بعد تنامي ظاهرة السطو على العقارات وفي ظل استمرار العجز عن مواجهتها طالب عدول وقضاة ومحامون بتوحيد نظام التوثيق بين العدلي والعصري، بما يضمن الانسجام القانوني ويُيسر مساطر العقود، وتوضيح مضامين دوريات المحافظ العام، لتفادي التأويلات المتعددة التي قد تؤثر سلبًا على الأمن العقاري.
كما طالبوا خلال ندوة وطنية تحت عنوان: "الأمن العقاري: الإكراهات والآفاق" بالمحكمة الابتدائية بسوق السبت أولاد النمة، التابعة للدائرة القضائية بني ملال خنيفرة إعادة صياغة المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، التي تثير إشكالات عملية تؤثر على توثيق التصرفات، ومراجعة مقتضيات قانون المالية فيما يتعلق بتعويضات نزع الملكية للمنفعة العامة، بما يراعي الإنصاف القانوني.
ودعوا إلى فرض الإدلاء بشهادة أداء الضرائب المتعلقة بالعقار موضوع المعاملة فقط، دون ربطها بباقي ممتلكات الطرف البائع، مع تعديل المادة 109 من ظهير التحفيظ العقاري، بإضافة إمكانية ممارسة الطعون غير العادية إلى جانب الاستئناف والنقض، وتعزيز الإطار القانوني لعمل الخبراء، خاصة في ما يتعلق بتقييم العقارات لإعداد الخبرات القضائية.
وعبروا عن رفضهم لصياغة نصوص قانونية تحت ضغط الأزمات، لضمان الاستقرار التشريعي وجودة القوانين، وإعادة صياغة بعض المفاهيم القانونية الواردة في القوانين العقارية، والتمييز بين ما هو موضوعي وإجرائي، وتوحيد النصوص القانونية في مدونة عقارية شاملة ومبسطة، وتحديد طرق إثبات ملكية الأراضي السلالية، وضمان حمايتها قانونيًا، وضع آليات قانونية لحماية المستهلك في مجال التعاقدات العقارية.
كما طالبوا بتبسيط مساطر التحفيظ، خصوصًا الأراضي الواقعة في دوائر الضم، وتوسيع صلاحيات النيابة العامة لحماية الحيازة، وتعديل الفصل 570 من القانون الجنائي، لتجريم كل فعل ينتزع الحيازة أو يعرقل الانتفاع بالعقار دون مبرر، مع تمكين القضاء من إعادة الحالة إلى ما كانت عليه تلقائيًا.
وفي السياق ذاته، أكدت عائشة العازم، رئيسة المحكمة الابتدائية بسوق السبت، على أهمية هذه المبادرة التي جمعت بين مختلف المتدخلين في منظومة العدالة، مبرزةً أن العلاقة بين الإنسان والعقار تتجاوز البُعد المادي، لتصبح أساسًا للاستقرار المجتمعي والاقتصادي، وهو ما يفرض تنظيمًا دقيقًا ومواكبة تشريعية متجددة.
من جهته، شدد إدريس الطرالي، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية بني ملال، على أن تحقيق الأمن العقاري يستلزم توافر تخطيط حضري فعّال وسياسة عقارية واضحة المعالم، معتبرًا أن العقار ركيزة أساسية لإنجاح السياسات العمومية، لاسيما في مجالات الاستثمار والتنمية المجالية.
أما الأستاذ سعيد الصروخ، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية طنجة، فقد نوه بالشراكة المهنية بين العدول والجهاز القضائي، مشيرًا إلى أن القضاء لم يعد فقط سلطة تفصل في الخصومات، بل أضحى فاعلًا إداريًا ومجتمعيًا، عبر ما يعرف اليوم بقضاء القرب أو القضاء المجتمعي، داعيًا إلى تعميق هذا الدور في خدمة الأمن العقاري.
وفي السياق نفسه، اعتبر بوشعيب لوردي، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسوق السبت، أن "تعدد الأنظمة القانونية وتنامي الاستيلاء على عقارات الغير يفرضان مقاربة أكثر صرامة في ضبط المعاملات"، مؤكدًا أن "المنظومة العقارية الحالية بحاجة إلى إعادة هيكلة تشريعية تُعيد الثقة وتُقلّص النزاعات"، داعيًا إلى تعزيز التنسيق بين القضاء وباقي المتدخلين، وبناء رؤية وطنية مندمجة تقوم على تكامل الأدوار وتقوية التكوين المستمر للعدول والموثقين لمواكبة التحولات القانونية والتقنية.
وقد عرفت الندوة مداخلات متنوعة لممثلي هيئات المحامين وخبراء عقاريين ورؤساء مصالح إدارية، تم خلالها التوقف عند العقبات التي تعيق توثيق الملكيات، وتعدد المرجعيات القانونية، وكذا الصعوبات التي يواجهها المواطنون في مساطر التحفيظ، وهو ما يفرز بيئة قانونية معقدة تؤثر سلبًا على الثقة والاستثمار.