في أول تعليق حكومي، أقر المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أمس الاثنين، خلال استضافته في ندوة صحفية نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني، بسلا، أن "هناك تناقضات بين تصريحات المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، وبلاغ بنك المغرب"، بخصوص أزمة الأسعار والتضخم المستورد.
وأوضح بنسعيد أنه لكل من مندوبية التخطيط وبنك المغرب "نموذج اقتصادي خاص"، مضيفا أن الحكومة بدورها، "تسير بنموذج اقتصادي آخر".
وتابع المسؤول الحكومي أن "خلاصات التقارير السابقة، التي أصدرتها المؤسستان، لم تكن كلها صحيحة؛ كون كل مؤسسة تعمل بناء على مؤشراتها الخاصة".
وأضاف: "نحن كحكومة، نعتبر أن الخلاصات، التي يخرج بها بنك المغرب، أو المندوبية السامية، خلاصات إيجابية؛ لأنها تساعدنا في تحسين السياسات العمومية المقترحة، في المجال الاقتصادي، وطرح الحلول السليمة".
وتابع بنسعيد: "هناك سؤال مطروح حول من لديه الحق، والي بنك المغرب، أم المندوب السامي للتخطيط؟ لكن نحن لا نستطيع تحديد من المحق فيهما ومن المخطئ".
ولدى سؤاله عما كشفه الحليمي حول كون التضخم في المغرب محليا وليس مستوردا، الأمر الذي يناقض تصريحات الحكومة، رد الوزير: "كلام الحليمي ليس قرآنا منزلا، بل هو خلاصات مبنية على النموذج الاقتصادي، الذي تشتغل به مندوبية التخطيط"، مضيفا أن "وزارة الاقتصاد تستند عليها، لأخذ احتياطاتها، وفق نموذجها وتصورها الخاص"، قبل أن يتساءل: "عودوا إلى التقارير السابقة، هل كل الخلاصات المتضمنة بها صحيحة؟"، في تلميح منه إلى احتمالية عدم صحة خلاصات مندوبية التخطيط وبنك المغرب الأخيرة.
وحول ما إذا كانت الحكومة منزعجة من قرار بنك المغرب رفع سعر الفائدة، حسب ما تسرب من أخبار، تهرب بنسعيد من الرد، مكتفيا بالقول: "لا إشكال لدينا مع هذه المؤسسات".
وأضاف المسؤول الحكومي، بخصوص ارتفاع الأسعار، أن "هناك فرقا كبيرا بين من يدبر ومن يصدر التقارير. الحكومة تدبر حياة أكثر من 30 مليون مغربي. لذلك، فهي تأخذ من خلاصات مندوبية التخطيط وبنك المغرب ما يتوافق مع هذا التدبير بكل إشكالياته"، موضحا أن "همنا أن نجد حلولا، على المدى القصير، حتى يحس المغاربة أننا معهم، مع استحضار إيجاد حلول، على المدى المتوسط والطويل، بذكاء سياسي واقتصادي".
يشار إلى أن الحليمي أكد، أول أمس الأحد، في حوار مع "Médias24"، أن "التضخم أصبح عاملا هيكليا في اقتصادنا، وعلينا التعود على التعايش معه"، مرجعا ذلك إلى "نقص المعروض في السوق المحلي، وليس بسبب زيادة الطلب، التي من شأنها رفع الأسعار"؛ مناقضا بذلك ما صرحت به الحكومة حول كون التضخم "مستوردا" (له علاقة بالظروف والأسعار الدولية).
وتابع الحليمي أن قرار بنك المغرب القاضي برفع سعر الفائدة "ليس هو الحل لخفض التضخم"، موضحا أن "الرافعة، التي يجب تفعيلها، هي الإصلاحات الهيكلية لسياسات الإنتاج لدينا؛ لأن مشكلة المغرب هي مشكلة عرض وليس طلب".
وأضاف: "علينا أيضا، أن نقبل أن تنمية بلدنا تعتمد، الآن، على زيادة الأسعار، وأن هذا التضخم جزء من فترة إصلاح، ونقلة نوعية في السياسات الاقتصادية. هذه هي الطريقة، التي تطورت بها العديد من البلدان في العالم، وهذا ما تعلمنا إياه أيضا، أدبيات ما بعد التصنيع. يجب أن نواصل جهودنا لتنمية البلاد، والتعود على التضخم".
