يشهد الموقف العلمي من استعمال الكمامات لمواجهة فيروس كورونا المساجد " كوفيد19" تحولا جذريا. فبعد أن قللت حكومات عدردة، وبينها الحكومة المغربية، من أهمية وضع الكمامات بالنسبة الأشخاص الأصحاء، يشهد الموقف تحولا كبيرا على الصعيد الدولي، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، فهل يساؤر المغرب التوجه الجديد؟
موقف الحكومة المغربية
قبل تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد بالمغرب عرفت أسعار الكمامات الطبية ارتفاعا صاروخيا قبل أن تختفي نهائيا من الصيدليات المغربية.
وعزت مصادر متعددة اختفاء الكمامات من الصيدليات المغربية إلى تهريبها من طرف بعض الجهات إلى دول أوروبية، كما تعزز هذا الطرح بنجاح المصالح الأمنية في طنجة وأكادير في افشال عمليات تهريب الكمامات والمعدات الطبية إلى كل من بلجيكا وبريطانيا.
وفي الوقت الذي ظل الرأي العام يتساءل عن سر غياب الكمامات التي أصبح ارتداؤها مألوفا في شوارع الدول التي سجلت أولى الإصابات بـ"فيروس كورونا المستجد" كالصين وكوريا الجنوبية، اختارت الحكومة المغربية ممثلة في رئيس الحكومة ووزير الصحة التقليل من أهميتها في حماية المواطنين من "الفيروس".
في هذا الصدد، صرح رئيس الحكومة في 2 مارس الماضي في ندوة صحفية رفقة وزير الصحة خالد آيت الطالب أن وضع الكمامات بالنسبة للأشخاص الأصحاء لا فائدة منه، كما شدد وزير الصحة أن الكمامات التي تباع في الصيدليات لا تنفع الانسان غير المصاب بـ"فيروس كورونا في شيء"، مستدلا بتوصيات منظمة الصحة العالمية.
تغير الموقف
في الوقت الذي أجبرت الصين مواطنيها على وضع الكمامات الواقية في الأماكن العامة، ظلت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تعتبر وضعها بدون فائدة، إلا أن هذا الموقف سيتغير ابتداء من بداية الأسبوع الماضي بعدما كشفت دراسة أمريكية أن "فيروس كورونا المستجد" ينتقل عبر التنفس، كما وجدت الدراسة أن السعال يمكن أن ينقل الرذاذ الحامل للفيروس لأكثر من 6 أمتار، في حين أن العطس يمكن أن ينقله لأكثر من 8 أمتار.
وخلصت الدراسة، بحسب موقع "بي بي سي عربي" إلى أن "الكمامة في حالة وجودك في مواجهة شخص مصاب يمكن أن تساعد في تحويل مسار تنفسه وما يحمله من فيروسات بعيدا عن أنفك وفمك".
وبناء على كذلك، نصح الرئيس الأمريكي مواطني بلده بارتداء الكمامات أو قطعة وشاح من أجل تغطية الأنف عند الخروج خارج المنزل، كما أوصت أكاديمية الطب الفرنسية بتعميم ارتداء الكمامات على المواطنين خلال فترة الحجر الصحي، نظرا لكون عدد من المصابين لا تظهر عليهم أعراض الفيروس، لكنه ينتقل منهم إلى آخرين يمكن أن تظهر عليهم أعراض خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة، كما أعلنت تركيا أمس الأحد الزام المواطنين بارتداء الكمامات في الأماكن العمومية وأطلقت حملة لتوزيعها مجانا.
الوضع في المغرب
منذ بداية الحديث عن اختفاء الكمامات من الصيدليات المغربية، صرح وزير الصحة خالد آيت الطالب أن المغرب يتوفر على مخزون يقدر بـ12 مليون كمامة، داعيا إلى عدم التهويل من هذا الأمر، كما عملت الحكومة مؤخرا على اصدار قرار يحدد السعر الأقصى للكمامات الموجهة للاستعمالات غير الطبية في درهمين ونصف للوحدة، لكن الحكومة لحد الآن لم تنصح المواطنين باقتنائها، وحاول "تيلكيل عربي" الحصول على موقف من وزارة الصحة بشأن تغير الموقف الدولي من ارتداء الكمامات دون جدوى.
مسؤولية الحكومة
يرى عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وصيدلي ومستشار سابق لدى منظمة الصحة العالمية أن موضوع الكمامات تداخل فيه على الصعيد الدولي ما هو طبي بما هو سياسي.
وقال غالي "إن فرنسا كانت تنصح المواطنين بعدم ارتداء الكمامات لأنها لم تكن تتوفر عليها، أما الآن فقد استوردتها من الصين وستعمل على تعميمها".
وأضاف "واضح أن فرنسا كانت تريد تفادي خلق أزمة في صفوف المواطنين بسبب عدم توفر الكمامات، لذلك نصحت بعدم استعمالها في البداية"
ويرى غالي أن المغرب ظل يتابع ما تقوم به فرنسا، لذلك لم يتم توفير الكمامات ووضعها في متناول المواطنين منذ بداية دخول الفيروس للمغرب، معتبرا أن تعامل المغرب مع "الفيروس" غلب عليه طابع الارتباك من حيث عدم توفير الكمامات وعدم تهيئة الرأي العام للحجر الصحي، الذي يظل وحده غير كاف إذا لم يتم تعميم ارتداء الكمامات.
