يدافع وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، عن تصور لا يريد اختزال التدابير المحفزة للاستثمار المحدث لفرص الشغل في الضريبة، فهو يتصور أن التحفيزات الجبائية غير حاسمة في تحقيق ذلك الهدف، ما يدفعه إلى التشديد على تبني تدابير أخرى مواكبة للمستثمرين، في الوقت نفسه الذي يربط خفض الضريبة على الدخل بتوسيع الوعاء الجبائي.
ضيق من الاختزال
لا يتردد وزير المالية في التعبير عن ضيقه من التركيز على المطالب التي ترنو إلى خفض الضريبة لهذا القطاع أو ذاك، حيث يبدي المعنيون بها نوعا من الرضا عندما تخفض الضريبة، لأنهم سيجنون ربحا من وراء ذلك، بينما يعبرون عن امتعاضهم عندما يجري رفع الضريبة، ويبدون نوعا من المقاومة.
يشدد بنشعبون، في لقاء مع الصحافة أمس الثلاثاء بالدار البيضاء، على أن النقاش بين الحكومة والمهنيين لا يفترض أن يختزل في تخفيض الضريبة، لأن الإصلاحات لا يجب أن تختزل في ذلك البعد، معتبرا أن الحكومة مستعدة للتعاطي مع كل المقترحات التي تفضي إلى زيادة القيمة المضافة وخلق فرص العمل في كل قطاع على حدة.
ويؤكد على أن خفض الضريبة على الشركات لفائدة الشركات الصناعية، من 31 في المائة إلى 28 في المائة، لا يعني أن المستهدف به سيستثمر أكثر، معتبرا أنه إذا بلورت آليات من أجل مواكبة القطاعات الإنتاجية وتحسين تنافسيتها، فإن ذلك سيشجع الاستثمار ويفضي إلى توفير فرص العمل، حيث سيربح الجميع.
وعرض لرفع الضريبة على الشركات التي تخضع لها الفنادق من 17,5 في المائة إلى 20 في المائة، والذي أثار حفيظة المستثمرين في القطاع الذين عبروا عن أن ذلك التدبير سينعكس على أسعار خدماتهم، معتبرا أن ذلك لن يكلفهم سوى 8 ملايين درهم، مشددا على أنه يمكن التداول حول تدابير مواكبة غير جبائية بالنسبة للقطاع، حتى يدعم تنافسيته.
ويذهب زهير الشرفي، الكاتب العام لوزارة الاقتصاد والمالية والإصلاح الإداري، إلى أن طنجة كانت تستفيد من خفض الضريبة بنسبة 50 في المائة، غير أن الاستثمارات لم تنجز بها، إلا عندما جرى توفير الميناء والمنطقة الحرة واللوجستيك، مشددا على أن الضريبة لا تأتي ضمن أولى انشغالات المستثمرين.
سطوة الواقع
يعتبر الوزير أن هناك حقائق يتم إغفالها إلى وضع قوانين على هامش المجتمع، موضحا أنه عندما يقال إنه يجب الذهاب نحو تحقيق الإنصاف الجبائي، الذي يتأتى عبر عقلنة الضريبة على القيمة المضافة، وإعادة هيكلة الضريبة على الشركات، وتكريس عدالة الضريبة على الدخل، فإنه يتم التسليم بذلك، لكن عندما تخفض الضريبة لا يطرح ذلك أي مشكل، لكن حينما ترفع الضريبة من أجل الوصول إلى العدالة تبدأ ردود الأفعال.
ويضيف أنه عندما تريد توسيع الوعاء الجبائي، فإن ذلك يفترض أن شرائح لا تفي بالضريبة، غير أن التعاطي مع ذلك الأمر يطرح مشكلا، حيث يشير إلى وضعيتين، يوضحهما كالتالي: "عندما تكون إزاء 10 في المائة من الملزمين وضعيتهم غير سوية إزاء الضريبة، فإنك توجد في وضعية عدم ملاءمة تلجأ إلى تصحيحها، لكن عندما يكون 80 في المائة من بين الملزمين وضعيتهم غير سوية، فإنك توجد أمام ظاهرة مجتمعية".