وحول بلوغ نسبة التضخم إلى 10.1 في المائة، بنهاية شهر فبراير، أوضح المندوب السامي للتخطيط أن "التضخم مدفوع، بشكل أساسي، بارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتي زادت بأكثر من 20 في المائة، على مدار العام".
وقال الحليمي في نفس الحوار: "خذ حالة المنتجات الزراعية. في المغرب، أصبح الجفاف عاملا هيكليا، في السنوات الأخيرة. مع تطور المناخ، وموقعنا في منطقة شبه قاحلة، سنشهد مرة، كل ثلاث سنوات، في المتوسط، جفافا كبيرا. وحتى عندما تكون هناك تساقطات مطرية، فإنه لا يتم توزيعها، بشكل جيد، على كامل البلاد".
وتابع: "وبالتالي، يجب أن ندرك أننا في وضع يجب أن تمر فيه الزراعة بثورة، من أجل تغيير نظام الإنتاج، والتحرك نحو السيادة الغذائية، والإنتاج لما نستهلكه، في المقام الأول، مع تحقيق أقصى قدر ممكن من التقدم التقني والتكنولوجي، لتحسين الغلة. بعد عامين من الجفاف، وسنة شبه جافة - العام الذي نشهده حاليا - نحن في وضع؛ حيث ننتج أقل من ذي قبل. لذلك، لدينا مشكل في العرض".
وأضاف: "الأمر الثاني، أن ما نستورده أصبح أكثر تكلفة، وسيظل كذلك؛ لأن تكاليف الإنتاج في جميع أنحاء العالم تتزايد، ولا تزال المخاطر الجيو إستراتيجية سائدة في السوق".
أما "العامل الثالث، الذي يوضح أن هذا التضخم سيكون دائما"، حسب الحليمي، "فهي الاحتياجات الهائلة للاستثمارات، التي يحتاجها العالم، مع ضرورة التحول البيئي، وانتقال الطاقة، وإزالة الكربون الصناعي، ودمج التقنيات في أنظمة وخدمات الإنتاج. هذا له تأثير مباشر على تكاليف الإنتاج، والتي ستزداد، من سنة إلى أخرى، لتنعكس على أسعار المنتجات النهائية"، مؤكدا: "باختصار، سنحصل على واردات سترتفع تكاليفها، وإمدادات محلية غير كافية، بسبب الكارثة المناخية، التي تخلق خللا في السوق، وستتسارع أكثر، في السنوات القادمة، مع زيادة عدد سكاننا، وتغيير أنماط الاستهلاك. وهذا يجب أن يشجعنا على إدراك أن الزيادة في الأسعار ستصبح هيكلية".
ودعا المندوب السامي للتخطيط حكومة أخنوش إلى "التعامل مع الرأي العام باحترام، واعتباره ناضجا، وإخباره بالحقيقة، حتى يكون على دراية بالإصلاحات، التي يجب القيام بها"، مضيفا: "يجب أن نقول للمغاربة إنه يجب علينا أن ننسى أرقام النمو البالغة 4 في المائة، سنويا، والتي التزمت بها الحكومة في برنامجها. في الوقت الحالي، ما زلنا نتوقع 3.3 في المائة، لعام 2023. لكننا، بالتأكيد، سنراجع هذا الرقم نزولا، في شهر يونيو. سيكون من الصعب، بالفعل، تحقيق المزيد من النمو، في هذا السياق".
وتابع: "ومع ذلك، ما أراه هو أننا نفعل العكس، تماما، بالقول إن كل شيء على ما يرام، وإن مشكل التضخم سيحل من خلال الآليات النقدية، لسبب بسيط، هو إسعاد المنظمات الدولية".
وحول ما يجب إعطاؤه الأولوية، محاربة التضخم أم تسريع النمو، رد الحليمي إننا "نعيش حالة انفصام"، موضحا: "فمن ناحية، نوزع الدخل على الشباب بأي ثمن، من خلال برامج؛ مثل "أوراش"، و"فرصة"، ونروج للشركات من خلال الإعانات أثناء تعبئة البنوك، ومن ناحية أخرى، نزيد تكلفة تمويل الاقتصاد"؛ حيث أكد على "عدم وجود أي اتساق بين السياسة النقدية والسياسة المالية للبلاد".