صحية، وكذا اللجوء إلى إنتاج اللبن في بعض الأحيان، دون الحليب، لكون العلب المخصصة للحليب غير متوفرة، وذلك في عز أيام الشتاء؛ حيث لا يستهلك اللبن؛ مما أدى إلى اللجوء لتفريغ جزء منه، في قنوات المياه العادمة، بعد تعذر توزيعه كله على التجار، الذين رفضوا تسلمه، رغم عرضه عليهم مجانا، كونه لا يباع شتاء؛ مما أدى إلى التأثير سلبا عن نقطة تجميع المياه العادمة المخصصة للوحدة، وكذا مجموعة من الاختلالات، التي طالت عمليات التعليب واقتناء شاحنات التوزيع، والعجز المستمر والتصاعدي في المداخيل، وعدم اللجوء إلى إنتاج الياغورت والعصير، باعتبارها المشتقات الأكثر ربحا".
ومما تضمنه ذات التقرير، يقول بعزيز، أن "هذه الوحدة لم تربط بشبكة الصرف الصحي، بل وضعت لها نقطة تجميع خاصة بها؛ وهو ما أثر على المحيط البيئي بالمنطقة؛ حيث تنبعث منها روائح كريهة أدت إلى تشكي المقاولات والمواطنات والمواطنين على المستوى المحلي؛ مما يؤكد غياب أي دراسة بيئية قبلية للمشروع".
وتابع أن "التعاونيات المحلية ظلت تزود المجموعة بالحليب، بما مجموعه ثمانية أطنان يومية، ولم يكن هناك أي تهرب من طرفها، إلى أن تأخرت المجموعة في أداء مستحقاتها لمدة ثلاثة أشهر، وإخبارهم من طرف المستخدمين بالوحدة، بأنها تتجه نحو وضعية الإفلاس، واعتبارا لكونهم فلاحين صغار، لا قدرة لهم على أداء مستحقات الأعلاف، وانتظار إنقاذ الوحدة، توجه معظمهم مكرهين نحو البحث عن وجهة أخرى لتسويق حليبهم"، وأن "المجموعة كانت توجه الحصة الكبيرة من منتجاتها إلى الأقاليم المجاورة (الدريوش، تاوريرت، تازة، جرادة، ميسور...)، دون أن تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي لإقليم جرسيف؛ مما ساهم في رفع مصاريف التوزيع".
وأضاف بعزيز، في نفس السؤال الكتابي أن "المدير العام، الذي عين في انطلاقة المشروع، لم يستمر طويلا، بسبب الضغوطات، التي كانت تمارس عليه، وبهدف عدم السقوط في مخالفات قانونية، غادر الوحدة الصناعية، ليلتحق محله المدير العام الحالي، الذي يعتبره الجميع مسؤولا في الدرجة الثانية، بعد السلطة الإقليمية، عن تعثر هذه الوحدة الهامة، وما رافقها من ضياع للمال العام المتمثل في القيمة الإجمالية للمشروع".
كما كشف عضو الفريق الاشتراكي بمجلس النواب أن "المدير العام للمجموعة لم يعمل على إبرام أي تأمين، على سبيل المثال، التأمين عن حوادث الشغل، رغم إلزاميته قانونا، بل الأكثر من ذلك، حاول التستر عن حادثة الحروق الخطيرة، التي تعرضت لها أربع مستخدمات؛ وهو ما سيكلف المجموعة أداء مبالغ مالية مرتفعة قريبا، كان بإمكان شركة التأمين أن تحل محلها في الأداء، لو أبرم المدير العام عقدا للتأمين عن حوادث الشغل"، لافتا إلى أنه "ليست هناك أي اتفاقية شراكة أو تسليم رسمي للمشروع لفائدة التعاونيات المنخرطة في المجموعة ذات النفع الاقتصادي؛ مما يعني أن الجميع كان يشتغل في العشوائية، سواء على المستوى الإداري أو المالي، وأنه إلى حدود يومنا هذا، لم تتم عملية ضبط مداخيل الوحدة، الناتجة عن توزيع منتجات الحليب، ولا مآلها، بل الأكثر من ذلك، أنه تم التواصل مع أشخاص ذاتيين لا علاقة لهم بمجال تخصص الوحدة، وقاموا بدفع اعتمادات مالية لفائدة المجموعة".
وقال بعزيز إن "السلطة الإقليمية حاولت استبعاد رئيس المجموعة من التوقيع على الالتزامات والأداءات المالية، حتى لا يراقب التصرفات اللا قانونية للمدير العام، والتوجه نحو الاقتصار على هذا الأخير وأمين مال المجموعة، إلا أنه بعدما حظي هذا المقترح بعدم القبول من طرف الرئيس وآخرين، توجهت السلطة الإقليمية بمعية المدير العام نحو وضع عقد تعديلي، بتاريخ 23 شتنبر 2022، بإضافة المادة 16 مكررة، بهدف التناوب بين التعاونيات على رئاسة المجموعة، وذلك بحصرها في أربعة أشهر فقط، بدل سنتين المتعاقد حولها سابقا، بهدف استبعاد كل من يدلي برأي صائب في التدبير من الرئاسة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة القيادة، ومنح رئاستها لجهة أخرى، واقتصار المجموعة على عضويتها فقط".
وساءل بعزيز لفتيت، في ختام سؤاله الكتابي، حول "الإجراءات التي ستتخذها وزارته، من أجل إصدار قرار للمفتشية العامة للإدارة الترابية، قصد القيام بمهمة تفتيش استثنائية حول دور السلطة الإقليمية بجرسيف في تعثر هذه الوحدة الصناعية، وكذلك من أجل تحديد المسؤوليات وإحالة الملف على القضاء المختص، بالإضافة إلى الآجال المطلوبة للقيام بالمتعين".