وأوضح غالي أن الكمامات متوفرة حاليا في الصيدليات، لكنها ذات جودة متواضعة، مشيرا إلى أن الصيدليات تعرف كذلك نقصا كبيرا في الكمامات الواقية التي يستعملها العاملون في قطاع الصحة والتي أصبح الصيادلة يقتنونها ب75 درهما للوحدة.
من جهة أخرى، أوضح غالي أن المجلس الجهوي لصيادلة الجنوب والمجلس الجهوي لصيادلة الشمال والفدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب قرروا صرف الكمامات داخل الصيدليات دون هامش ربح، مشددا على أنه من واجب الحكومة الآن أن تنصح المواطنين باستعمال الكمامات، وكذا توفير الكمامات الطبية للعاملين في قطاع الصحة.
من جهته، يقول مصطفى كرين، طبيب ورئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية أن اتباع الحكومة لنهج فرنسا هو الذي جعلها تتأخر في توفير الكمامات ونصح المواطنين باستعمالها منذ البداية.
وأضاف "لم نكن في حاجة إلى دراسة حتى نتأكد من أهمية الكمامات في الوقاية من فيروس كورونا المستجد، الذي يتميز بمواصفات لا توجد في غيره، خاصة أنه ينتقل عبر الهواء".
ولفت كرين إلى أن تصريحات الحكومة بعدم ارتداء غير المصابين للكمامات مردودة، خاصة أن أغلبية المصابين لا تظهر عليهم أعراض حادة، أو لا تظهر عليهم أية أعراض مما سيؤدي إلى انتقال العدوى لأكبر عدد من المواطنين.
ويرى كرين أن الحكومة يجب أن تتدارك خطئها وتعميم الأقنعة الواقية على المواطنين قبل أن يتفشى الفيروس ويصعب التحكم فيه.
وأضاف "تعميم ارتداء الكمامات على المواطنين أثبت فعاليته في الصين وفي كوريا الجنوبية، لذلك يجب أن تتدارك الحكومة خطأها وتوفير ما يلزم في أقرب وقت".
إلى ذلك، أورد موقع "لوديسك" أن المغرب سيبدأ توزيع 500.000 كمامة واقية يوميا ابتداء من اليوم الاثنين. وكشف الموقع أن "الكمامات سيتم وضعها رهن إشارة المواطنين في أزيد من 70.000 متجر بقالة".
وانضم خبراء من الجمعية المغربية للتخدير والإنعاش وعلاج الآلام والجمعية المغربية لطب المستعجلات، إل الداعين إلى ضرورة ارتداء المواطنين لقناع مضاد للرذاذ مصنوع من قماش مطوي عدة مرات (في حالة عدم وجود قناع طبي) خلال الخروج الضروري أثناء فترة الحجر الصحي وخلال مرحلة التعقيم.
وسجل الخبراء ، في بلاغ ، أنهم مدركون للنقص الذي تعرفه الكمامات الطبية سيما من نوع FFP2 على الصعيد العالمي، مؤكدين على أهمية تعزيز التدابير الاحترازية من خلال ارتداء كمامة من القماش مطوي عدة مرات في المنزل، لاسيما في وجود أشخاص يعانون من ضعف المناعة، وفي الأماكن المغلقة أو الضيقة في المنزل.
كما أوصوا بتخصيص كمامات طبية من نوع FFP2 لمهنيي الصحة الذين يوجدون على اتصال وثيق مع المرضى المشتبه أو المؤكدة إصابتهم بالفيروس، وارتداء الكمامات الطبية من قبل الأشخاص الذين على اتصال بالمرضى أو المشتبه أو المؤكدة إصابتهم، وجميع المرضى الذين يرتادون المرافق الصحية، فضلا عن مهنيي الصحة ورجال السلطة والإدارات الذين هم في اتصال مباشر مع السكان.
وأبرز الخبراء أن ارتداء كمامة أو قماش يوازيه من قبل جميع المواطنين في الفضاءات العمومية، خلال هذه المرحلة النشطة من انتشار فيروس كوفيد 19 لدى الأشخاص حاملي الفيروس دون أن تظهر عليهم أعراض ولم يخضعوا لتحليل مخبري، يشكل حلقة أساسية ضمن سلسلة التدابير الاحترازية من أجل انخفاض منحى الوباء وعدم استنزاف النظام الصحي وتحسين مكافحة هذا الوباء الخطير. ولاحظوا أن الإجراءات الاحترازية الصارمة ، بما في ذلك ارتداء الأقنعة المضادة للرذاذ من قبل السكان ، التي اعتمدتها الدول الآسيوية من قبيل الصين وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة، أثبتت فعاليتها للغاية في تقليل معدل تكاثر فيروس (كوفيد-19) أو فيروس كورونا المستجد ككل، والسيطرة على الوباء بشكل أفضل.