يعتبر نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في الأغلبية الحكومية، أن النقاش الدائر حول لغة تدريس بعض المواد العلمية تحول إلى حلبة للتسابق الانتخابي المبكر تحسبا لتشريعيات 2021
"أن النقاش الحالي حول القضية اللغوية، الذي يدخل في إطار مشروع القانون الإطار حول التعليم، يعود للأسف إلى الواجهة بشكل منتظم كلما حاول المغرب إصلاح تعليمه. ويعود الأمر إلى الستينيات، وتكرر في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، ثم في بداية الألفية الثالثة، وها هو النقاش يثار اليوم من جديد. وهذا حقا مؤسف وغير مقبول بالمرة.
بادئ ذي بدء، أود أن أوضح أن المرض لا يكمن في إشكالية اللغة، فإصلاح التعليم مرتبط، أولا وقبل كل شيء، بمكانة المدرسة العمومية في مجتمعنا والدور الذي يتعين عليها النهوض به. والحديث عن إصلاح التعليم يعني الحرص على تكافؤ الفرص كمبدإ دستوري، لأن الهدف هو تمكين كل الشرائح الاجتماعية من تعليم ذي جودة، وجعل كل الإناث والذكور يستفيدون من هذا التعليم دون أي تمييز يذكر.
وإصلاح التعليم يفترض اشتغالا حقيقيا وعميقا على محتويات الدروس والمناهج الدراسية وطرق التعليم. هذا الإصلاح يعني تأهيل الموارد البشرية ماديا وعلميا، لأن نساء ورجال التعليم يجب أن يكونوا جميعا قادرين على إحداث التغيير كل يوم، ويتعين عليهم مواكبة التلاميذ والحرص على تغذية وإغناء فكرهم باستمرار.
كما أن هذا الإصلاح يعتمد على مجموعة من الآليات والوسائط من بينها لغة التدريس. وفي تقديري، لا يجب أن تكون هذه القضية موضوع نزاع. فالمنطق السليم يفرض علينا التأكيد على أن للمغرب لغة رسمية هي العربية، في انتظار التفعيل الحق للأمازيغية. من هذا المنطلق، من الطبيعي أن يتم التركيز على التعلم باللغة العربية فيما يخص الجذع المشترك، لأن جذورنا وأصولنا وحتى عاداتنا التعلمية نابعة من هذه اللغة. بعد الإقرار بهذا، بجب كذلك الاعتراف بأنه من الضروري، اليوم أكثر من الأمس، الانفتاح على اللغات الأجنبية، ومنذ الفصول الدراسية الأولى. فهذه اللغات أداة لإغناء مدارك التلميذ ووسيلة للانفتاح على العالم. كما تخول لهم استيعاب الثقافات الأخرى، والتشبع بالقيم الكونية التي يحتاجها مجتمعنا كثيرا للتقدم.
وبالتالي يمكن تدريس بعض المواد باللغات الأجنبية، كما هو الحال في اليابان، كوريا الجنوبية، تركيا وماليزيا، وهي كلها دول لها هوية لغوية قوية جدا. وفي حالة المغرب يتعين إدماج الإنجليزية التي فرضت نفسها كلغة مرجعية على الصعيد العالمي. ولعل اللغة الصينية، بناء على توقعات مستقبلية، ستصبح ضرورية ولا محيد عنها غدا.
من هذا المنطلق، يبدو لي مشهد الأغلبية مؤسف جدا. فبدل العمل على تمرير هذا القانون الإطار في أقرب الآجال، نتابع عودة ظهور ردود أفعال بالية، وحسابات سياسوية انتخابوية وضيعة، بل وحسابات لها صبغة شخصية.
الواقع أنه رغم كل الجهود المبذولة للوصول إلى حل وسط يتجاوز ردود الأفعال الهوياتية المتوجسة والرافضة لأي انفتاح على اللغات الأجنبية، وكذا الأطروحات التي تقول بضرورة وضع اللغة العربية في الثلاجة إلى الأبد، فإن الأمور ظلت جامدة في مكانها. لقد حولنا قضية حيوية بالنسبة للشعب المغربي، إلى حلبة للتسابق المبكر تحسبا لانتخابات 2021.
ويجب أن نعلم أنه حتى في حالة إقرار هذا القانون، سيتعين في أعقاب ذلك اعتماد 40 نصا قانونيا إضافيا. وهذا يعني بكل بساطة أن الإصلاح الملموس لن يكون جاهزا غدا.
ولا يسعني إلى أن أندد بشدة بالمقاربات المعتمدة من طرف المعسكر المحافظ وكذلك تلك المغلفة بالحداثة، والتي لا تفكر كلها سوى في تشريعيات 2021.
رجاء، إن كنا حقا نسعى إلى إصلاح التعليم، فلنتحلى بأدنى حد من التماسك وأقصى حد من الصرامة والدقة، ولنتحلى، قبل كل شيء، بجرعة كبيرة من النزاهة.