ويضرب لذلك مثلا بالضريبة على الدخول المهنية، حيث توجد هوة كبيرة بين ما يقتضيه القانون الجبائي وبين الواقع، مشيرا إلى أن المقاومات تبدأ عند الانتقال من وضعية عدم الوفاء بالضريبة إلى المساهمة في المجهود الجبائي للدولة.
وأشار إلى أن الضريبة على الدخول المهنية تطرح مشاكل في ظل الهوة الكبيرة بين ما يقتضيه القانون الجبائي والواقع، وعند الرغبة في الانتقال إلى وضعية سليمة تتم مصادفة مقاومات.
ويعتبر أن هناك عنصرين للقطيعة؛ يتمثل الأول في الإصلاح الجبائي الذي تم التوافق حول مبادئه في مناظرة الصخيرات في ماي الماضي، والتي جرى التأكيد، خلالها، على ضرورة تكريس الإنضاف الجبائي، في نفس الوقت الذي يعمد إلى مد جسور الثقة، وهو ما يتجلى مثلا عبر إتاحة التسوية التلقائية للممتلكات والأموال النقدية الموجودة بالخارج مقابل مساهمة إبرائية، قبل تفعيل تطبيق الاتفاقية التي تربط المغرب بالدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، والتي تقوم على تبادل المعلومات حول الحسابات المالية اعتبارا من 2021.
مطالب قابلة للتطبيق
ويعتبر بنشعبون أنه لا توجد وصفة واحدة للتعاطي مع الاستثمار، وبالتالي مع الضريبة، موضحا أنه "عندما نقول بأنه يجب القيام بخيار ما يجب أن يكون قابلا للتطبيق، فلائحة مطالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، برسم العام المقبل، ستكلف ثمانية ملايير درهم، غير أن الأمر غير قابل للتنفيذ، حيث قلنا إنه يمكن الانخراط في تلبية بعض الانتظارات، وأنه يمكن التوجه نحو خفض الضريبة بالنسبة للشركات الصناعية كي تصل إلى 20 في المائة، لكن بطريقة تدريجية، ويمكن أن ننهج نفس السبيل بالنسبة للقطاعات الأخرى، بشكل تدريجي، تبعا للكلفة التي يمكن تحملها، فكلفة المرور إلى 20 في المائة نعرفها، وجرى تقييمها".
ويرى أنه إذا جرى التمكن، عبر مثل هذه التدابير، من بث ثقة أكبر واستثمارات أكبر ودينامية اقتصادية، يمكن أن ينعكس ذلك إيجابيا على موارد الدولة، وأوضح قائلا: "يجب النظر إلى الأمور على حقيقتها، حيث يمكن المضي في خفض الضريبة دون أن يفضي ذلك إلى تحقيق تلك الأهداف، ما يعني أنه يجب قيادة الأمور، حسب النتائج المحققة".
الأجراء.. في انتظار التوسيع
لكن هل ستركز التدابير الجبائية على تلك التي تدعم الاستثمار وخلق الشغل؟ ماذا عن الضريبة على الدخل ودعم القدرة الشرائية للأجراء والموظفين والطقبة المتوسطة؟ يعتبر الوزير أن التعويضات العائلية ورفع الأجور، إثر الاتفاق الذي تمخض عن الحوار الاجتماعي، سيساهم في دعم القدرة الشرائية، غير أنه يؤكد على أن "المطالب حول خفض الضريبة على الدخل التي تصيب الأجور مسألة مشروعة، وستحدث"، غير أن ذلك يبقى مشروطا بتوسيع الوعاء الجبائي، من أجل تعويض التخفيض، مؤكدا على أنه كان هناك التزام خلال المناظرة الوطنية حول الجبائية بأن يكون التوسيع مؤديا إلى خفض الضريبة على الدخل.
وكانت العديد من المطالب، عبر عنها بمناسبة المناظرة الوطنية حول الجبائية، حيث هناك من دعا إلى رفع الشريحة المعفاة من الضريبة على الدخل من 30 ألف درهم في العام إلى 36 ألف درهم وحتى 60 ألف درهم، وتخفيف الضغط الجبائي عبر إعادة النظر في الشرائح الوسطى الخاضعة للضريبة.